كتاب (قتل الإسلام وتقديس الجناة) لوضاح صائب: قراءة إشكالية في مفهومي الإسلام والصحابة
العربي القديم – عادل رجب
إن الكتابة في نقد الفكر الديني وتنويره وتثويره وتنقيته، ليست وليدة عقد أو عقدين من الزمن، فقد امتدت إلى أكثر من قرن ون، ولكن القارئ ومع تطور العلوم ونشر العديد من البحوث والدراسات اللغوية والانثروبولوجيه والتاريخية المعاصرة أصبح يشهد كتبا في مجال نقد الفكر الديني تتوسل هذه العلوم والبحوث المتطوره سيما العلوم اللغوية والفلسفية والتاريخية.
من الكتب التي اهتمت بنقد الفكر الديني الصادرة في مطلع عام 2011 كتاب وضاح صائب (قتل الاسلام وتقديس الجناة)، الذي تزامن ظهوره مع بدايه الربيع العربي وانتشار التنظيمات الإسلامية الجهادية في الدول العربية، وخاصة في العراق وسوريا وسيطرتها على العديد من مدنهما. والذي كان أقواها وأشهرها تنظيم الدوله الإسلامية (داعش)؛ إذ استمر حكمه فيها لمده أربع سنوات من عام 2013 وحتى 2017 حاول فيها فرض الشريعة الإسلامية وإعادة دولة الخلافة الإسلامية الزائلة.
وكان قدر كتاب وضاح صائب أن يصدر في هذه الفتره اللاهبه من العالم (2011) وكأن الربيع العربي وكتابه كانا على موعد مسبق في رؤيه النور.
يبدأ الكاتب ببث رؤاه التي احتشدت بكل صفحه من صفحات الكتاب مقررا بأن عظمه الإسلام وعبقريته تتجليان في البدايات الأسس واللبنات الأولى التي كونت المجتمع الإسلامي الأول في حدود الجزيره العربية، أما ما بعد فكان بداية النهاية للإسلام كدين ذي خصوصيه وتميز، وبداية القيامة للدولة ككيان إمبراطوري يشابه سابقيه.
مفهوم “عدالة الصحابة”!
وسأتوقف في هذا الكتاب عند إضاءتين هامتين هما
مفهوم الإسلام ومفهوم الصحابة.
يبدا الكاتب ببث االتي احتشدت بكل صفحه من صفحات الكتاب مقررا بأن عظمه الإسلام وعبقريته تتجليان في البدايات الأسس واللبنات الأولى التي كونت المجتمع الإسلامي الأول في حدود الجزيره العربيه أما ما بعد فكان بداية النهاية للإسلام كدين ذي خصوصيه وتميز، وبداية القيامة للدولة ككيان إمبراطوري يشابه سابقيه
الكتاب في تحريف كتابيهما، كما أشارالقرآن قام قاتلوا الإسلام بإطفاء كلام الله وتشويه رساله محمد، مستندين إلى مدرسة تأسست أركانها على ابتكار مفهوم (عدالة الصحابة) كلهم ومفهوم الناسخ والمنسوخ، ونسب أحاديث كاذبة إلى النبي وتدوينها في كتب حلت محل القرآن وابتداع مذاهب متعارضة ضمن الدين الواحد، تقوم كلها على الشرك بالله من خلال تقديم الإيمان بالأحاديث المختلقه وبفقه الأئمة والأولياء على شرع الله.
ويحدد الكاتب لقارئه مفهوم الإسلام في الموروث الإسلامي المستند إلى السلف الصالح بشقيه السني والشيعي بقوله إن الإسلام هو الدين الذي بلغه محمد فقط، فمن تبعه كان مسلما ومن لم يتبعه كان كافرا مما أصل لمفهوم الجهاد الذي نلمسه اليوم فبات يطل علينا بعد أن اندثر، وهو مفهوم يقوم على الجهاد للآخر وهذا الآخر يشمل كل الناس خارج أتباع الشريعه التي جاء بها محمد ويتساءل ليقدم لنا الإجابة العقلانية من القرآن الكريم، وهل كل الكتابيين كفرة، وقد قال الله فيهم: “ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمه يتلون آيات الله وهم يسجدون”.
