موسم قطاف الزيتون بين براثن سلطات الأمر الواقع
إبراهيم الصالح – العربي القديم
كنا في ما سبق نقطف الزيتون. وكان الموسم مناسبة لاجتماع العائلة وهو أشبه بكرنفال موسمي، تفوح منه رائحة الخير والبركة. الكل يعمل بحب. حب للأرض التي تشاركت العائلة برعايتها. حب الأب والأم وفرحهم لاجتماع الأبناء والأحفاد.
كان يتم دعوة العائلات “المستورة” التي لا تمتلك أشجار زيتون للمشاركة بالقطاف. وربما كان الهدف مشاركتهم الفرحة وإعطائهم ما قسم الله لهم من (مونة) الزيتون، وعدم نسيانهم من حصة جيدة من الزيت العائد للتو من المعاصر الحجرية.
كان موسم فرح وبركة للجميع من يملك ومن لايملك وإذا حدث وتأخرنا إلى المساء نترك (أكياس) الزيتون معبأة على طرف الأرض دون أن يرادونا شعور بأن أحدهم ممكن أن يعبث بها أو يسرقها، هذا لم يكن وارد بالمطلق لنقوم بنقلها في الصباح التالي إلى المعصرة كما هي دون أي اشكاليات وإذا حدث ووصل الزيتون إلى المعصرة فقط يكفي أن تكتب إسمك وعدد الأكياس على كيس واحد وتتركها وتعود في اليوم التالي إلى المعصرة.
كل ذلك كان يحدث بدون أن يخطر ببالك بأن أحدهم ممكن أن يسرق زيتوناً أو زيتاً؛ ربما لأن المجتمع لم يكن جائعاً، لم يكن متوحشاً، لم يكن فاسداً على هذا النحو… ربما وربما وربما!
في فترة ليست طويلة من الزمن تغير كل شيء، وتلك الشجرة المباركة والتي طالما اشتهرت بها بلاد الشام. أصبحت سبب غير مفهوم للقهر والابتزاز والظلم.
الآن يُقتَل الرجل من أجل كيس زيتون ، نعم فقد وجدت منذ يومين جثة أحد النواطير لاشجار الزيتون بعد أن قتل برصاص لصوص حاولوا سرقة محصول الأرض التي يعمل بها.
أيضاً تتفنن سلطات الأمر الواقع من مناطق إدلب إلى شمال حلب إلى مناطق النظام بابتزاز الفلاح مرة بحجة الزكاة، ومرة بحجة تهمة مفصلة على قياس صاحب الأرض، ومرة بحجة دعم “المجهود الحربي” نعم المجهود الحربي الذي دمر الوطن مرة بحجة الممانعة ومرة بحجة الجهاد ومرات بحجة الثورة.
في ظل غياب كامل سواء للمؤسسات_سواء لدى النظام أو في إدلب أو في شمال سورية وشرقها _التي طالما أنجزت آلاف الندوات عن الحوكمة والعمل على تحقيق الاستقرار ودعم الفلاح ودعم الزراعة إلى ماهنالك من شعارات عريضة.
اليوم أصبح موسم الزيتون ومتعلقاته من حصاده إلى نقله وصولاً إلى المعاصر جميعها مفاصل يقف عليها لصوص يتربصون لكل حبة زيتون وكل قطرة زيت.
وهذا لأنه لم يعد يوجد مايتم نهبه أو استثماره من جميع المليشيات المنتشرة على الجغرافيا السورية
بعد أن استنفذوا خلال السنوات السابقة كافة مقدرات البلد بتفكيكها وبيعها خردة لم يتبقى إلا تلك الشجرة المباركة . غالباً مايراودني سؤال: لماذا هذا التركيز على هذه الشجرة بالذات ؟ هل لأنها ترمز للسلام؟ أم لأنها أحد رموز بلاد الشام وجذورها الضاربة في التاريخ؟ هي أشبه ما تكون استهداف لهويتنا واختلاس للبركة من موائدنا.
تلك الشجرة التي تشكوا إلى الله ظلماً طالها مِن مَن يفترض بهم حماة الوطن وحماة الكرامة وحماة الحقوق.
هل نرى جهات ايً كانت تنصف هذه الشجرة وتنصف أصحابها
هذه رسالة لنا جميعاً والجميع معني بالأمر. #زيت_زيتون_بطعم_الدم
________________________________________
- محامٍ سوري – دبلوم في القانون الجنائي