الرأي العام

تفاصيل سورية | يوم نزع رفعت الحجاب عن رؤوس نساء دمشق بأوامر من حافظ

غسان المفلح

من أصعب المسائل التي ظلت حتى اللحظة في خاطري، هي الكتابة عن هيثم سرية صديق العمر. بداية اتفقنا كثيراً أنا وهيثم واختلفنا أيضا كثيرا. لكن الكتابة عن تفاصيلي لا يمكن لها أن تكون حقيقة أكثر،دون الكتابة عن هذا الصيدناوي الجميل.

أهم ما يميز هيثم وعائلته أنهم كرماء مع من يحبونه. حتى أحيانا مع من لا يحبونه. إلا هيثم كان كريما مع من يحب فقط كي لا يغتر كثيرا. الآن بعد معاشرة السويسريين لثلاثين عاما صار نوتي أبخل من جماعة الجاحظ.

 قضينا أنا وهيثم فترة الثانوي معا، سافرنا معا إلى إسبانيا وعدنا، ثم سافرنا إلى يوغسلافيا وعدت أنا وبقي هو حتى أنهي ماجستير الصحافة ثم انتقل لسويسرا. لكن بعد أكثر من عشرين عاما عدنا والتقينا في سويسرا. هذا هو مخطط السنوات. ربما الوحيد من بين كل الأصدقاء المقربين لي مهما اختلفنا أتابع اخباره وكل تفصيل يخصه. أفرح لفرحه وأحزن لحزنه، وأحب دوما أن أسمع صوته، وبشكل خاص عندما أنوي استفزازه ههههه.

لم يكن صديقاً فقط بل كان أخا أيضا، رغم كل “رزالاته”. كان ما يميز هيثم في تلك المرحلة، سمة لم تكن موجودة بهذه القوة عند كل من عرفتهم. أنه كلما شاهد رجلا يرتدي بدلة عسكرية مموهة، ربما يكون سرايا دفاع او وحدات خاصة أو حرس جمهوري، كان ينتفض كمن يتحسس مسدسا مع لسان زفر؛ لدرجة مرة من المرات دخل هو وصديقنا حسن في معركة حامية الوطيس مع اثنين من سرايا الدفاع، وأتت الشرطة العسكرية التابعة لسرايا الدفاع تبحث عنه، لأنه ربما أدمى أحدهم… لم أعد أذكر، بقي مختبئا عندي في البيت حتى حلت القصة بالتراضي. لأن المموه العسكري الذي انتشر في دمشق منذ بداية “الانقلاب التصحيحي” في تشرين الثاني 1970 قد حول دمشق إلى مكان استباحة من قبل هذا اللباس كرمز لهذه الحقبة السوداء التي دخلت فيها سورية منذ ذاك الانقلاب، كرمز للقمع المعمم والطائفي، لأن غالبية من يرتديه كان يتحدث اللهجة العلوية، حتى لو لم يكن علويا أحيانا.

 اللباس المموه كان التعبير الأكثر وضوحا عن مسار السلطة الأسدية طائفيا. توج في دمشق بحادثة 29 أيلول ١٩٨١: مظليات ومظليي سرايا الدفاع التي يرأسها رفعت الأسد شقيق حافظ الأسد ينزعن الحجاب عن رؤوس النساء المحجبات في بعض شوارع دمشق.  خلع أغطية رؤوس نساء دمشق بالقوة من قبل مظليي رفعت الأسد وبأوامر من حافظ أسد شخصيا. وليس كما يدعي بعضهم أن القرار كان من رفعت!

 ورغم اعتذار الأسد عن هذه الحادثة الشنيعة بشكل غير مباشر. إلا أنه أراد أن يرى عمق قمعه أين وصل لدى سكان دمشق والبيئة المرشحة لمعارضته! من خلال إهانة هذا الرمز الذي هو الحجاب.. بعدها شعر أنه حقق انتصارا على انتفاضة مدينة حماة، وأدماها بالمجازر.