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) ثم يعود ليسأل الفقهاء مره أخرى وبسخرية لاذعه هل سيذهب باستور وجاليليو وأديسون والآخرون، الذين عملوا الصالحات وابدعوا اللقاحات والاختراعات الأخرى التي أفادت البشريه وانقذت الملايين من الموت والهلاك وأضاءت العالم إلى جهنم لمجرد أنهم لم يكونوا مسلمين على شريعه محمد في حين يذهب بعض دراويش ممن لم يقدموا لعباد الله أيه منفعة إلى الجنه لمجرد أنه مسلم بالوراثة، وسكان سيبيريا وصين وغيرهم ممن لم تصلهم الدعوه المحمدية، فيجيبنا وضاح صائب على تساؤلاته التي طرحها من خلال دلالة كلمه الإسلام في القرآن، فيرى أنها لا تشير الى دين واحد بل إلى جميع الأديان منذ مولدها في فجر الحضارة وإطلاق الحنيفيه على يد إبراهيم عليه السلام “ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان مسلماً” وما كانت رسالة محمد إلا تجديدا للتوحيدية العتيقة، وإن جاءت في مجتمع مشرك لا يأبه بها، وآيات القرآن حول الإسلام، تدل أن المسلم هو كل من آمن بالله الواحد وباليوم الآخر، وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين وأحسن إلى عباد الله.
ولم يأت القرآن بما ينقض أيا من المعتقدات الأساسيه والأديان السابقه المرتبطة، بالعلاقة مع الإله الواحد بل أكدها كلها وشذب ما شابها من انحراف لاحق من قبل البشر، واﻵية الكريمة: “اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” تؤكد ما ذهب إليه صائب في رأيه حول مفهوم الإسلام، إذ يرى أن المقصود (بدينكم) في الآية القرآنية، هو الإسلام الذي بدأ مع نوح وتواصل مع بقيه الرسل أي إسلامكم الصحيح كلكم.
التمييز بين المشركين وأهل الكتاب
ومن الرؤى اللافتة في هذا الكتاب، ما ذهب إليه صائب في أن النبي فرّق بين المشركين وأهل الكتاب، فدعا أهل الكتاب إلى دينه كما دعا المشركين، إلا أنه لم يُلزم كتابيا باتباعه وترك أهل الكتاب على أديانهم مكتفيا مطالبتهم بتصحيح الانحراف فيها والاعتراف برسالته وإن فرض عليهم الجزية دون النساء وغير البالغين منهم، والتي هي ضريبة مواطنة تقابل بل تقل عن الزكاة التي يؤديها المسلم، ودون أن يفرض عليهم القتال أو الجهاد ورأى أنه قد بات ضروريا أن يعاد النظر في مفهوم الجهاد انطلاقا من رؤية القرآن للإسلام (لا إكراه في الدين) من خلال هذه الآيه التي تعد انتصارا رائعا لحرية الاعتقاد؛ إذ لا فرق بين مسلم ومسيحي ويهودي وإبراهيمي ضمن هذا المفهوم، ولا تكفير لهؤلاء ولا لتابعي المذاهب والشيعة ما داموا التقوا على الجوهر (إن ربك يفصل بينهم يوم القيامه فيما كانوا فيه يختلفون) ويبين لنا من خلال الكتاب أسباب عدم توسع الرسول بغزواته خارج الجزيرة العربية، فيرى أنها كانت محصورة في أراضي القبائل العربية، لدفع ظلم الروم عنها وإتاحة الفرصة لها للتمتع بحرية الاختيار وبالتالي دخول الإسلام دون خوف من الروم لمن يشاء، بالإضافة إلى قطع صلاتها بالروم حماية لحدود الدولة العربية التي أرادها إسلامية، الطابع ليرى أن شبح الكسروية والقيصرية والخوف من الوقوع في نموذجها هو الذي كان يحدد رغبته في الوقوف عند مشارف ما كان يعتبره وطنا عربيا ولا يتجاوزه، ليخلص في نهاية هذه الإضاءة حول مفهوم الإسلام إلى أن المسلم هو كل من آمن بالله ورسوله وباليوم الآخر وعمل صالحا سواء على دين محمد أو موسى أو عيسى، والجنة مفتوحة أمام هؤلاء جميعهم. إضاءته الثانية جاءت لترد على تساؤله من هم الطبري، وانتهاء بالثروات التي جمعها بعض الصحابة سيما عثمان بن عفان الذي ابتنى بيتا إبان خلافته كان من الحجر والخشب الثمين، كما كون لنفسه قطعانا وأملاكا في المدينة.
