الرأي العام

إدلب وأهلها… بين السخرية الممنهجة والذاكرة الوطنية

إن اختزال إدلب في لهجة أو مزحة أو تهمة زائفة، هو في حقيقته محاولة بائسة لتشويه صورة محافظة دفعت ثمناً باهظاً من دماء أبنائها

جميل الشبيب – العربي القديم

منذ أربعة عشر عاماً، قدّم أبناء إدلب وما زالوا يقدمون تضحيات جسام دفاعاً عن كرامة السوريين وحريتهم. ومع ذلك، لا يكاد يمر أسبوع إلا ونسمع أو نقرأ محاولات للنيل من إدلب وأهلها، ليس فقط عبر حملات إعلامية أو سياسية، بل حتى من خلال ما يُسمّى بالمزاح أو “الإفيهات” التي تستهدف لهجة وثقافة أهل المحافظة

السخرية من اللهجة

ظهرت مؤخراً محاولات لربط كلمة “أشو” الشائعة في لهجة إدلب بمحاولة استبدالها بالقاف (التي تُنسب غالباً إلى لهجة قرى الساحل السوري). هذا الاستخدام لم يأتِ في إطار بريء أو مزحة عابرة، بل ضمن مسعى لإعادة إنتاج النكات التي كانت تسخر سابقاً من ضباط النظام ورموزه، لكن هذه المرة على حساب محافظة كاملة أراد أصحاب هذه النكات أن يجعلوها مادة للاستهزاء والتقليل من شأن ادلب وأهلها. وكأنهم يحاولون القول: “من رحلوا ومن جاؤوا… سواء”

اتهامات التعفيش

لم يقف الأمر عند السخرية من اللهجة فقط، بل وصل إلى إلصاق تهم التعفيش بأهل إدلب في إطار من التهكم “الساذج”. فحين جرى تفكيك حجارة شارع أثري في دمشق القديمة، انبرى بعض المتصيدين للقول إنها نُقلت إلى إدلب! وكأنهم يحاولون التغطية على حقيقة راسخة يعرفها السوريون جميعاً: أن التعفيش كان مهنة النظام وميليشياته وضباطه، يمارسونه علناً في المدن والقرى، بينما تُساق اليوم التهمة زوراً إلى محافظة لم تعرف عن أهلها سوى الكدّ والعمل والاعتزاز بقيم الشرف والأمانة.

ازدواجية النظرة

الأدهى من ذلك، أن بعض الأصوات باتت ترى في وجود “الإدلبي” أو “الديري” بين ظهرانيهم سبباً لتعكير المزاج، بينما لم يجدوا غضاضة في رؤية الإيراني والأفغاني والعراقي يجولون في أسواق دمشق وحلب في سنوات الاحتلال الطائفي. هذه الازدواجية تكشف عن خلل عميق في طريقة التفكير والتعاطي مع أبناء الوطن الواحد، وتجعلنا نتساءل: كيف تحولت الضحية إلى مادة للسخرية بينما الغريب الغازي صار “أمراً واقعاً”؟

إدلب رمز لا يُختزل

إن اختزال إدلب في لهجة أو مزحة أو تهمة زائفة، هو في حقيقته محاولة بائسة لتشويه صورة محافظة دفعت ثمناً باهظاً من دماء أبنائها. إدلب لم تكن يوماً طرفاً عابراً في المشهد السوري، بل بقيت رمزاً للمقاومة، وملاذاً لملايين النازحين، وحافظة لذاكرة السوريين الجمعية في مواجهة الاستبداد، وفي أشد سنوات الثورة التي مرت على السوريين وهجرتهم بالباصات الخضر من مدنهم وقراهم، كانت إددلب المأوى والملاذ.

خاتمة

من يستخف بإدلب اليوم إنما يستخف بجزء أصيل من سوريا وتاريخها. وما يُقال في سياق التهكم ليس بريئاً كما يحاول أصحابه تصويره، بل هو انعكاس لخطاب مضمر يسعى إلى شرعنة التهميش وتبرير التشويه. غير أن إدلب وأهلها أثبتوا أن قيمهم وصمودهم أكبر من أن تُمسّ بعبث أو نكتة عابرة، وسيبقى تاريخها شاهداً على أن الكرامة أثمن من كل محاولات الإساءة

زر الذهاب إلى الأعلى