فنون وآداب

جهاد عبدو لـ العربي القديم: الموالون كانوا يظنون النظام باق… واللاجئون علموني النحت في الصخر

تحدث عن الظروف القاسية التي عاشها في أمريكا غير المرحبة بالأجانب وكشف تعرضه للتهديد من النظام البائد وأعلن تفاؤله بمستقبل مشرق لسوريا

العربي القديم – حاوره من باريس: أحمد صلال

ولد في دمشق القديمة (سوق ساروجا). والده مدرس للغة العربية من مدينة دير عطية التي تبعد حوالي 80 كم شمال العاصمة دمشق. درس الابتدائية في مدرسة العرفان، ثم انتقل ليدرس الإعدادية ومن ثم الثانوية في ثانوية نجم الدين عزت التابعة لمحافظة القنيطرة. كان يدرس العزف على آلة الكمان في المعهد العربي للموسيقى. وبعد حصوله على شهادة الثانوية العامة سافر بمنحة دراسية إلى رومانيا ليدرس الهندسة المدنية وأكمل الدراسة بعناء بالغ، وبينما كان طلبة سوريا في رومانيا يقدمون حفلة للطلبة السوريين في كل مدينة هناك، طلب منه المشاركة بإحداها فاندلعت شرارة الحب الأولى التي قادته بقوة إلى دروب الفن… ومنذ ذلك الحين اتخذ المهندس المدني قراره الحاسم بدراسة فن التمثيل في دمشق فور تخرجه من كلية الهندسة. فانتسب إلى قسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية وتخرج عام 1992 في ذات الدفعة التي ضمت نضال سيجري وأمل عرفة وأندريه سكاف وسلافة عويشق وآخرين. يُعرف حالياً باسم «جاي» بدلاً من «جهاد» نظراً لما يحمله اسم جهاد من معنى عدائي لدى الغرب. بعد معارضته للنظام السوري وخروجه من سوريا، استقر في الولايات المتحدة، حيث بذل جهداً كبيراً لإقناع المخرجين والمنتجين بموهبته قبل أن يُعطى عدداً من الأدوار في أفلام طويلة وقصيرة.

طفولة مميزة

س: الفنان العالمي جهاد عبدو؛ ولدت في حي ساروجة في دمشق، أريد العودة للوراء إلى الطفولة، كيف استطعت العزف على الكمان والرقص وإتقان عدة لغات، ودراسة أكثر من مجال. حدثنا لو سمحت عن طفولتك؟

– أنا ولدت في حي ساروجة الدمشقي، أبي من دير عطية ووالدتي من دمشق، حينما كنت في الرابعة من عمري، سجلتني والدتي في المعهد العربي للموسيقى، وتعلمت العزف على آلة الكمان، وبقيت مواظباً على الدراسة حتى بلغت الستة عشرة أو السابعة عشرة من عمري، وأتذكر أنني كنت عضواً في الفرقة السيمفونية التابعة للمعهد العربي. بعد حصولي على شهادة الثانوية العامة حصلت على منحة كباقي زملائي السوريين، وسفرت إلى رومانيا لدراسة الهندسة المدنية، وتحت ضغوط والدي للاهتمام بدراستي، وكانت الفكرة السائدة عن الفن أنه لا يطعم خبزاً- كل الأهل يريدون أن يصبح أبناؤهم أطباء ومهندسين ومحامين- لذلك انقطعت عن دراسة الموسيقي. هناك في رومانيا درست الهندسة المدنية وواظبت على خشبة المسرح والعزف في عيد الطلاب السوريين السنوي.

أنا تعلمت الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية إثر عودتي من رومانيا، كان لدينا مادة أساسية في المعهد وهي الرقص والحركة والإيقاع، وأتذكر مادة الرقص الكلاسيكي المرسّبة ومادة التعبير وكل أنواع الرقص التي تساعد الممثل على خشبة المسرح في الإيقاع ولغة الجسد والحركة، وخارج أسوار المعهد سجلت عدة دورات في المراكز الثقافية منها للرقص الشعبي والعالمي.

