عبد العزيز الموسى: الروائي والفلاح... وعنوان التهميش الظالم في الأدب السوري
رزق العبي – العربي القديم
لم يكن بالنسبة لي فقط كاتباً وروائياً وابن ضيعة (نسبة إلى النشأة المشتركة بيننا في كفرنبل) فحسب، بل كان بوابة دخولي الرسمية إلى عالم الصحافة في أيلول عام 2006 حين أجريت معه لقاءً صحفياً معه، ونشرته في جريدة تابعة للشبيبة (آنذاك) وأنا في عمر السادسة عشرة.
أتذكر وقتها كيف استقبلني استقبال الكبار، وكأنه في حضرة صحفي له باع طويل في مجاله، حيث كان يجيب على الأسئلة بكل دقة واهتمام، ولعل ما زاده اهتماماً بي، حين عرف أنني قرأت له “بغل الطاحون” وهي إحدى رواياته وأنا في ذلك العمر.
عبد العزيز الموسى، الفلاح وأستاذ الفلسفة، والروائي الذي أمعن نظام الأسد والبعث في إهماله وتهميشه، عاش حياةً مليئة بالنزق والعطاء الأدبي والفكري، حتى ولو على المستوى المحلي في إدلب وبعض محافظات سوريا.
كان عبد العزيز الموسى فلاحاً يشتغل في البطيخ، لكنه خسر في تجارته تلك، فقرر وقتها ترك الفلاحة والتفرّغ للأدب وحده، وكان يَؤمن بأن الكتابة تعادل الحياة.
مات قبل سنوات نازحاً ومهجراً بسبب القصف ومواقفه الواضحة وضوح الشمس من آلة الإجرام الأسدي، وما كان يميّز موقفه المناهض لنظام الأسد، أنه ليس موقفاً نابعاً من كونه انتقاماً ضمنياً لتهميشه على مدى سنوات، وإنما بسبب الإجرام الجمعي الذي مُورس (ولا يزال يُمارس) على السوريين ككل.
للروائي عبد العزيز الموسى (1946 – 2020) روايات عديدة منها: اللقلق، عائلة الحاج مبارك (فازت بجائزة نجيب محفوظ المرتبة الثانية)، الجوخي، بغل الطاحون، جب الرمان وكاهن دورا (فازت بجائزة دبي الثقافية للإبداع 2007). وفي رواياته تلك تبدو المرأة محور العمل الروائي، لأنها – باعتقاده – تلتقي مع الأسطورة والغيبيات، والنزق والمزاجية، لذلك كان يكتب دائماً للمرأة، بوصفها رواية بحدّ ذاتها.
كان روائياً عاشقاً للحياة رغم كل البؤس الذي تفضحه ملامح وجهه الريفية السمراء، وقد أخبرني في جلسة سابقة، حين التقيته آخر مرة في كفرنبل عام 2014 أنه يحبّ الرقص وقد قال وقتها: (حين أشاهد الراقصين أحسّ أنهم يتخلصون من كلّ آلام العصر من قهرٍ، فالجسد أجلّ مظاهر التعبير وهو اللغة الأكفأ في التوصيل، وحين يرتبط بالصوت والحركة تكون قدرته على الأداء عالية جداً.
وأضاف: يبدو أنّ “الآلهة” قديماً فهمت هذه اللغة الجميلة التي أجادتها الشعوب في الأزمنة الغابرة بمظاهر من الحركة والميلان ثمّ الرقص والدبكة لطرد الأرواح الشريرة واستحضار الأرواح الخيّرة والفأل الحسن، باختصار الإنسان القديم كان أكثر صدقاً مع تفاصيل جسده وبناه نفسيته، وأكثر ما تظهر هذه الحالة الروحانية في جسد المرأة الذي هو قصيدة، أو نسق جمالي مطواع.
واستطرد بالقول: إن الدليل أننا حتى اليوم نتعامل مع الرقص الشرقي بحضور عال كما لو أنه حالة داخلية روحية لا تمت للتفاصيل الحوشية الغبية التي يتعامل بها الناس العاديون، فحين تنظر إلى الراقصة الشرقية تحسّ بحالة روحية عميقة ويبدو أنّ هذا يرجع إلى الرقص التعبدي الغابر “جزء من حوار منشور في جريدة زيتون”.
كان عبد العزيز الموسى قبل الثورة السورية يختصر بتفاصيل حياته بؤسنا وتهميشنا لكن بطريقة أكثر رتابة، وعاش حياته وهو يدعو إلى التغيير في كل شيء، صديقاً لكل لأجيال في الضيعة، معلماً وموجّهاً وأستاذاً، ومتحدّثاً وقت الحاجة ومستمعاً أيضاً.
لا أنكر أنه من الأشخاص الأوائل الذين دعموا انطلاقتي في عالم الصحافة منذ كنتُ فتى، ولعله من باب الإخلاص والوفاء كان لِزاماً عليَّ أن أظل أكتب عنه، وأن أدعو الجميع لقراءة روايات وأعمال هذه القامة، السورية التي داست في العتم وانتقلت إلى مساحات من نور ولو على نطاق غير كبير وأقل بكثير مما يستحق كما أجمع مثقفون كبار زاروه أو قرؤوا رواياته. وكم من عبد العزيز عاش ويعيش معنا.. ينتظر منا التفاتة.. لكننا سنلتفت للجميع.