انتشار المموه في شوارع دمشق المدينة وعشوائياتها كانت اللبنة الأولى في تطييف المجتمع السوري. لهذا هيثم وكل إنسان طبيعي سيكون له مثل ردة الفعل الأولية هذه. التي تحولت إلى ما يشبه الحس العملي- على حد تعبير عالم الاجتماع الفرنسي بيير بوروديو- لدى المواطن السوري.
لنعد لهيثم، كان يعشق السيارات أيضا. ذهبنا إلى بيروت لعمل خدمة ثورية في جبهة النضال لمدة أسبوعين بالفاكهاني. غاب عني في اليوم الأول ساعة، وإذ به يعود وهو يسوق جيباً عسكرية للجبهة وصار سائق الدورة تقريبا. لكن أظرف لقطة له مع السيارات كان والده أبو هيثم رحمه الله، يمتلك شاحنة كبيرة مرسيدس، ينقل بها بضائع من لبنان إلى دول الخليج. كان هيثم لا يوفر فرصة كي يسرقها ويخرج فيها مشوار معنا، رغم أنه لا يحمل شهادة سواقة، ورغم غضب أبو هيثم.

عندما اعتقلت في تلك الفترة قبل أن نسافر ليوغسلافيا كثر من الأصدقاء هربوا إلى لبنان إلا هيثم. الميزة الثالثة فيه حبه للكاراتيه، كان يتدرب في نادي، حتى أصبح مدربا في النادي العربي الفلسطيني في شارع فلسطين جانب موقف الفرن. النهفة ليست هنا، بل كان متسلطاً على بعض أصدقائنا وكان يتدرب فيهم، خاصة حسن وحسن ونضال، نضال السلموني الجميل كان له حصة الأسد من هذا التدريب الإجباري.

 ميزة رابعة كان يحب مكدوس أمي الله يرحمها، ويحب طبخة الكباب الهندي عندما تطبخها. لكن الميزة الأهم بالنسبة له، كل أنواع الاكل بكفة، والمسبحة من عند الفوال أبو بشار بكفة أخرى. علاقته بالمسبحة كانت علاقة عشق. حتى أنه علم زوجته السيدة الصربية الراقية بويانا، كيف تحضر المسبحة.

 هيثم في الثانوية أحب فتاة من حماة، لا أريد ذكر اسمها، أحبها بجنون إلى درجة أنه تحمل وهو النزق جدا أكثر من إهانة من والدها، الذي كان مساعدا في الجيش. والدها الذي أبعدها بالقوة عنه. كانت هي في الصف التاسع الإعدادي عندما تعرف عليها. وكان هو سببا في زواج أختها من أحد أصدقائنا. لكن للأسف هذا الصديق بعدما أحب أختها وخطبها، تحول إلى راع لأخت خطيبته، كي لا تلتقي هيثم. من يعرف هيثم يعرف أنه لن يتحمل أحدا يشتمه، فما بالك أن يرفع يده عليه، وهكذا فعل والد حبيبته، وتحمل هيثم تلك الصفعة، دون أن ينبس ببنت شفة. ونحن شمتنا به من باب الوساخة الصداقية المحببة ههههه. هيثم لم يزر سورية منذ عام 1982 ولايزال هذا الأمر غصة في حلقه. لن أنزل والأسد موجود. هكذا كان لسان حاله. خاصة بعد تعرضه في يوغسلافيا لمحاولة اعتداء لدرجة القتل من قبل مخبري الأسد هناك، لأنه معارض ونجا منها بأعجوبة.
سيكون هيثم حاضرا دوما في تفاصيل تلك المرحلة، كما هو حاضرا في حياتي حتى اللحظة.

تعليق واحد

  1. حافظ الأسد لم يتعذر بشكل غير مباشر إنما بشكل مباشر عبر خطابه أمام الميليشيات العسكرية التي كان يلقي أمامها ةلخطاب لكن التلفزيون السوري حذف هذه الفقرة

زر الذهاب إلى الأعلى