المؤامرة الكبرى على الإسلام
إذن نحن أمام تعطيل وخروج على النص القرآني وسنة نبيه الراحل منذ اللحظة الأولى لوفاته، حيث ما قاموا به يتعارض مع مبدأ الشورى، وكذلك استغلال للمناصب وجمع الثروات بغير وجه حق مصدرها منصب الخلافة .
مما فتح الطريق لاحقا لمعاوية وآل العباس ومن لحقهم لابتداع التوريث بديلا عن شرع الله، وهكذا نراه يسوق كل الأدلة والأمثلة ليوضح للقارئ صورة الصحابة الواقعية وليخلص إلى نتائج هامة حولهم أهمها:
أن التعاريف التي جاء بها المحدثين والقدامى في كتبهم بوصفهم (جميعهم) ثقاتاً عدولاً صادقين في نقلهم عن الرسول، جزءا من المؤامرة الكبرى على الإسلام وركناً من أركان هذه المؤامرة هو تكريس الناسخ والمنسوخ، ونشوء المدارس الفقهية المتعارضة وقبل كل ذلك السياسة وأطماع الحكم… والخطير أن معظم أحكام التشريع غير العقيدي أخذت عن روايات هؤلاء بما يخالف كتاب الله وسنة نبيه الصحيحة. ويرى صائب أنه بمواجهه هؤلاء لابد للمسلمين من تنظيف تراثهم وإعادة صياغة وعيهم إن هم أرادو استرداد نقاء دينهم ، الطريق ليس صعبا الرجوع الى كتاب الله اليقين كله وإعمال العقل فيه ودرء الشبهات باستبعاد كل ما عداه مما فيه ولو بعض الشك، وبهذا يكون الكاتب قد انهى الإضاءة الثانية من كتابه الذي تضمن إحدى عشرة إضاءة حاول من خلالها تنوير ما أظلم من فكرنا الديني الإسلامي، وهي إضاءات سبقه إليها العديد من المفكرين والباحثين منذ القرن التاسع عشر وحتى قرننا الحالي كان هدفهم جميعا نشدان الحقيقه والعوده إلى منابع النور.
_____________________________________
الكاتب:
– وضاح ضياء صائب مواليد مدينة دير الزور 1954
– إجازة بالهندسة الكهربائية من جامعة دمشق. عمل مقاولا في الكويت لمدة عشرين عاما.
– عاد إلى دمشق سنة 2006 واعتكف على تأليف كتبه وقد صدرت له أربعة كتب في مجال الفكر الديني هي:
- قتل الإسلام وتقديس الجناة بيروت دار الانتشار العربي 2011 . .
- وأد الأنثى بين النصوص المقدس وعقدة الذكورية بيروت 2014 .
- انتصار أبي سفيان بين الدين والسياسة بيروت 2015 .
- الروح بين النص والفهم القاصر2016.
– جميع كتبه ممنوعة من دخول سوريا… وقد صرح مؤلفها في حوارمعه بموقع ألف باء بتاريخ 2018 27.6 قائلا: “حين منع كتابي من دخول سوريا وجهت كتابا إلى الجهة المتحكمة قلت فيه طالما أن حزبكم قد فشل على إنتاج مفكرين جادين على امتداد حكمه، فلم تغلقون الأبواب في وجه مفكرين جادين إن مأساتنا لاتقف عند الموروث الأسود الذي يحكمنا فكريا، بل تمتد إلى الأنظمة الحاكمة التي تعمل على تجهيلنا لتسيير السيطرة والاستلاب للجموع الغافلة”.
– توفي في دمشق في 4 نيسان 2023.