قصد السبيل | إيران وإسرائيل... أدوار متقابلة بأهداف مشتركة
د. علاء الدين آل رشي
في ظل المشهد الجيوسياسي الراهن في الشرق الأوسط، تُطرح التساؤلات حول دور إيران وإسرائيل في تفاقم الأزمات والصراعات. بعيداً عن الخطابات الطائفية السائدة، أو السياسة المتسلفة فإن كثيراً من الشعوب الإسلامية ترى أن المشكلة الأساسية لا تكمن في “شيعية” إيران كعقيدة، بل في سياساتها التوسعية والإجرامية في مناطق كلبنان، وسوريا، والعراق، واليمن. هذه السياسات تسعى لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، مستخدمة الطائفية كأداة براغماتية.
سوريا ولبنان: الميليشيا تبتلع الدولة وتقمع الثورة
في لبنان، يكاد يكون حزب الله هو الدولة الحقيقية، مدعوماً بشكل مباشر من إيران التي تضخ له الأموال والسلاح. تشير تقارير إلى أن إيران تنفق على حزب الله حوالي مليار دولار سنوياً، ما يجعل الحزب قوة اقتصادية وعسكرية تتفوق على الدولة اللبنانية نفسها. هذا الدعم حوّل لبنان إلى رهينة لمصالح إيران الإقليمية، ما أدى إلى أزمة اقتصادية خانقة، نتيجة تدخلات الحزب في الشؤون السياسية، وتحويل البلاد إلى ساحة حرب بالوكالة لصالح إيران ضد إسرائيل. هذا التدخل الإيراني يهدف إلى تعزيز نفوذها، بينما يعاني لبنان من انهيار اقتصادي غير مسبوق، مع عجز الحكومات عن كبح تأثيرات حزب الله على الساحة السياسية والاقتصادية.
في سوريا، كان لإيران دور حاسم في دعم نظام بشار الأسد منذ اندلاع الثورة في 2011. فقدمت الدعم اللوجستي والمالي والعسكري، بالإضافة إلى إرسال ميليشيات شيعية من لبنان والعراق وأفغانستان. كتاب “رسائل الأسماك” يوثق مذكرات العميد حسين همداني، قائد الحرس الثوري الإيراني في سوريا، والذي لعب دوراً بارزاً في قمع الثورة السورية. همداني، الذي قتل بالقرب من حلب، كان أحد المنفذين الرئيسيين للسياسة الإيرانية التدميرية في سوريا، حيث نظم ميليشيات محلية من العلويين والشيعة لتشكيل قوة عسكرية تدعم نظام الأسد، ما أدى إلى تفاقم النزاع وإطالة أمد الحرب .
العراق واليمن: الحشد الشعبي وأدوات التفكيك
في العراق، لا يمكن إنكار دور إيران في تأسيس ودعم ميليشيا الحشد الشعبي، التي باتت اليوم قوة سياسية وعسكرية تتجاوز سلطة الحكومة العراقية نفسها. منذ عام 2003، أنفقت إيران حوالي 16 مليار دولار على دعم الميليشيات في العراق، ما أدى إلى تفكيك الدولة وتحويلها إلى ساحة صراع طائفي مستمر. هذه الميليشيات، التي تدعي حماية الشيعة، تعمل فعليًا كأدوات لتنفيذ الأجندة الإيرانية في المنطقة.
في اليمن، استولت جماعة الحوثيين المدعومة من إيران على السلطة في صنعاء عام 2014، ما أدخل البلاد في دوامة من الحرب الأهلية المستمرة. إيران دعمت الحوثيين بالأسلحة والتقنيات المتطورة، وهو ما أدى إلى تفاقم الأزمة الإقليمية وإطالة أمد الحرب، حيث تحول اليمن إلى ساحة حرب بالوكالة بين إيران والسعودية. نتيجة هذا التدخل، يعيش أكثر من 80% من سكان اليمن في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية، ما جعلها واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم وفقاً للأمم المتحدة.
ما يجمع تدخلات إيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن هو أنها تتبع سياسة “التبديد”. تسعى إيران إلى تفكيك مؤسسات الدول، وزرع الفتن الطائفية، وإضعاف الحكومات لصالح الميليشيات الموالية لها. هذه السياسة لا تسعى إلى بناء أو تطوير تلك الدول، بل تعمل على خلق الفوضى وإضعاف الاستقرار الداخلي.
إسرائيل: سياسة “التمدد”
بالمقابل، تتبع إسرائيل سياسة “التمدد” في الأراضي الفلسطينية. عبر بناء المستوطنات وتهجير الفلسطينيين، تسعى إسرائيل إلى توسيع حدودها والسيطرة على الأراضي الفلسطينية. تشير التقارير إلى أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية تجاوز 700 ألف، ما يجعل حل الدولتين أمرًا شبه مستحيل. تهدف إسرائيل إلى تغيير التركيبة السكانية للمنطقة لصالحها، فيما يستمر الفلسطينيون في العيش تحت وطأة الاحتلال والتهجير القسري.
على الرغم من التباين الإيديولوجي بين إيران وإسرائيل، إلا أن كلا الدولتين تتشاركان في أهداف توسعية. فإسرائيل تمارس سياسة “التمدد” عبر السيطرة المباشرة على الأرض، بينما إيران تمارس سياسة “التبديد” عبر تفكيك الدول من الداخل. الهدف النهائي لكليهما هو تقويض استقرار المنطقة وتحقيق مصالحهما على حساب الشعوب.
مواجهة هذه السياسات تتطلب رؤية شاملة تهدف إلى بناء دول قوية قادرة على التصدي للتدخلات الخارجية، سواء من إيران أو إسرائيل. المنطقة لا تستطيع تحمل المزيد من السياسات التدميرية التي تمارسها هذه الدول. يجب على القوى الإقليمية والدولية أن تركز على دعم الاستقرار وإعادة بناء البنى التحتية، وتعزيز المؤسسات الديمقراطية التي دمرتها الحروب والصراعات الطائفية.
ما يجري في لبنان وسوريا والعراق واليمن هو نتيجة مباشرة لتدخلات إيران وسياساتها التوسعية، فيما تستمر إسرائيل في ممارساتها الاستيطانية في فلسطين. كلا المشروعين الإيراني والصهيوني يسعيان إلى تحويل المنطقة إلى مجموعة من الدول الضعيفة، غير القادرة على الحفاظ على سيادتها ووحدتها. المواجهة تتطلب تحالفات قوية واستراتيجيات فعالة لإعادة بناء الشرق الأوسط وإنهاء هذا التبديد والتمدد الذي يهدد استقراره.