“قسد” بين مطرقة تحالفاتها وسندان باراك
لا زالت "قسد" تبحث عن مستقبلها بعيدا عن الدولة السورية، متوهمة انها تمثل الشعب الكردي

أسامة المصري – العربي القديم
يبدو أن لا فائض من الوقت أمام مشاريع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الشرق أوسطية، وإن كانت البداية من إسقاط نظام الأسد، وليس انتهاء بإخضاع قادة إيران وأتباعهم في العراق ولبنان واليمن، فالوقت بالنسبة لترامب من ذهب، فسنته الأولى شارفت على الانتهاء، ويريد رسم معالم شرق أوسط جديد بملامح ترامبية، تجمع بين المصالح القومية الأمريكية والطموحات الشخصية، التي يبدو أن لا حدود لها على المستوى الدولي والداخل الأمريكي.
وسوريا بوصفها قلب الشرق الأوسط، وكانت على مدى تاريخها القديم والحديث محور اهتمام القوى العظمى، إن لم نقل محور صراع القوى، دون إهمال الدور الإسرائيلي الذي أصبح حجر الرحى، فسوريا الجديدة باتت أحد المحاور الهامة بالنسبة لترامب، ويبدو أن هناك استحقاقات على الجميع تنفيذها، دون مكابرة أو دون دفن الرأس في الرمال كما تفعل قوى اليسار وحلفائهم من بقايا المحور الإيراني، وهذا ما تدركه الحكومة السورية جيدا، التي تحث الخطى مسرعة، ومطلوب ضبط إيقاع خطواتها أكثر.
وحدة سوريا
من الواضح أن هناك اجماع دولي وإقليمي على وحدة الأراضي السورية، وأن مشاريع الطامحين بالتقسيم والفيدرالية سقطت تماما، وها بفضل أبناء سوريا الذين تصدوا وبعزيمة لكل مشاريع التقسيم، وكذلك بفضل الدور السعودي في ما يخص الشرعية الدولية التي اكتسبتها السلطات الجديدة التي تشكل اليوم رمزا لوحدة سوريا، لكن للأسف وحتى الآن الأمر ليس كذلك في مستوى آخر، فما يسمى بـ “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) لا زالت تبحث عن مستقبلها بعيدا عن الدولة السورية، متوهمة انها تمثل الشعب الكردي، فمحاولاتها التقسيمية تحت اسم الفيدرالية لم تأت من أجندة ومظلومية الأكراد، وما تعرضوا له من قمع وتهميش خلال العقود السبعة من حكم البعث والأسد، بل مرتبط بمصالح قوى وشخصيات سياسية كردية وغير كردية سورية وغير سورية، خاصة أننا نعلم تماما مدى الارتباطات الإقليمية والدولية لها، إن كان بالعلاقة مع نظام الأسد وفلوله أو العلاقة مع إيران، أو حزب العمال الكردستاني العابر للحدود، إضافة إلى أحزاب كردية أخرى أيضا عابرة للحدود، فالوضعية لهذه الجماعة السياسية والعسكرية، أصبحت عائقا أمام اندماجها في الوطن السوري.
آفاق مسدودة
رغم توقيع قائد قوات سوريا الديموقراطية الاتفاق الشهير في مارس الماضي مع الرئيس أحمد الشرع، إلا أن هذا الاتفاق جاء بضغوط أمريكية لم يرغب عبدي بصفته الاعتبارية الموافقة عليها، ويبدو أنه وبقية القادة النافذين داخل “قسد” كانوا ينتظرون تطورات داخلية أو إقليمية أو دولية (الرهان على فرنسا ماكرون مثلا) للتملص منها، فحينها لم يكن مطروحا الضربة الأمريكية الإسرائيلية لإيران، وكان لايزال البعض داخل “قسد” وربما عبدي أحدهم (وهو أحد قادة حزب العمال الكردستاني) يراهن على عدم تسليم حزب العمال الكردستاني لسلاحه، فيما راهن بعض القادة على تحركات فلول الأسد إضافة إلى “ظاهرة الهجري” رغم محدودية تأثيرها على المشهد السوري، كما أن الرهان على إسرائيل سقط بشكل أعتقد أنه نهائي، فإسرائيل تريد أن تصنع سلاما أو تطبيعا ليس مع أقليات أو ميليشيات، بل مع دولة وسلطة تمثل أغلبية الشعب السوري.
وبات واضحا من الاجتماع الذي حصل في دمشق بين قادة “قسد” ومسؤولي الحكومة السورية والمبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس باراك أن الآفاق باتت مسدودة أمام مظلوم عبدي وخياراته ضاقت، وأمسى بين مطرقة تحالفاته وسندان “باراك الدمشقي” الذي كان واضحا بكل كلمة قالها حول مستقبل سوريا في دمشق، وأعتقد أن صدى كلمات باراك تردد على نطاق واسع، وشكل إحباطا كبيرا عند العديد من السياسيين والناشطين فهاجموا الموقف الأمريكي وباراك شخصيا.