الولادة من الخاصرة

س: بعد اندلاع الثورة السورية وخلال زيارة إلى بيروت، التقيت صحفية من مجلة (لوس أنجلس تايم)، تكلمت ضد نظام الأسد، كيف كان بشار الأسد مسؤولاً عن قتل المدنيين في سوريا. هذا المقال جلب لك تهديدات بالقتل، كيف عشت هذه الفترة على الأصعدة كافة السياسية منها والاقتصادية والفنية وحتى الاجتماعية؟

– نعم؛ تواصلت معي صحفية من (لوس أنجلس تايم) بما يخص مقال باللغة الإنكليزية عن حرية التعبير في الدراما السورية، وأخبرتني آنذاك أنها ممنوعة من دخول سوريا وسفرت حينها إلى بيروت لإجراء المقابلة. وبعد المقابلة سألتني الصحفية عما يجري في سوريا، فتحدثت عن مقابلة النظام للمطالب الشعبية بالعنف والقتل والتهجير.. نقلت كل هذا بأمانة والصحفية كانت ذكية في صياغة المقال مستفيدة من دوري في مسلسل (الولادة من الخاصرة) أنا المواطن الذي يذهب ليشتكي على ضابط الأمن، الذي يمارس كل أنواع الضغط والقتل والتعذيب، بعدها تعرضت لضغوطات من جهات أمنية طالبة مني الخروج على شاشة تلفزيون (الدنيا) والفضائية السورية مادحاً الرئيس والجيش السوري الذي يقاتل الإرهابيين، كما زعموا،  في الوقت الذي كانوا يعتقلون ممثلين زملاء لي يتعرضون للضرب والتعذيب، كانت فترة جد قاسية. قبل مقال لوس أنجلس تايم كان النظام يحاربنا أنا وزملائي، الذين اتخذوا موقفاً واضح وتعرضنا للتحييد.

النحت بالصخر

س: الفترة الأمريكية لم تكن وردية؛ عملت كمندوب توصيل في بيتزا دومينيز وسائق في شركة أوبر. كيف عشت بعيداّ عن الفن؟

– بالفعل لم تكن إقامتي في أميركا وردية، أمريكا جد قاسية لا تمتلك معايير مماثلة لما هو موجود في أوروبا، وأنا تركت كل تاريخي ورائي ولم أعد قادر على الرجوع للبلد؛ أنا خسرت مهنتي وكل ما جنيته من تعبي عدة شقق سكنية وتركت أصدقائي ورائي؛ كان من الشعب علي أن أبدأ من الصفر بسهولة في مكان يضج ويعج بالممثلين من كل أنحاء العالم، يمكن لأي أحد أن يأخذ دوري، والضرورات الفنية هنا تتطلب مني مدير أعمال وأشياء أخرى، مما اضطرني للعمل في أي مجال حتى أستطيع أن أكل وأدفع أجرة بيتي، كانت فترة قاسية، ولكنني تعلمت من إخوتي اللاجئين السوريين معنى النحت بالصخر من أجل الوقوف على أرجلهم وإعادة تكوين حياتهم. نعم أنا عملت في توصيل البيتزا والورود وفي فترة أخرى سائق تكسي حتى أقدر عيش بكرامة.

انطباع جميل

س: (مجسم من أجل الملك) و(ملكة الصحراء) مع نيكول كيدمان. جهاد عبدو كيف شقيت طريق رحلة ممثل من سوريا إلى مجد هوليوود؟

