أن تجرب أن تكون كاتباً أو فناناً في "سورية يا حبيبتي"!
محمد زاهر حمودة – العربي القديم
أن تجرب أن تكون فناناً مؤثراً ومستقلاً في ميدان من ميادين الثقافة والفنون في منطقتنا، أو كاتباً شغوفاً بالسينما وميدان الدراما على وجه التحديد، وفي سورية خاصة وبعد استلام بشار، أو حتى قبل وفاة أبوه حافظ، فهي معضلة يصعب حلها، فكيف وإن لم تكن من سكان العاصمة حيث مركز النظام السلطوي ومؤسسات الفن وما شابه، كيف وإن لم تكن من أسرة فنية أو مثقفة، كيف وإن لم يكن لديك واسطة من مسؤول كبير أكان من حزب البعث الحاكم أو جيش أو مخابرات، كيف وإن كنت فوق هذا كله فقيراً، كيف وإن كنت من حلب مثلاً التي لا تمتلك شيء سوى تاريخها، فمن سيساعدك، وكيف ستبدأ المسير، وكيف ستصل؟!
كل هذه أحاجي صعبة من غير الممكن حلها فقط بالعمل والمثابرة والصبر والاجتهاد، لقد كنت أعتقد أنه إذا فعلت ما عليك فعله فسوف تصل إلى الهدف لأنه سيكون هنالك من سيجد مصلحة للشراكة والتعاون معك، فحقل الثقافة والفن والإبداع مربح مادياً ومعنوياً، والآخر بحاجتك كما أنت بحاجته، ولكن، أنت في “سورية يا حبيبي”، لديك مؤسسات البعث، وبين جنباتك مؤسسة دينية تتحكم بها السلطة وتريدها أن تنشر الجهل والتطرف ومعاداة الحرية والديمقراطية، ليبقى القمع والإستبداد والفساد في أمان، ولديك طوائف دينية أخرى من حولك لديهم رجال دين بذات السوء، عداؤهم العقائدي معروفاً، ومع ذلك يتعاونون جميعاً على الفتنة بين الناس وخلق الخنادق الطائفية، لينتجوا الموت، فيما أنت تريد الحياة. يمتلكون منابر وبنية تحتية وحنكة راكمتها تجربتهم عبر عصور، فماذا تملك أنت ولم يمض على حداثتك سوى قرن واحد فقط، ولديك بنية اقتصادية رديئة ومنغلقة فكرياً ومرتبطة بالسلطة، ثم إنك تريد أن تصنع ما لم ينجح بصنعه من كانوا قبلك من السينمائيين الرواد، فقط لأن الزمن الآن قد تغير وباتت رياحه مؤاتية!
نعم لقد تغير، فقط بالنسبة لأمثالك، أما لدى هؤلاء فلم يتغير شيء بعد، وهم لن يسمحوا لأي شيء أن يتغير، كما كانوا في كل العصور السالفة، هذا العصر كغيره بالنسبة لهم، سيبقوا يقاومون أي حداثة أو تغيير، وأما الرياح فهي إن هبت مرة لصالحك فغداً ستهب لصالحهم، وهم يعلمون ذلك، هم خبراء مخضرمون، وأنت شاب حالم. لدينا في سورية، سينما وتلفزيون ومسرح يديرهم الأمن، وشركات إنتاج فني خاصة هي واجهة لفساد السلطة وتبيضض الأموال، ولديك من يحرم الموسيقا والاختلاط والنحت والرسم والحب ويقول إن شعر المرأة عورة، بل وصوتها وكل جسدها عورة، بل ويفتي بقتلك إن كبرت حكايتك، دونما نص من القرآن الذي يدعي أنه يؤمن به، لا يتجرأ على مخالفة منهج آبائه ولا يريد، لا بل ولديه أتباع كثر من المجتمع يصدقونه ويحاربونك، هؤلاء قد يكونوا أعمامك أو أخوالك، أو صديقك، أو أخيك أو أمك، فالحمد لله أن أبي مات مبكراً إذاً قبل أن أطلعه على شغفي، وكي لا يفتي الشيخ بقتلك فهنالك خطوة استباقية أسهل، هي أن يكتب بحقك أحدهم تقريراً أمنياً يقضي به على حاضرك ومستقبلك، فإن لم يتم اعتقالك فسوف تغلق أمامك الأبواب!
