نوافذ الاثنين: عن جرابات جوستين ترودو وتمثال بشار الأسد
قد يكون عنوان هذه المادة يضمر خديعة للقارئ الذي سيحاول البحث عن الروابط ما بين جرابات رئيس وزراء كندا وديكتاتور سورية؛ كأحد أشهر القتلة في التاريخ السياسي، ولكن للأسف، سيخيب أمل القارئ في العثور على كنزه المفقود، وسيجد فقط مقالا صغيرا يريد كاتبه أن يحفظ الناس اسمه، وقد يكون هذا من باب الرغبة في الشهرة ”الشعبوية“، على حد تعبير المثقفين.
اختراع الجرابات
أريد في البداية تقديم لمحة تاريخية موجزة جدا عن اختراع الجرابات، قبل الانتقال للحديث عن التماثيل.
يعود تاريخ اختراع الجرابات إلى العصور القديمة، ولكن لا يوجد تاريخ محدد لاختراع الجرابات، حيث أنها تطورت وتغيرت تدريجيًا عبر التاريخ. فقد استخدمت الشعوب القديمة، مثل السوريون القدماء والرومان والإغريق والمصريون القدماء والشعوب الهندية، أنواعًا مبكرة من الجرابات لحماية أقدامهم في ظروف الطقس القاسية والأنشطة اليومية. وكانت هذه الجرابات مصنوعة من المواد المتاحة في تلك الفترة، مثل الجلود والأقمشة المنسوجة.
مع مرور الزمن، تطورت تقنيات تصنيع الجرابات وتوسعت استخداماتها. في العصور الوسطى، بدأت الجرابات تصنع بأشكال وأنماط معقدة وتزين بالتطريز والزخارف. أما في في العصور الحديثة، فلا حاجة لذكر أنواعها، فهي معروفة.
على مر العصور، أصبحت الجرابات ليست مجرد وسيلة للحماية، بل أصبحت أيضًا قطعة أنيقة من الملابس وتعبر عن الأناقة والموضة. وتستمر التقنيات في التطور باستمرار، مع تقديم تصاميم ومواد جديدة لتلبية أذواق واحتياجات الأشخاص المختلفة.
اختراع التماثيل
ظهر تماثيل البشر منذ العصور القديمة، وتعود أقدم التماثيل المعروفة التي تصوّر البشر إلى العصور الحجرية، وتحديدًا إلى الفترة ”الباليوليتية“ التي تمتد منذ حوالي 2.5 مليون سنة مضت، حتى نحو 10،000 سنة قبل الميلاد.
تمتاز تماثيل العصور الحجرية بالبساطة والانحناءات التمثيلية، وغالبًا ما تكون مصنوعة من مواد متنوعة.
مع تطور الحضارات، تطورت تقنيات صناعة التماثيل وأصبحت أكثر تعقيدًا وواقعية. في العصور القديمة، خصوصًا في الحضارات المصرية والبابلية والإغريقية والرومانية، تم استخدام المواد المختلفة مثل الحجر والنحاس والبرونز والرخام لنحت تماثيل البشر. وكانت هذه التماثيل تعكس القيم الدينية والثقافية والتاريخية لتلك الحضارات.
إن تماثيل البشر لها تاريخ طويل ومتنوع، وتعكس تطور الثقافات والتقنيات على مر العصور.
تختلف الوظيفة الدينية للتماثيل حسب الثقافة والديانة المعنية. في بعض الثقافات والديانات، تلعب التماثيل دورًا مهمًا في العبادة والتعبير الديني، بينما في غيرها من الثقافات قد تكون العبادة بالتماثيل محظورة تمامًا.
يجب ملاحظة أنه قد تختلف الممارسات الدينية من ثقافة لأخرى وحتى داخل نفس الديانة. بالإضافة إلى ذلك، فقد تطورت الممارسات الدينية على مر الزمن وقد تغير تفسير واستخدام التماثيل في العبادة، كما في تمثال بشار الأسد، وتماثيل والده التي كانت منتشرة في كل مكان، في سورية، التي كان الهدف الرئيسي منها تحويل الأسد الأب والأسرة الأسدية إلى أسرة إلهية تحكم سورية بأمر من الله.