الخيار العسكري
لا أعتقد أن الخيار العسكري مطروح لدى ” قسد” أو الحكومة السورية رغم أنه خيار موجود في عالم السياسية، لكن يجب تجنبه مهما كانت الخيارات الأخرى مؤلمة، فألم أي خيار خارج الحرب لن يطال الشعب بل يطال أصحاب المصالح والأجندات فقط، بينما آلام الحرب يدفع ثمنها أبناء الشعب، أضف إلى ذلك إن التطورات الإقليمية لم يعد الرهان عليها من “قسد” كبيرا، فتركيا ماضية بإنهاء حزب العمال الكردستاني ولا مناص من تسليم السلاح، وكذلك نتائج الضربة التي وجهت لإيران وحلفائها، وخاصة ميليشيات العراق التي انكفأت إن لم نقل خضعت، أمام القوة المفرطة التي استخدمتها إسرائيل وأمريكا ضد إيران، في وقت لا تزال صدى كلمات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يتردد في آذان خامنئي وأتباعه في العراق عن الاستسلام غير المشروط، فيما “حزب الله” في لبنان يسير طوعا أو كرها باتجاه تسليم سلاحه، أي أن زمن الميليشيات قد انتهى ولا دويلات داخل الدول وهذا يدركه قائد سوريا الديموقراطية تماما، وهذا أيضا ما قاله توم براك وسمعه مظلوم عبدي في دمشق.
قرارات مصيرية
هذا الواقع الجديد يتطلب اتخاذ قرارات مصيرية من قادة “قسد” الأكراد حصرا، فلا أهمية للعرب في “قسد” ولا دور لهم في المشهد السياسي، وهم بكل الحالات لن يكونوا أكرادا، ولا ولن يشعروا بشعورهم القومي وقبل ذلك لم يشعروا بما تعرضوا له الأكراد من ظلم وقمع تاريخي على يد البعث والأسد، نعم فـ “قسد” لم يكن لها دور مشرف في الثورة السورية، ومارست وتمارس السلطة بأسوأ أساليبها في مناطق سيطرتها، وكانت تربطها علاقات مع إيران والنظام والبائد، وكغيرها تفاجأت بسقوط النظام الأسد، الذي مع استمراره استمراها بصيغة التواطؤ التي كان معمول بها طيلة سنوات الحرب، ولهذا أقول يجب ان تتخذ “قسد” قرارات مصيرية بعيدا عن أجنداتها السابقة وطموحات قادتها الممزوجة بارتباطاتهم الإقليمية، بما يخدم مستقبل سوريا والسوريين، وأعتقد أن الاندماج بالدولة السورية إداريا وعسكريا بصيغة يتم الاتفاق عليها هو الخيار الأقل ايلاما لهم، تاركين للمستقبل أن يفرز قواه السياسية عبر قانون أحزاب ينظم الحياة السياسية في سوريا.
عقد اجتماعي جديد
من جهة أخرى مطلوب من الحكومة السورية أن تكون ممثلة لكل السوريين وأن لا تتعامل بسلوك المنتصر، وتحاول فرض الإرادات ليس على الأكراد وحسب بل على جميع السوريين، هناك الكثير من المطالب المحقة للشعب الكردي ولا أقول “قسد” فـ “قسد” لا تمثل الشعب الكردي الذي يعتبر أحد أهم المكونات السورية، وكبقية السوريين يجب أن يأخذ الأكراد حقهم في مواطنة كاملة كغيرهم من السوريين الذين لم يعرفوا المواطنة ولا حقوقها على مدى عقود من حكم البعث والأسد، ولا بد من تأسيس عقد اجتماعي جديد يدفن مرحلة الأسد وما أسس له من الكراهية، ومبدأ تحالف الأقليات وحمايتها، وهذا يتطلب دستور عصري لا يميز بين السوريين، إضافة إلى تفعيل إدارات محلية بصيغة تناسب كل مدينة أو منطقة أو محافظة، فلا يمكن ان تدار سوريا اليوم بعقلية النظام البائد الذي أوصل سوريا إلى هذا التفتت المجتمعي الخطير، فكيف لكردي أو سرياني أو آشوري أو تركماني، أن نسميه عربي سوري على الطريقة البعثية الأسدية، لنبني سوريا الحديثة والتي تسير نحو المستقبل المنشود يجب أن ندفن حقبة الأسد وموروثها على كافة الأصعدة وتعاد الحقوق إلى أصحابها كما عادت البيوت التي سرقها أزلام الأسد ومخابرته إلى أصحابها.