"شهداء" تلفزيون سوريا ومنظومة الأشقاء الإعلامية
بقلم: نوار الماغوط
* تنويه من إدارة تحرير “العربي القديم”:
في الزمن الذي ولد من رحم الربيع العربي المتعثر، والذي كنا نتطلع فيه إلى مزيد من حرية الرأي والاختلاف والتعدد، تحولنا إلى رعايا جزر متناحرة ومعزولة. تحولت المنابر الإعلامية من صحف ومواقع وتلفزيونات إلى شكل من أشكال الشللية المزبلية (وكل شلة مغلقة على مصالحها هي مزبلة) وإلى مكاتب صحفية ناطقة باسم من يمولها، وصنفت حسب توجهها المصحلي، فهذه لا تنشر ما يغضب فلان، وتلك لا تنشر ما ينتقد علان… وهذا ممنوع من الظهور لدينا… وذاك المشروع لا نتناوله بالسلب لأن مديره فلان… وذاك لا نتناوله بالإيجاب -مهما قدم- لأن صاحبه فلان. وقد ساهم المدراء الصغار قدراً ومهنية في تكريس هذه الحال، حتى في استضافة ضيوف برامج التلفزيونات التي يديرونها.. حتى بدا أنْ لا مكان للرأي الآخر إلا في الشعارات والسلوغونات التلفزيونية!!!
إن (العربي القديم) لا توافق على كل ما جاء في مقال الزميل نوار الماغوط، وترى أن بعض الأفكار والاتهامات تحتاج لقرائن أوضح وأجلى.. لكنها تنشره كي تخرق حالة التواطؤ والشللية وتكميم الأفواه، مؤمنة بحق كل من تناولهم الزميل نوار بالرد والنقاش الموضوعي، بدل الانكفاء في منابرهم يتبادلون المدائح وتبويس الشوارب والوجنات فيما بينهم وبين باقي منظومة الأشقاء الإعلامية، ويسبّحون بحمد من يحجب الأصوات هنا، ويضع لائحة سوداء للأشخاص هناك، مطمئناً إلى أنه بمنأى عن أن يطاله أي نقد في تلك المنابر المغلقة على مصالح ومنافع العاملين فيها فقط، لأن هؤلاء العاملين باتوا موظفين يعيشون على الراتب الشهري في الزمن الصعب الذي تشرد فيه السوريون خارج أوطانهم وتحكم برقابهم وتوجهاتهم أذلة لا يرعون محنة شعب كريم، وليسوا إعلاميين يتطلعون إلى فضاء حر حقيقي يعبر عنهم وعن أفكارهم. (العربي القديم)
***
عندما وصف تلفزيون سوريا الممول من قطر القتلى في حادثة التفجير في المزة بدمشق أنهم شهداء، وأصرت القناة على هذا الوصف في قتلى حي السيده زينب بعد ذلك، وبرغم من الحملة في مواقع التواصل الاجتماعي، على القناة ، لم تقم القناة بتغيير الوصف واليوم الخميس وفي برنامج ريبو ست خصصت القناة ربع ساعة للحديث عن مجلة صينية تروجُ لأسماءِ الأسد.وتصفها بوردةِ الصحراءِ المتفتحةِ.و.الوردةُ الشاميةُ تغلبُ الزعفران بينما خبر استهداف إسرائيل لمبنى سكني يوم أمس لم يأخذ أكثر من أربعين ثانية، مما يؤكد مُجدداً أن الهدف من تأسيس هذه القناة هي الإدارة الناعمة لأسماء الاسد لإزاحة معارضيها عن طريقها، وبرغم ما ذكرناه سابقًا عن علاقة المؤسسين الأوائل للتلفزيون مع النظام، ومع ذلك يبقى وجود هذه القناة مثيراً… كونها تشمت بكل الشرفاء وبالتضحيات والدماء التي سالت كرمى كرامة وحرية السوريين، وهي لا تختلف عن شقيقتها الكبرى قناة (الجزيرة) التي لا يخفى على أحدٍ دورها في أحداث «الربيع العربي» منذ بداياته المبشرة، لتحوله إلى شتاء عاصف ومدمر بمسانده أخواتها غير الشقيقات صحيفة (العربي الجديد) وقناة (العربي الجديد)، … ولم يكتفوا عند هذا الحد بل قاموا بتأسيس وتمويل شركات خاصة بهم، وتحت إشرافهم، لإنتاج البرامج المنوعة والترفيهية والأخرى للتسويق والدعاية والإعلان وبيع المحتوى، وكذلك تأسست شركة لخدمات التسويق على منصات ومواقع التواصل الاجتماعي ومقرها إسطنبول، فضلًا عن تأسيس شركة في الأردن لتولي مهام المنتج المنفذ لكل مهام الإنتاج الخارجي إضافة – قبل هذا كله – إلى تأسيس شركة للإنتاج الفني تدعى ميتافورا ومقرها الدوحة التي أنتجت مسلسل ترفع له الاصبع الوسطى، وهو مسلسل (ابتسم أيها الجنرال) الذي لم أستطع أن أراه إلا كمسلسل الساقط بشكل مدوٍّ في النص والأداء والإخراج الذي ترك لاجتهادات الممثلين كما يشاؤون في التمثيل بدون تعب منهم في تغيير نمط تعبيراتهم الدرامية …. وهو بالعموم مسلسل يتبنى وجهة نظر النظام تجاه خلط الأحداث في التاريخ السوري… وإلصاق جريمة هذا بيدي ذاك وإظهار بشار الذي لم يحمل مواصفات رئيس شرعي يوماً على أنه قائد يواجه بشجاعة تحديات تاريخية لم يواجهها أبوه بذاته..
