في حوار للمونتيور: القائد الكردي السوري كوباني يعترف بالمظالم العربية وباستمرار التواصل مع نظام الأسد
حوار: أمبرين زمان
مراسلة المونتيور في الشرق الأوسط وشمال إفريقية وأوروبا.
العربي القديم – ترجمة: وسنان الأعسر
تم بنجاح قمع انتفاضة عشائرية نادرة في شرق سوريا، ضد أكبر حليف محلي للولايات المتحدة، بعد أكثر من أسبوع من الاشتباكات العنيفة التي خلّفت 90 قتيلاً، وهددت بعرقلة المعركة المستمرة التي يخوضها التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، لإضعاف تنظيم داعش وتدميره. اندلعت الاشتباكات بين رجال القبائل العربية، ضد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في محافظة دير الزور الشرقية، حيث شنّ مقاتلو المعارضة المدعومون من تركيا هجمات متزامنة، ضد أهداف كردية في المناطق الخاضعة لحماية روسيا شمال سوريا.
أرسلت الولايات المتحدة مسؤولين دبلوماسيين وعسكريين كباراً إلى المنطقة يوم الأحد، للمساعدة في استعادة الهدوء، مع انتشار القتال بين قوات سوريا الديمقراطية، والقوات القبلية المحلية، مما قد يهدد أمن قوات العمليات الخاصة التي يقدر عددها بنحو 900 جندي، والمنتشرة في المنطقة المتنازع عليها بشدة.
وتنقسم المحافظة ذات الأغلبية العربية جغرافياً وسياسياً على ضفاف نهر الفرات، حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على الضفة الشرقية الغنية بالنفط، والتي تمتد إلى الحدود العراقية، بينما يسيطر الجيش العربي السوري على الضفة الغربية، ويضغط النظام وحلفاؤه الكبار روسيا وإيران على الأمريكيين للمغادرة.
كانت التوترات بين السكان المحليين والإدارة التي يقودها الأكراد تختمر، منذ بعض الوقت بسبب التكتيكات الثقيلة التي تتبعها قوات سوريا الديمقراطية، في طرد خلايا داعش، وما يقول السكان المحليون إنه تمييز ضدهم لصالح الأكراد.
كان السبب المباشر للقتال هو قيام الإدارة الذاتية التي يقودها الأكراد، باعتقال أمير الحرب القبلي المحلي “أبو خولة”، وهو حليف رئيسي للولايات المتحدة في الحملة ضد داعش، بسبب سلسلة من التهم، بما في ذلك التآمر مع النظام السوري، ضد قوات سوريا الديمقراطية، وسرعان ما تصاعد الحادث ليصبح أسوأ اضطرابات شهدتها البلاد، منذ سحق تنظيم داعش هناك في عام 2019.
وقد أعرب النظام وتركيا عن دعمهما للقبائل المتمردة، حيث تعهد وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بـ “تحرير” دير الزور من الولايات المتحدة و”حلفائها الإرهابيين”، وطالبت تركيا النظام بإنهاء تحالفه مع الأخير، وهو ما رفضته أنقرة.
وفي مقابلة أجريت معه في وقت متأخر من يوم الأربعاء، وجه قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني أصابع الاتهام إلى الحكومة السورية وإيران وتركيا، وقال: إن الولايات المتحدة وروسيا تقفان إلى جانب قواته. وفي حديثه عبر خط آمن، من مكان مجهول في شمال شرق سوريا، أقرّ كوباني مع ذلك بأن المظالم العربية، بشأن الحكم والأمن كانت مشروعة، وتحتاج إلى معالجتها بشكل عاجل، بالتنسيق مع زعماء القبائل المحلية.
وفيما يلي النص الكامل للمقابلة التي أجريت باللغة التركية، وتم تحريرها بشكل طفيف من أجل الوضوح.
المونيتور: ما هو الوضع الحالي على الأرض؟
كوباني: عسكرياً حققنا هدفنا. لدينا السيطرة الكاملة على جميع المناطق. ومن الآن، فصاعداً سنطبق الإجراءات الأمنية في كافة القرى المتضررة من الاضطرابات، لضمان عدم تكرارها.
