الرأي العام

قصد السبيل | حزب الله في عين السوري

د. علاء الدين آل رشي

إني سوري مبعد عن وطنه، ليس بسبب نظام الحكم فحسب، بل لخوفي من دواعش حزب الله الذين تلطخت أيديهم بدماء أبناء بلدي.

 حزبٌ كان في يوم من الأيام رمزاً للمقاومة ضد الاحتلال، لكنه تحول بمرور الزمن إلى قوة تدميرية داخل سوريا، أسهم في القتل والتهجير، ووقف إلى جانب نظام جائر في قمع ثورة شعبية نادت بالحرية والكرامة. لا يمكنني اليوم أن أنظر إلى هذا الحزب كما كنت أفعل في السابق، بعدما شاهدت بأم عيني كيف كان حاضراً في الصفوف الأمامية للمعارك التي دمرت أحلامنا وقتلت أهلنا.

 في عام 1982، تأسس حزب الله تحت شعار المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، وكان هدفه المعلن هو حماية لبنان من العدوان الخارجي. نجح الحزب في طرد القوات المحتلة من جنوب لبنان عام 2000، مما أكسبه احتراماً واسعاً في المنطقة. لكن بعد عام 2011، تغيّرت مواقف الحزب بشكل دراماتيكي، إذ تحوّل من مقاتل ضد الاحتلال إلى قاتل مأجور ضد الشعوب الثائرة، وبدأ بالتدخل المباشر في الصراع السوري. تدخله في سوريا كان خيانة لمبادئ المقاومة الحقيقية، حيث أصبح الحزب جزءاً من آلة القمع التي استخدمها النظام ضد المدنيين.

 الإحصائيات لا تكذب، وتُظهر حجم المأساة التي ساهم فيها حزب الله. في معركة القصير عام 2013، لعب الحزب دوراً أساسياً، حيث قتل الآلاف من المدنيين وتم تشريد عشرات الآلاف. تشير التقارير إلى أن عدد قتلى الحزب في سوريا قد تجاوز 2000 عنصر، لكن هذا الرقم لا يعكس الخسائر البشرية في صفوف المدنيين السوريين الذين سقطوا نتيجة لهذا التدخل. حزب الله لم يشارك فقط في معركة القصير، بل امتد دوره ليشمل العديد من المناطق مثل حلب وريف دمشق، حيث كان جزءاً من هجمات عسكرية استهدفت المدنيين بلا رحمة. الفارق بين حزب الله وسحرة فرعون أن السحرة ملأوا الأرض بثعابين موهومة، أما حزب الله فقد ملأ سوريا بقتلة ومتفجرات ملغومة. بالنسبة لي، لم يعد حزب الله يمثل أي قيمة للمقاومة. بل تحول إلى كيان داعشي إرهابي يخدم أجندة إيرانية بنكهة طائفية عدوانية في المنطقة، متجاهلاً تضحيات السوريين ومعاناتهم. الاستطلاعات تشير إلى أن نسبة كبيرة من السوريين، بل ومن المسلمين عموماً، يرون في حزب الله اليوم قوة طائفية تسعى للسيطرة والنفوذ على حساب الشعوب.

أذكر أني وقفت على استطلاع للرأي أُجري في عام 2020 أظهر أن ما يزيد عن 72% من السوريين فقدوا ثقتهم بالحزب، ويرونه الآن كجزء من الأزمة بدلاً من أن يكون جزءاً من الحل. التدخل العسكري الذي قام به حزب الله في سوريا لم يقتصر على الجانب العسكري فقط، بل أثر بشكل مباشر على النسيج الاجتماعي السوري وقام بتغيير ديموغرافي في دمشق وحلب. سياسة “التطهير الطائفي” التي انتهجها الحزب أدت إلى تغيير التركيبة السكانية في بعض المناطق، عبر تهجير السكان الأصليين واستبدالهم بآخرين من طوائف ومناطق أخرى. هذا التغيير القسري ليس فقط جريمة بحق الشعب السوري، بل هو عامل يزيد من تعقيد الصراع ويطيل أمده. تقرير الأمم المتحدة لعام 2022 أشار إلى أن تورط حزب الله في سوريا ساهم في تعطيل جهود المصالحة وعرقلة الاستقرار في المناطق التي حاولت استعادة حياتها بعد انسحاب قوات النظام منها. فالحزب، الذي كان في السابق يُعتبر قوة مقاومة، أصبح اليوم جزءاً من القوى التي تُعرقل تحقيق السلام والاستقرار في سوريا.

 بالنسبة لمن فقد عائلته وتعرض للتهجير، لا يمكن لحزب الله أن يعود إلى دوره السابق كقوة نضال ضد الاحتلال. بل أصبح رمزاً للعنف والطائفية، ولن ينسى السوريون ذلك بسهولة. الخسائر البشرية والمادية التي نتجت عن تدخل حزب الله في سوريا لا يمكن تجاهلها. أكثر من 6.6 مليون سوري نزحوا داخل بلادهم، بينما هاجر 5.6 مليون آخرين إلى دول الجوار وأوروبا، بحثاً عن الأمان والاستقرار. هذا التهجير القسري يعتبر جريمة بحد ذاته، ولعب حزب الله دوراً كبيراً فيه من خلال دعمه للنظام السوري. بعد مرور أكثر من عقد على تدخل حزب الله في سوريا، بات واضحاً أن الحزب لا يخدم سوى أجندة خارجية، وأن مواقفه باتت تتناقض مع مصالح الشعوب التي يدّعي حمايتها. بالنسبة لي، لا يمكن النظر إلى حزب الله كجزء من أي حل مستقبلي لسوريا. بل هو عامل من عوامل تفاقم الأزمة، ودوره في الصراع ساهم في زيادة حدة العنف والدمار.

اليوم، وبصفتي سوري فقد حلمه وقتل أقاربه بسبب هذا الحزب، لا أملك سوى أن أرى فيه كياناً لم يعد يمثل المقاومة بل تحول إلى قوة طائفية تخدم مصالح خارجية. السؤال الذي يبقى مطروحاً: هل يمكن لحزب الله أن يتراجع عن مساره الحالي ويعود إلى مبادئه الأصلية، أم أنه أصبح جزءاً لا يتجزأ من الأزمة التي تلتهم سوريا والمنطقة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى