دلالات وقضايا | هل يمكن التَّفاؤل بمستقبل الشَّرق الأوسط؟
هل ستكون سياسة (صفر مشاكل) نواة للسَّلام المنتظر في الشَّرق الأوسط؟

مهنا بلال الرشيد – العربي القديم
يولي الرَّئيس الأمريكيُّ دونالد ترامب المملكة العربيَّة السُّعوديَّة جزءًا كبيرًا من اهتمامه، ويصرِّح دائمًا عن موقعها الجيوسياسيِّ المهمِّ في الشَّرق الأوسط وباقي أنحاء العالم، وغالبًا ما يستهلُّ ترامب رحلاته الخارجيَّة بزيارة السُّعوديَّة عند شروعه بتنفيذ برنامجه مشروعه الَّذي حظي بسببه على ثقة النَّاخب الأمريكيِّ، وتعدُّ زيارة ترامب المتوقَّعة إلى السُّعوديَّة في أيَّار-مايو مهمَّة جدًّا من وجهة نظر كثير من المتابعين لأكثر من سبب؛ تأتي في مقدِّمتها إرهاصات الشَّرق الأوسط وتحوُّلاته الكبرى، الَّتي تغري المتابع باسترجاعها للوقوف عليها كمقدِّمات ستسفر عن نتائج حتميَّة، ومن الممكن جدًّا أن تكون نتائج إيجابيَّة تدفع نحو ارتفاع منسوب التَّفاؤل وإلى حدِّ الاعتقاد بتبلور عمليَّة السَّلام-بعد طول انتظارها-في الشَّرق الأوسط ، ويزيد منسوبَ التَّفاؤل لدينا ذلك الحراك الدِّيبلوماسيُّ المتسارع أو المحموم، الَّذي نتابعه في زيارات متبادلة بين ساسة الشَّرق الأوسط واجتماع كثثير من قادة الشَّرق الأوسط وساسة العالم في منتدى أنطاليا الدِّيبلوماسيِّ بالإضافة إلى حراك تركيا للحيلولة دون الاشتباك مع نتنياهو في سوريا، وهو الَّذي يحاول خلق الذَّرائع لتقديم عدوانه وانتهاكاته كإنجازات شخصيَّة؛ ليحوِّلها إلى رصيد انتخابيٍّ في انتخابات الكينيست المقبلة.
منتدى أنطاليا تتويج لجهود سابقة وتطلُّعات نحو آفاق مشتركة
كذلك اختار رئيس الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة الجديد السَّيِّد أحمد الشَّرع المملكة العربيَّة السُّعوديَّة لتكون محطَّته الخارجيَّة الأولى عندما زارها في الثَّاني من شباط-فبراير الماضي، ثمَّ حطَّ في تركيا في الرَّابع من شباط-فبراير، وزار الأردن في السَّادس والعشرين من الشَّهر ذاته؛ ليحضر بعد ذلك القمَّة العربيَّة في القاهرة في الرَّابع من آذار-مارس الماضي؛ لينتقل بعد ذلك وفي يوم الجمعة 11 نيسان-أبريل 2025 إلى منتدى أنطاليا الدِّيبلوماسيِّ في نسخته الرَّابعة في تركيا مجدَّدًا. وقد حضر هذا المنتدى أكثر من 20 رئيس دولة ورئيس حكومة مع مجموعة كبيرة من وزراء خارجيَّة دول العالم ودبلوماسيِّيها وساستها وصنَّاع القرار فيها. ويدلُّ هذا المنتدى بشكل من الأشكال على ثقل تركيا في الشَّرق الأوسط والعالم، نظرًا لنقاش الحاضرين في معظم لقاءاتهم الجانبيَّة حول جملة من قضايا العالم الرَّاهنة؛ لتطلق تركيا من خلال هذا المؤتمر جملة من الرَّسائل الدَّالَّة على ثقلها الجيوسياسيِّ ودورها المهمِّ في الشَّرق الأوسط والعالم. وقد لفتت الهالة الإعلاميَّة المحيطة برئيس سوريا السَّيد أحمد الشَّرع انتباه المتابعين علاوة على لقائه بكلٍّ من رئيس إقليم كردستان السَّيِّد نيجرفان بارزاني ورئيسة جمهوريَّة كوسوفو فيوسا عثماني؛ ولهذا كلِّه دلالات أرادت تركيا من خلالها تسليط الضَّوء عليها ولفتِ الانتباه إلى أهمِّيَّة التَّغيير السِّياسيِّ الجديد والمهمِّ جدًّا في سوريا بعد ثلاث عشرة سنة من الاستعصاء السِّياسيِّ في سوريا والشَّرق الأوسط؛ ذاك الَّذي رافق الثَّورة السُّوريَّة ضدَّ حكم المجرم المخلوع بشَّار الأسد، وبعد أكثر من نصف قرن من حكم الأسدين حافظ وبشَّار الأسد وطريقتهما الخاصَّة في تشكيل الاصطفافات السِّياسيَّة، واللَّعب على التَّناقضات الطَّائفيَّة والمذهبيَّة لاحت في الأفق ملامح السَّلام الحقيقيِّ في الشَّرق الأوسط، سلامٌ ينطلق من سياسة صفر مشاكل بدل التَّوازن القديم القائم على تمثيليَّات النَّصر والنَّصر المضاد لدى المجرم نتنياهو وقادة محور المقاومة المزعوم والمنهار.
هل تظهر ملامح الشَّرق الأوسط الجديد مع زيارة ترامب إلى السُّعوديَّة؟
يبدو أنَّ مصالح تركيا تتقاطع مع مصالح ساسة سوريا الجُدد من حيث تنشيط العمل السِّياسيِّ والدِّيبلوماسيِّ السُّوريِّ وفتح آفاق التَّعاون الخارجيِّ بين سوريا ودول العالم لإعلان القطيعة مع حالة التَّقوقع والاصطفاف القديمة، الَّتي انتهجها حافظ الأسد ووريثه المجرم المخلوع بشَّار الأسد من بعده على أسس طائفيَّة ومذهبيَّة، بعدما أسفرت عن تدمير سوريا وزيادة بروز النَّزعات الطَّائفيَّة والعرقيَّة والمذهبيَّة في المنطقة. وسوف يحطُّ رئيس سوريا السَّيِّد أحمد الشَّرع قريبًا في الإمارات العربيَّة المتَّحدة؛ لتتضح بعض معالم الحراك الدِّبلوماسيِّ في المنطقة قبل وصول دونالد ترامب إليها بدءًا من السُّعوديَّة. ويبدو أنَّ دونالد ترامب يعوِّل كثيرًا على زيارته القادمة ومن خلال تعاونه مع بعض اللَّاعبين الإقليميِّين لإنجاز بعض التَّقدُّم في المفاوضات غير المباشرة بين أمريكا وإيران حول ملفِّها النَّوويِّ. وقد انطلقت الجولة الأولى من هذه المفاوضات في عُمان خلال هذا الأسبوع، وربَّما تكون الجولة الجديدة في الأسبوع القادم.
وتأتي هذه الأحداث بمجملها بعد عودة ترامب لرئاسة أمريكا، وفوز أردوغان من قبله في ولاية رئاسيَّة جديدة، ورحيل رئيس إيران السَّابق إبراهيم رئيسي مع وزير خارجيَّته ومهندس المفاوضات النَّوويَّة السَّابقة حسين أمير عبد اللَّهيان، ووصول مسعود بزشكيان إلى سدَّة الحكم في إيران بعد خسارة إيران جملة من أوراقها التَّفاوضيَّة السَّابقة؛ مثل نظام سوريا المجرم ورئيسه المخلوع بشَّار الأسد، الَّذي فرَّ هاربًا إلى روسيا، وإسماعيل هنيَّة وحسن نصر الله اللَّذين اغتالتهما إسرائيل، وتبعهما وصول السَّيِّد جوزيف عون إلى رئاسة لبنان والسَّيِّد نوَّاف سلام إلى رئاسة مجلس الوزراء مع تغيُّر واضح في خريطة القوى النِّيابيَّة المتوقَّعة في الانتخابات البرلمانيَّة القادمة في لبنان، ويضاف إليها انتخابات الكينيست الإسرائيليّ المتوقَّع حدوثها أيضًا؛ لنخلص بعد ذلك كلِّه إلى أنَّ الأوراق الكبرى في المنطقة ترتَّبت في المنطقة والعالم مع عودة ترامب وفوز أردوغان وفرار بشَّار الأسد ورحيل إبراهيم رئيسي وانهيار محور المقاومة المزعوم. كما رُتِّبت وتُرتَّب الآن بعض الأوراق الدَّاخليَّة الأصغر في كلِّ دولة من دول الإقليم وأوراق التَّفاهمات الإقليميَّة الوسطى بين الأوراق الكبرى والصُّغرى؛ لتقديمها إلى دونالد ترامب؛ ليباركها أو يعتمدها، ويحوِّل مقتضياتها إلى نتائج واقعيَّة سوف تلمسها شعوب الشَّرق الأوسط بعد زيارة دونالد ترامب المرتقبة إلى المنطقة.
شعوب تتطلَّع إلى السَّلام
قد تكون زيارة رئيس سوريا الجديد السَّيِّد أحمد الشَّرع إلى الإمارات العربيَّة المتَّحدة آخر زيارة خارجيَّة له قبل وصول ترامب إلى المنطقة، وستتضح حتَّى ذلك الحين بعض معالم المفاوضات النَّوويَّة بين أمريكا وإيران، أو سيتَّضح جدول المفاوضات على أقلِّ تقدير، وسيبنى على هذا الشِّيء مقتضاه بالإضافة إلى ما تقوم به تركيا الآن حراك ديبلوماسيٍّ لمنع الاشتباك بين تركيا وإسرائيل في الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة؛ لتسحب من نتنياهو بطريقة ديبلوماسيَّة بعض ذرائعه أو مزاعمه، الَّتي تدفعه للعدوان على سكَّان غزَّة من المدنيِّين الأبرياء وعلى الأراضي السُّوريَّة أيضًا، ويبدو أنَّ نتنياهو يضخِّم هذه المزاعم؛ ليجعل منها مخاوف وانتصارات وهميَّة؛ يقدِّمها للنَّاخب الإسرائيليِّ؛ ليغريه بالتَّصويت لحزبه في الانتخابات القادمة، في الوقت ذاته تتطلَّع شعوب الشَّرق الأوسط إلى السَّلام باستثناء من يرتبط مستقبلهم السِّياسيِّ بالصَّخب المرافق لأوهام النَّصر الخدَّاعة على المدنيِّين الأبرياء في غزَّة وسوريا؛ هذا الصَّخب الَّذي استثمر كثيرًا في مجاله كلٌّ من نتنياهو والمخلوع بشَّار الأسد وحسن نصر الله قبل اغتياله.
يبدو أنَّ نجاح ساسة الشَّرق الأوسط في حراكهم الدِّيبلوماسيِّ على أكثر من صعيد سينزع فتيل بعض الأزمات، وسيجعل من سياسة (صفر مشاكل) نواة للسَّلام المنتظر في الشَّرق الأوسط، وسيقدِّم السَّاسة لترامب جملة من الاقتراحات العمليَّة الجاهزة لتحقيق هذا السَّلام. ويأمل مواطنو سوريا ولبنان والعراق ألَّا يكون مستقبلهن ومستقبل أبنائهم بين أوراق التَّفاوض والإغراء بالنُّفوذ المقدَّم لإيران لتشجيعها على الخلاص من ملفِّها النَّوويِّ؛ ونقترح في هذا المقام أن تقدِّم أمريكا لإيران والشَّعب الإيرانيِّ المظلوم من قياداته المتعاقبة حزمة من الدَّعم الاقتصاديِّ بدلًا من إغرائهم بالنُّفوذ في اليمن أو لبنان أو سوريا أو العراق؛ لأنَّ تبعات هذا النُّفوذ كارثيَّة على شعوب هذه الدُّول، ونأمل من أمريكا أن تبدأ-على سبيل المثال-ببناء بعض المعامل لإنتاج السَّيَّارات والتِّكنولوجيا داخل إيران؛ ليستفيد منها الشَّعب الإيرانيُّ المظلوم من قياداته مع كلِّ خطوة ملموسة وفعليَّة تقوم بها إيران على طريق تفكيك برنامج سلاحها النَّوويِّ؛ ومثل هذه الخطوة أو الخطوات ستنعكس زيادة على مستوى دخل الفرد الإيرانيِّ وسوف تشجِّع العقلاء من ساسة إيران على بناء سياسة عقلانيَّة وبناء مستقبلهم السِّياسيٍّ والانتخابيِّ الدَّاخليٍّ على أساس الرَّفاه الاقتصاديِّ والخدمات الاجتماعيَّة المقدَّمة للنَّاخب الإيرانيِّ بعد الخلاص من السَّلاح النَّوويِّ، الَّذي يهدِّد السِّلم في الشَّرق الأوسط والعالم، ونعتقد أنَّ المواطن الإيرانيَّ ذاته مواطن محبٌّ للسَّلام، لا يبحث إلَّا عن الرَّفاه والاستقرار إذا خفَّفت الدِّعاية الإعلاميَّة من شحنها وضخَّها الإعلاميِّ الَّذي يضخِّم نزعته العدوانيَّة، ويبدو أنَّ نهجَ كثير من ساسة إيران القدماء في سوريا والعراق ولبنان مع جرائم نتنياهو والمخلوع بشَّار الأسد وحسن نصر الله في المنطقة كلِّها قد أوصلتهم إلى نهايات مستقبلهم السِّياسيِّ المحتومة إن لم يقرؤوا تغيُّرات الشَّرق الأوسط، وينتهجوا سياسات مسالمة في ضوء التَّغيُّرات الجديدة.