– لم يكن بالشيء السهل اختياري من قبل المخرج فيرانر هروتسك لأدي دور رئيسي أمام نيكول كيدمان، وبعد مقابلتي مع المخرج وتقديم اقتراحاتي، كان رد فعله بكوني أنا الأنسب لهذا الدور. كانت فرصة الوقوف أمام الممثلة نيكول كيدمان والممثل توم هانكس؛ تشجيع أو حافز لأقدم صورة عن الممثل السوري، الذي درس وعمل في سوريا، لا يقل إبداعاً عن نظرائه في كل العالم، ولكنها ظروف الحرب التي كان يشنها جيش النظام، والوسط الفني والنقابة في سوريا لا تخدم الممثل كما هو الحال في أمريكا، حيث الصناعة الفنية تقدم كل شيء من أجل إظهار أجمل صورة ممكن أن يكون عليها الممثل، وتجعله قوي ومميز وذوي صوت جبار، والنصوص المبدعة والجريئة مترافقة مع العمق الفكري والقيم الإنسانية تجعل من نيكول كيدمان وتوم هانكس والآخرين صوت يعبر عن الناس. ما أود قوله: أنني تركت انطباع جميل لدى نيكول كيدمان وتوم هانكس والمشاهدين بالعالم عن قدرة الممثل السوري وأدواته الفنية. وهذا التميز ليس محصور بالفن بل يمتد لكل مجال، الطفل السوري المميز، الذي يحصل على درجات عليا في المدارس الفنلندية والفرنسية، وغيرها من أمثلة التفوق السوري في كل المجالات.

عمل شاق

س: كيف توفق بين الفن وحياتك الأسرية، تزوجت مرتين ورزقت بطفلتك جوليا؟

– العمل في الفن لا يشبه أي مهنة ثابتة أخرى، العمل بالتمثيل عمل شاق، يتطلب مني أحياناً العمل خمسة عشرة متواصلة، وفي أحيان أخرى الغياب عن المنزل لمدة شهر كامل، وهذا يشمل فني الصوت والإضاءة والتصوير مما يجعلها مهنة جد شاقة. عائلتي هي حجر الأساسي في حياتي وأوليها الاهتمام الأكبر؛ خاصةً حينما تكون هذه العائلة منبع للدفء والأمن العاطفي، ومن خلال تجربتي الأمريكية غير المرحبة بالأجانب والظروف القاسية، ما كانت علاقتنا العائلية ستسمر لولا الإيمان بالمستقبل، لذلك لا يمكن لي أن أفرط بعائلتي وأنا أوليها كل الاهتمام.

قلوب الناس بين برهوم وأحمد فاضل

س: لديك أرشيف فني سوري زاهي وكبير بين التلفزيون والسينما والمسرح، كثيرة إلى حد يطول تعدادها.ما هو الدور الذي جسده عبدو، ويرى أنه تمكن من الوصول عبره ليحتل قلوب المشاهدين؟

– أظن أن الدور الذي وصل إلى قلوب الناس دور”برهوم” في مسلسل (نهاية رجل شجاع)، ودور أحمد فاضل في (إخوة التراب)؛ هذان الدوران وضعاني في مصافي الممثلين التقدميين والطليعيين وأوصلاني إلى قلب المشاهد السوري بالتخصيص والعربي بالتعميم، وأنا أفتخر بهذين الدورين اللذين تم كتابتهما بطريقة احترافية والإخراج الجيد والاهتمام بهما، واستطعت بمساعدتي زملائي أن أكون وفياً لما هو مكتوب بالورق، وأفتخر وأعتز بهذين الدورين، وأعتبرهما منعطف وتحول في حياتي الدرامية.

رغبة العودة

س: طالتك عديد الشائعات بين الفينة والأخرى، ومنها عودتك لدمشق. هذه الشائعات كيف أثرت معنوياّ ونفسياّ عليك؟

– لم تكن شائعات بمقدار ما هي رغبة بالعودة إلى دمشق، واليوم سأعود محملاً بالكثير من الخبرات والنوايا الحسنة، والعمل مع زملائي الرائعين لتقدم أعمال مهمة يفتخر بها كل سوري وعربي في هذا العالم.

رحلة وجه معروف

س: الجزيرة الوثائقية اشتغلت عنك فيلماً وثائقياً لرحلة “وجه معروف في الدراما العربية”. هل كان الفيلم بمستوى التجربة؟

– نعم؛ الجزيرة الوثائقية اشتغلت عني فيلم (رحلة وجه معروف في الدراما العربية) كان الفيلم ثرياً إلى حد كبير وعلى قدر التجربة، وأنا أعتقد أن الجزيرة الوثائقية قناة تشتغل بحرفية عالية، وأتمنى أن يصل لأكبر عدد ممكن من المشاهدين.