إن الجماعات المسلحة التي عبرت إلى أراضينا، من الضفة الغربية لنهر الفرات، من أجل زرع الخراب والشقاق بين العشائر المحلية عادت إلى الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة، واضطروا إلى التراجع.
المونيتور: الشيخ إبراهيم الهفل من العكيدات كان في طليعة المطالبين بالتحالف ضدكم، أين هو الآن؟
كوباني: عاد الشيخ إبراهيم إلى جانب النظام حيث يقيم. عاد للمساعدة في إطلاق العنان لهذه الاستفزازات. دخل رفاقنا إلى بلدة ديبان “معقل الهفل”، حيث استقر بين رفاقه من أبناء العشيرة. أهل القرية لم يغادروا، ورفاقنا في حوار مستمر مع كافة القبائل وشيوخها.
تعلمون أن الشيخ نواف البشير من قبيلة البكارة ادّعى أنه سيعبر إلى جانبنا، ليحمل السلاح ضدنا أيضاً. وهو متحالف بشكل وثيق مع النظام، ومع إيران، لكنه لا يزال في الأراضي التي يسيطر عليها النظام، وتم إرجاع رجاله جميعاً.
المونيتور: أنت تشير إلى المجموعات المسلحة التي جاءت من جهة النظام، هل كان هؤلاء جميعهم من أبناء القبائل، أم كان بينهم قوات النظام، أو الميليشيات المدعومة من إيران؟
كوباني: كانوا قوات قبلية نظمها النظام، وقد تم تمويل، وتسليح العديد منها من قبل إيران، وكان بينهم أيضاً ضباط النظام، ضباط مخابرات النظام. لقد قبضنا على أربعة من هؤلاء الأشخاص. وهم أعضاء في الدفاع الوطني “ميليشيا موالية للحكومة تشكلت بمساعدة إيران”. ما زلنا نحقق، فيما إذا كان أعضاء الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران من بين الذين اخترقوا أراضينا.
المونيتور: ما هو عدد القتلى جراء أعمال العنف؟
كوباني: فقدنا 25 من رجال الأمن لدينا، كما فقدنا سبعة مدنيين، وأصيب 97 من مقاتلينا. ليس لدينا أرقام دقيقة لعدد الضحايا في صفوف العدو. لقد أعادوا موتاهم عبر النهر. ليس لدينا أي جثث.
المونيتور: هناك ادعاءات بأن وحدات حماية المرأة، القوة المقاتلة النسائية، شاركت في المعارك، وأن ذلك كان محاولة متعمدة لإذلال العشائر؟
كوباني: وحدات حماية المرأة لم تكن موجودة.
المونيتور: ما هي دوافع النظام وإيران، في إثارة الاضطرابات في هذه المنطقة؟
كوباني: وزير الخارجية السوري كان واضحاً جداً. وقال: “سنحرر تلك المناطق من أمريكا والقوات المساندة لها” يعني قوات سوريا الديمقراطية، وخرج مؤيداً للمجموعات المسلحة التي هاجمتنا. وهذا ليس بجديد. هدفهم إخراج الأمريكان، ولطرد قوات سوريا الديمقراطية من هذه المنطقة.
المونيتور: الروس يريدون رحيل الأميركيين أيضاً. هل شاركوا في هذه الهجمات الأخيرة بأي شكل من الأشكال؟
كوباني: كما ذكرت سابقاً، كانت هناك هجمات ضدنا، من قبل المجموعات المدعومة من تركيا بالقرب من منبج وتل تمر، وتصدت لهم روسيا بغارات جوية ضدهم. لا أستطيع أن أقول على وجه اليقين، ما إذا كانوا مرتبطين بأي شكل من الأشكال بأحداث دير الزور، لكن الروس أنكروا لنا تورطهم، فقالوا لنا: لا علاقة لنا بهذا.
المونيتور: أفادت مصادر موثوقة مثل “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، وحتى القنوات الإخبارية السورية المعارضة إن مئات المقاتلين من هيئة تحرير الشام انتشروا من إدلب باتجاه منبج، وفي الوقت نفسه، نسمع أن أحرار الشرقية “جماعة متمردة سنية متطرفة تصنفها الولايات المتحدة” وغيرها من فصائل دير الزور المدعومة من تركيا تتحرك أيضاً نحو منبج. أليس هذا غريباً، نظراً لأن الروس ردوا بهذه القوة؟
كوباني: كما قلت، لا نعتقد أنه من قبيل الصدفة أن تبدأ الهجمات في دير الزور، وتلك التي تشنها القوات المدعومة من تركيا في نفس اليوم بالضبط. وتسعى تركيا جاهدة إلى تأليب العشائر ضدنا، من خلال أعضائها الذين يعيشون تحت احتلالها “في شمال سوريا”، وداخل تركيا نفسها. هذا ليس شيئاً جديداً.
لا بد أن تركيا كانت على علم بالهجوم الوشيك في دير الزور. تم التنسيق. لقد نظموا، وتمركزوا للاستفادة من الوضع في دير الزور، للاستيلاء على المزيد من أراضينا حول منبج، وسري كانيه، وتل تمر. من الواضح أنهم كانوا يعولون على استمرار الصراع وانتشاره لكننا أفسدنا خططهم، واليوم فقط هاجمت الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة قريتين في منبج، لكن قواتنا صدتهما. ولم توافق روسيا على الخطة التركية.
المونيتور: هل يمكنك أن تكون أكثر تحديداً؟ هل قدم لكم الروس ضمانات أمنية، بأنهم لن يسمحوا بمثل هذه الهجمات الآن وفي المستقبل؟
كوباني: أخبرونا أنهم رفضوا مطالب تركيا بمهاجمة مناطقنا الآن، كما فعلوا في الماضي. لا يمكننا أن نطلق على هذه الضمانات الأمنية في حد ذاتها، لأنها لم تقدم لنا أي ضمانات من هذا القبيل للمستقبل.
المونيتور: قلت لقناة العربية إن قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة دعمتك ضد المتمردين، هل قاموا بغارات جوية، توفير معلومات استخباراتية قابلة للتنفيذ، ودعم لوجستي؟ ماذا فعلوا؟
كوباني: الأميركيون أرادوا حل القضية عبر الحوار. وتواصل ممثلوهم مع الجهات الفاعلة المحلية، للمساعدة في تهدئة الوضع. وكما تعلمون، فقد جاء نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى إيثان غولدريتش، وقائد التحالف إلى هنا يوم الأحد. عقدنا اجتماعات مشتركة مع زعماء القبائل، وطلب منهم الأمريكيون عدم السماح لقوى خارجية، بزعزعة استقرار هذه المنطقة، وشجعوهم على العمل معنا. وافق زعماء القبائل. وبطبيعة الحال، لدى الأميركيين قواتهم الخاصة هنا، ويحتاجون إلى حمايتها. وقاموا بنشر أصول جوية، وطائرات بدون طيار فوق المنطقة خلال الاضطرابات.
المونيتور: هل ضرب الأمريكان أعداءكم؟
كوباني: لا، لم يفعلوا ذلك. لقد كانوا يعملون على الردع، ولإرسال رسالة واضحة مفادها أنهم يقفون خلفنا ويدعموننا، وأدلت الإدارة الأمريكية ببيان بهذا المعنى، وأننا شركاء لهم، وأنهم لن يسمحوا لمثل هذه القوات بزعزعة استقرار منطقتنا. ويجب أن أضيف أن الأميركيين يساعدون في علاج جرحانا، كما فعلوا دائماً.
المونيتور: بشكل عام، هل تعتقد أن الأميركيين يقدمون لك الدعم الكافي؟
كوباني: لا، وقد انتقدناهم على ذلك، خاصة في الساحة السياسية. نعم، لدينا تعاون عسكري ضد الإرهابيين، وضد تنظيم الدولة الإسلامية، لكن فيما يتعلق بتوفير الدعم الدبلوماسي لإدارتنا المحلية هنا، أود أن أقول إنه غير كافٍ.
المونيتور: هل أنتم محبطون، أم متفاجئون من أن منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط، وشمال أفريقيا (بريت ماكغورك) الذي كان يلتقي بكم بشكل متكرر كمبعوث للتحالف الأميركي، وكان يعتبر صديقاً كبيراً للأكراد السوريين، لم تطأ قدماه شمال شرق سوريا، منذ توليه مسؤولية شؤون الشرق الأوسط في البيت الأبيض؟
كوباني: عليك أن تسأل ماكغورك عن ذلك. ومن الواضح أن الحرب في أوكرانيا، والحصول على دعم تركيا لدخول السويد إلى حلف شمال الأطلسي هي بعض العوامل التي يمكن أن تفسر هذا الوضع.
المونيتور: أدلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتصريحات للصحافة تدعم فيها المتمردين القبليين ضدكم، واليوم سمعنا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يكرر الدعوات التركية للأميركيين، لإنهاء تحالفهم معكم. هل تشعر بالقلق من أن الولايات المتحدة سوف تسحب قواتها في نهاية المطاف من شمال شرق سوريا؟
كوباني: ليس هناك شك في أن تركيا ستستمر في تقديم مثل هذه المطالب للأميركيين والروس على حد سواء، وحتى الآن لم يحصلوا على ما يريدون، ونأمل ألا يحصلوا عليه أبداً. وليس هناك على الإطلاق أي مؤشرات في هذا الوقت على أن الولايات المتحدة تخطط لسحب قواتها من هنا.
المونيتور: هل كنت على تواصل مع النظام خلال هذه الفترة؟
كوباني: نعم لدينا. وقد طالبناهم بوضع حد لهذا الأذى، ونقلنا إليهم رغبتنا في الدخول في حوار هادف معهم، من أجل الحكم الديمقراطي في هذه المنطقة. ومن الواضح أن هذه الأنواع من التدخلات الخبيثة لا تخدم هذه القضية، وتعيد الأمور إلى الوراء. على أية حال، وعلى الرغم من أننا نواصل إجراء محادثات متفرقة مع دمشق، إلا أننا لم نحرز أي تقدم، فيما يتعلق بحمل النظام على إجراء محادثات موضوعية، من أجل التوصل إلى حل شامل يشمل سوريا ككل.
المونيتور: هل تواصل معكم أي من قادة المنطقة خلال هذه الفترة؟ السعوديون والإماراتيون، ورئيس حكومة إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، على سبيل المثال؟
كوباني: لا، لم يفعلوا ذلك.
المونيتور: ماذا عن المجلس الوطني الكردستاني “المعارضة السورية”، أي دعم، أي مكالمات؟
كوباني: إنهم منقسمون فيما بينهم، وكانت هناك بعض التصريحات العامة ضد العنف من البعض، ولكن لم يكن هناك أي تصريحات جوهرية. لم يتصل أي منهم.
المونيتور: هناك تقارير في وسائل الإعلام تزعم إن الولايات المتحدة نشرت قوات إضافية على طول الحدود السورية العراقية، هل هذا صحيح؟
كوباني: لم نواجه أي علامات على وجود حشد عسكري. قرأنا تلك التقارير الإعلامية، وسألنا الأمريكيين عنها. قالوا لنا إنهم كاذبون، وإنه لا يوجد أي تعزيز.
المونيتور: السؤال الأخير. بالنظر إلى أحداث الأسبوع الماضي، هل أنتم نادمون على نقل الحملة، ضد تنظيم الدولة الإسلامية إلى الأراضي ذات الأغلبية العربية؟
كوباني: لا، بالتأكيد لا. كنا نتعرض لهجوم مستمر من قبل الجماعات السلفية في تلك المناطق، حتى قبل سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية. كنا نعلم أنه يتعين علينا قطع الطريق حتى الفرات، من أجل الحفاظ على سلامة شعبنا، واستقرار مناطقنا. وفي الواقع، على الرغم من أننا نأسف بشدة للخسائر في الأرواح، ونتمنى لو كان من الممكن تجنب ذلك كله، إلا أن الاضطرابات التي شهدها الأسبوع قد شهدت بعض النتائج الإيجابية. الأمر أوضح بكثير للأشخاص الذين هم مع النظام، والذين ليسوا معه. واليوم أصبحنا أقرب إلى أهالي دير الزور، ونحن مصممون أكثر من أي وقت مضى على معالجة شكاواهم المشروعة، والعمل معاً لتحسين حياتهم.