عودة إلى الجرابات وتمثال الرئيس
بفضل النهب الذي مارسه آل الأسد وخدمهم لخيرات سورية وجهد السوريين على مدار 53 سنة، أصبحت ”البالة“ مصدرا أساسيا ”لكسوة“ الناس، وقد كنت أحد المتابعين المحظوظين في هذا المجال، إلى أن أصبح مشواري، عندما كنت في سورية، إلى محلات البالة عادة يومية، تحولت مع الزمن إلى ثقافة اجتماعية يتباهى بها الناس وأنا منهم.
ولما كان من عادة المهاجر الحديث المحافظة على الكثير من عاداته التي حملها معه من وطنه الأم والاعتزاز بها، فقد كانت زياراتي لمحلات ”البالة الأجنبية!“ في مونتريال، هي استمرار لثقافتي السورية في هذا المجال. وبالمناسبة، نحن، عندما نريد الإشارة إلى ابن البلد الأصلي نقول عنه: ”جاء الأجنبي، وذهب الأجنبي“، لذلك تستحق البالة لقب ”الأجنبية“ بجدارة.
المهم، قبل أسبوع كان بالي مشغولا بالحراك الشعبي المدهش للسوريين الذي أعاد الأمل لهم، في السويداء، وفي الرد الأكثر دهشة من قبل ”نظام القتل الأسدي“، الذي قرر أن يجهز على ثوار السويداء، بعد أن نفذت من مستودعاته البراميل المتفجرة، بالضربة القاضية، فقام بتدشينه للتمثال الرئاسي، الذي لا مثيل لشناعته، حتى عند إنسان العصر الحجري، مستعيدا إرث والده، الذي بذر تماثيله تحت أسرّة السوريين لتخويفهم ومنعهم من التفكير بالثورة عليه، فبالوا عليها في اللحظة التي ثاروا فيها عليه، وهذا ما سيفعله ثوار السويداء بتمثال الوريث. في زحمة الأفكار تلك، قررت الترويح عن نفسي فدخلت محلا من محلات البالة التي أرتادها لعلي أعثر على حلم من أحلام طفولتي فوقعت عيناي على جرابات مطبوع عليها صورة رئيس وزرائنا ”جوستين ترودو“، الذي تعشقه الصبايا العربيات لوسامته وقبوله لبعض اللاجئين السوريين، في قسم إكسسوارات النساء. تناولت الجرابات وقلبتها بين يدي، وقد ترددت في شرائها خوفا من أن تكون فخا نصبته المخابرات الكندية لكشف معارضي الرئيس الفقراء الذين لم تعجبهم سياساته الاقتصادية.
وقد تساءلت عما إذا كان هناك علاقة بين طبع صورة الرئيس المطبوعة على الجرابات وقصة انفصاله عن زوجته ووضع الجرابات بين اكسسوارات النساء، كنوع من التنديد به، وتضامنا مع زوجته! ولم أنسَ احتمال الترويج له سياسيا، لكن وجود كتابة، أسفل الجرابات، تتمنى للمشتري أن يجلب له الجراب الحظ السعيد، جعلني أميل إلى أن هدف طباعة الصورة هي السخرية من الرـئيس. أخيرا قررت المغامرة، رغم خوفي من السجن، وشراء الجرابات، ولخوفي هذا ما يبرره، فما حملته معي من إرث سوري، يجعلني أخاف من النظر إلى وجه مساعد في المخابرات، فكيف لا أخاف وأنا أرتكب ”معصية“ شراء جرابات تشّهر برئيس كندا!!!
أخيرا أقدم اعتذاري لمن سيجد صعوبة في الربط بين تاريخ الجرابات وتاريخ التماثيل، وسيرغم نفسه على قراءة ما كتبته، رغم أن بعضه من الانترنيت، متمنيا في الوقت نفسه أن يمر هذا المقال دون أن أزور سجنا كنديا، كما حدث معي في سورية.