هذا من يقال عنه أنه إبن طائفتك ذات الأكثرية في البلد، فضلاً عن الطوائف الأخرى ذات النسبة العددية الأقلية، تلك تحقد عليك وعليه، فإن وافقك شيخ ما من طائفتك نادر ما تجده ونقول عنه أنه مستنير، حاربتك هي، وهذه وبرغم كل شيء لا تستغني بأي حال عن الشراكة معه في السيطرة والتحكم، هذا هو حال بلدك، فاكتب ما شئت واشتغل على موهبتك وثقافتك بأقصى ما تستطيع وبأكثر مما تستطيع، فلن تقدر أن تفتح أي ثغرة في جدارهم، فأنت حتى لو وجدت في احتمال نادر ممولاً لمشروعك السينمائي ودفعت رشوة ليسمحوا لك بتصويره، فهم ببساطة يستطيعون أن يمنعوا عرضه كلياً أو جزئياً، هم يفعلون ذلك مع أفلام ينتجونها هم حكومياً، فكيف معك أنت يا من تحلم بصناعة سينما سورية محترفة وجماهيرية؟!
هل يعرف الجمهور السوري عدد الأفلام السورية الممنوعة من العرض أو التي حورب ترويجها والتي أنتجت المؤسسة العامة للسينما غالبيتها منذ مجيء حافظ أسد إلى السلطة إلى عهد ابنه قبل اندلاع الثورة في الألفين وأحد عشر؟ فكيف لجمهور تم تجهيله بتاريخ السينما في بلده أن يرحب بتجربة جديدة من طرفك أنت؟!، يا من لا أحد يعرفك، حتى الآن.
قال لي أحدهم من المطلعين بكواليس مؤسسة السينما ذات مرة: “أنت مهما كان نص فيلمك مهماً، مالم يكن وراءك مخرج من داخل المؤسسة فلن تصل لشيء”!
بالمناسبة، أنا قدمت نص فيلم لمؤسسة السينما في عام الألفين وعشرة، وأذكر أنني حتى وصلت لمبنى المؤسسة مررت بحواجز أمنية عدة حاولت منعي من الوصول… وبالكاد تجاوزت وسمحت لي، ثم عندما دخلت مبنى المؤسسة لأقابل الموظف الأول بعد الباب دهش واستغرب كثيراً وسألني: “كيف سمحولك لوصلت لعنا؟!”
وهكذا خضت معه معركة كي أجعله يقبل بأخذ نسخة من نص فيلمي للجنة القراءة، وهو لا يريد أن يدخل النص في حاسوبه أصلا، ويرفض بكل ضراوة من حيث المبدأ هذه الفكرة، وأنا أجادله بأن هذه مؤسسة ملك الشعب وأنت موظف ومن حقها علينا أن تقبل المواهب الجديدة في أي وقت وأنا مواطن وأنت موظف وكذا، وهذا عمل حسن سامي يوسف مسؤول النصوص في المؤسسة وليس عملك أنت أن تقيم وترفض وتقبل!
لا أذكر كم تساجلنا فقط لكي يقبل ويضع النسخة في الكومبيوتر، وذكرت له من أعرف من أسماء سينمائيين على قلتهم، ولم أذكر عبد اللطيف عبد الحميد أكيد فأنا من حلب وعبد اللطيف لا يعرف سوى قرى الساحل وخياله عن العاصمة دمشق، لا يعرف باقي سورية. طبعا كان يسايرني ووعدني بأنه سوف يأتي الرد لاحقاً ولم يحصل شيء بعدها، واندلعت الثورة.. ولم يأت الرد حتى تاريخ كتابة هذه السطور!