بين جهاد وجاي

س: جاي بدلاّ من جهاد، هذا تقلبك الصحافة العالمية؛ هل تغير الاسم كان لضرورات منها ما يدل على الجهاد أو كان هذا التغيير لمقتضيات وضرورات فنية؟

– طبعاً مثلما نعرف أن اسم جهاد لديه دلالات سلبية وخاصةً في أمريكا، المشاهد الأمريكي مختلف عن الأوربي المثقف، هنا يستقون أخبارهم من الميديا، وللأسف الإعلام الأمريكي والأفلام الحربية، قدمت صورة نمطية عن المجاهدين وقدرة على تسويقها بأنهم مخيفيون وأعداء لأمريكا، واسمي من أسماء أخرى مثل اسم أسامة وغيرها الكثير، ومثلما نعرف حصل هذا الشيء في فرنسا وإسبانيا بعد سقوط نظام فرانكو، الكثيرين ممن كان يحملون ذات الاسم تعرضوا للتهجم والتوبيخ والتعنيف والمنع من العمل، وألمانيا ما بعد النازية كان اسم أدولف محل للهجوم. من جهة أخرى الكثيرين من الممثلين الذين يأتون إلى أمريكا يغيرون أسمائهم إلى أسماء سهلة ومتداولة، لذلك قررت تغيير اسمي والابتعاد عن المهاترات.

درب الحرية

س: كان في استقبال عودتك إلى دمشق نخبة من الفنانين والناشطين وحتى الناس العاديين، حدثني عن الفرحة العارمة والاستقبال، الذي يليق بنجم من طراز رفيع؟

– كانت عودة بعد غياب طويل وحرمان طويل 13 سنة و3 شهور وأسبوع، كان في استقبلنا الخوذ البيضاء، الذين رافقونا لتقديم العزاء لكل من أسرة الطفلين الشهيدين حمزة الخطيب وثامر الشرعي، تقديراً لهؤلاء الأطفال الذين قدموا أرواحهم في أعلى آيات التضحية، ليكونوا رمزاً لكل حر وليس السوري فقط،  هنا في أمريكا يتحدثون كثيراً عن أطفال درعا وهذه مناسبة لنري العالم من هم أطفال درعا ولماذا قام شعبنا العظيم  بثورتهم العظيمة، هؤلاء الأطفال الذين يرفضون أن يحكمهم دكتاتور ومستبد قاتل، ويقدمون أغلى ما يملكون في سبيل درب الحرية، لذلك ذهبنا لتقديم خالص العزاء والوفاء لهاتين العائلتين.

جهاد عبدو مع زوجته الفنانة التشكيلية فاديا عفاش في منزل الطفل الشهيد حمزة الخطيب – يناير 2025

النظام المستمر إلى لا نهاية

س: في حوار قديم أجريته معك ذكرت لي أنه قال لك بعض الممثلين المؤيدين، أنك حفرت قبرك بيديك. ماذا تقول لهؤلاء اليوم؟

– لا أحد يحفر قبره بيديه، هؤلاء الموالون كانوا يرون أن وقوفي مع مطالب الثورة والثوار حكم بالموت على تاريخي الفني، هؤلاء كان يظنون أن هذا النظام باق ومستمر إلى اللانهاية؛ هذا النظام “عفن” وحفر قبره بيديه، وكل زملائنا الفنانين سيعودون وسنبني مع كل سوري مستقبل أفضل مما كانت عليه سوريا قبل خمسن سنة وأحسن إنشاء الله، الرحمة لكل شهداء سوريا.

أعمال فنية مهمة

س: كلمة أخيرة من الممثل جهاد عبدو إلى قراء مجلة (العربي القديم)؟

– أوجه تحية كبيرة لقراء مجلة (العربي القديم)، ونتمنى ونتطلع لتقديم أعمالا فنية مهمة في الفترة القادمة وقد تحرر الفن من كثير من القيود، أعمالا تقدم القيم والأخلاق لكل إنسان في هذا العالم ولا تشوه صورة المواطن السوري كما فعلت الكثير من الأعمال في السنوات الأخيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى