الرأي العام

مسافة للنظر | لونا المستشارة ونظام التفاهة في المعالجة الإعلامية

يكتبها: حازم العريضي

خبرٌ معيبٌ تناولُه إلّا من زاويتين:

● السخرية، وهي دواء للألم، وألم السوريين تطغى عليه أزمة ملايين العالقين في تركيا أو المحاصرين في الشمال السوري، وملايين غيرهم تدفع فاتورة بقاء الأسد الصغير في قصر المهاجرين.

● أو تناول الخبر من زاوية تفاهة الفضاء العام والشأن العام في سوريا، بوجود شخصية مثل لونا في منصب “مستشارة رئيس” بلا مؤهلات، وهذا إن دل على شيء فهو يؤكّد أن الطّامّة الكبرى كانت أن يتبوأ الوريث الصغير منصب الرئاسة ومؤهله الوحيد كونه ابن قائد انقلاب 1970 “الرئيس الخالد”!

خبر حادث السير الذي تعرضت له “مستشارة الرئيس السوري” كافٍ، على تفاهته، ليكون مبرراً لإسقاط نظام التفاهة في دمشق ووصفه ب”الساكط”، بلهجة إخوتنا في دير الزور.

شغل الخبر صفحات التواصل السورية، وهذا مفهوم على سبيل السخرية من دائرة الأسد الصغير، لكن تحوّله إلى العنوان السوري في غرف الاخبار العربية “الرصينة” أمر يعكس أحد أوجه تقزيم الشأن السوري طالما بشار الأسد باقٍ في قصر المهاجرين.

لا معلومات موثوقة تستحقّ أن يأخذ بها صحفي خبير ليكتب خبراً كالذي انتشر بروايته الركيكة، وحسبي بعض الملاحظات فقط لا غير:

■ لا تحتاج العصابة في دمشق ورعاتها، إيرانيين كانوا أم غيرهم إلى هذه الطريقة لتحييد أيٍّ من مرتزقتها، فلكمةٌ من أحد المرافقين أو “المستشارين العسكريين” الايرانيين كافية، أو انتحارٌ بأربعة طلقات كما درج على موهبة الرماية هذه غازي كنعان وقبله محمود الزعبي!

■ لا دليل شافٍ على أن حادث السير مدبّر، وإن شكّل خطورة على حياة “المستشارة” فسيكون ذلك لشدة الارتطام داخل كبين السيارة وليس الهرس إذ يكفيك النظر الى هيكل الكبين المتين كيف لم يتأذّ مع أن الارتطام شديد، بينما تهشمت مقدمة المركبة، هذا كلّه في حال كانت الصورة التي انتشرت أيضاً صحيحة!

■الخبر إياه، الذي صاغته إحدى وسائل الاعلام العربية سبقاً صحفياً، يتناول ملحقات مُقحمة لا قيمة لها.

أحدها تحليلي يشير إلى ارتباط الحادثة بصراع أجنحة داخل النظام يوالي أحدها طهران وثانيها موسكو، مع أن لونا أتفه من أن تمثّل جزءا من “جناح روسي” في السلطة.. وليست أكثر من موظفة مقرّبة من بشار الأسد للتفاهة أيضا، وبالتالي “التحليلات” المنتشرة ما هي أكثر من إشاعات بغياب معلومات موثوقة، والتفسير الوحيد للظل الطويل للدور القزم للمستشارة ما هو إلا إتقانها للغة الروسية وبعض المنافع “الروسية” منها مطعم بإدارة أجنبية وما إلى ذلك من إنجازات الفساد التي يتنافس عليها أتباع الأسد الصغير جميعاً!

معلومة سخيفة

■ باقي التفاصيل المُقحمة في الخبر الأكثر انتشارا لا قيمة لها، ولو كانت ذات صدقية لكان حريّاً أن تكون أصل الخبر وعنوانه، فمثلا الإشارة إلى إيقاف عمار ساعاتي عن “التدريس” في جامعة دمشق مع إرفاق كتابٍ يوثق ذلك قد يكون التفصيل الأكثر موثوقية، ولكن عدّه مؤشّراً إلى تصفية دور ساعاتي وحرمه في العصابة لهو ضربٌ من الخفّة في استخفاف عقل المتلقي، خاصة حين يضع الخبر الحدثين (حادث السير والإيقاف عن التدريس) في سياق “تغييرات” في النظام استجابة للمبادرة العربية حيناً وإزاحة أتباع موسكو أحيانا!

 الخبير في متابعة الشأن السوري والمطلع على خبايا النظام يعلم أن أبسط إجراء “عقابي” لأحد اتباع النظام المقربين يتجاوز الإيقاف عن التدريس وما إلى ذلك من أمور قد تقع بباب النكايات الشخصية بين بعض افراد العصابة، وأما العقوبات الجادة فقد تصل حد “تكسير الرتب” والتجميد والسجن أحياناً، ويكفي النظر الى العقوبات الهائلة التي تعرّض لها آصف شوكت يوما ما، كما يعلم المطّلعون من الصحفيين، لمعرفة أن ما ذكره الخبر المشاع معلومة سخيفة.

■ الأهم لادراك ضعف وسطحية رواية الخبر هو “المعلومة” المقحمة عن توقيفٍ لشقيق لونا الأسبوع الماضي، ولو كانت هذه المعلومة على مستوى من المصداقية لكان حرياً أن تكون هي الخبر الأهم، وسيكون من الغباء أن يأتي تفصيلاً متأخراً في ثنايا الخبر، بل كان ليصبح تطوراً خطيراً ذي شأن إذ يقول الخبر إنه “ضابط في الحرس الجمهوري” واعتقله النظام بتهمة “التخابر”، حينها كان الخبر سيصبح

 ” تخابر ضابط في الحرس الجمهوري وشقيق لمستشارة الرئيس مع جهة معادية” !

وهذا يفتح الباب عريضاً على احتمالات تهمُّ المعنيين بالشأن السوري لو كان صحيحاً، وبالتاكيد ليس كذلك إذ أن أبطاله كلهم صغار شأن.

التخابر لقلب النظام كان يوماً سبباً مرجحاً لما سمّي “تفجير خلية الأزمة” الشهير، وحتى ذاك الحدث ظلّت أسبابه الحقيقية إشاعة، ويكفي أن تعلم أن مجهول النسب “أبو زهير الشامي” تبنّى العملية يومها!

زر الذهاب إلى الأعلى