وهنا لن أتحدث عن ما تناولته الصحف من اختلاسات وفشل مهني لتلك المؤسسات البحثية الأخرى التي تم إنشاؤها وتشكيلها من الأشخاص عديمي المواهب وموظفي التلفزيون السوري الرسمي السابقين ومراسلي قناة المنار للدجل والتزوير، ولدى المكتب الخاص لأسماء الأسد، لأنه ليس بذي قيمه أمام توجّه هذه المؤسسات المدمر الذي اضطلعت به في قيادة مكنة إعلامية أساءت للثورة السورية وللسوريين…
عند البحث عن كل ما يرتبط بما يقدمه تلفزيون سوريا سنجد ارتباطاً يستهدف أولاً وأخيراً تعويم فساد النظام وتحويله إلى جزء من مشكلات الحرب التي فرضت عليه، دون تغييب إشارات الإعجاب اللطيفة هنا وهناك برجاحة عقله وحكمته في التعامل مع ظروف الحرب أو الأزمة وهي مسميات تخفي حقيقة أنها انتفاضة شعب… وأن يقول للسوريين انظروا إلى وضاعة معارضتكم التي ركضتم وراءها… أما الحقيقة الغائبة عن جماهيرنا أن من كان يعمل عند النظام كمرتزق وانتهازي تحول إلى الجهة المقابلة، دون أن يعدل في سلوكه شيئاً فقط تغير فقط جهة رب العمل، من جهة كانت تجمع ما يرمى لها من فائض موائد اللئام، إلى موائد صار هو كبيرها ولئيمها، ومن جهة أخرى يجلس قبالة رفاقه السابقين في مسرحية المفاوضات العبثية التي قرأ حقيقتها الجميع باستثناء الحمقى وفاقدي البصيرة.
مشكلة المفكر العربي عزمي بشاره أنه غيّب المثقف المنتج للمبادئ والقيم الراقية، لصالح وجوه بائسة متخمة بالجهل والسلوك الانتهازي المتلون الذي لا يمكن التستر على تاريخه المثبت بالوقائع، وتتصدر المشهد وتقود النقاش العام، وهي خالية الوفاض من أي مضمون معرفي أو أخلاقي لا قريب العهد ولا بعيد.
ولعل هذا يذكرنا بيساريي مركز حرمون وتجنيده للمثقفين وأشباههم/ن الذي يعملون على زرع ونشر عوامل الفرقة والتشتت والتحزب الفكري في الثقافة السورية، من خلال المبادرات الفوضوية العارمة التي يرميها كل فتره على تجمعات وحركات ثقافية و سياسة وبما يؤدي إلى زيادة التطرف الديني والطائفي والعرقي، والقضاء على فكرة الديمقراطية، وإحلالها بفكرة التعاون بين قوم، شيوعي، وإسلامي ……الخ. من خلال شراء نخبهم الثقافية وتوظيف هذه الثقافة الجديدة لدمج أيديولوجيات الأقليات في المنطقة في النظام العالمي الجديد الذين يقودنا نحو الخراب. والتركيز على “الكوتا الطائفية” في التوظيف والشللية والمحاباة التي كان النظام رائداً في اللعب عليها وتوظيفها بشكل دقيق جداً، وهؤلاء سائرون على دربه وإن بشعارات مناقضة لشعاراته، مستعدون للتحالف مع كل طرف يحقق مصلحتهم… في استمرار الحال على ماهو عليه.
لم يعد هنالك الكثير من الوقت، والانتظار لم بعد مقبولاً. ليعرف الجميع ، هؤلاء لا يريدون النجاح لمشاريع الأنظمة الديمقراطية في البلدان العربية، ولا لأحلام الشعوب المتطلعة للحرية لأن معظمهم غير مؤمن بها وتذكرون من أين جاء ومع من كان يعمل ومن كان يراسل، إنهم يسعون لمشاريعهم الصغيرة المتمثله في تسويق أنفسهم وتثبيت مواقعهم والحفاظ على رواتبهم، ومنع الآخرين من انتقادهم… حتى لو أدى ذلك إلى إسقاط قيم الثقافة والإعلام الحقيقية، وساروا – من حيث يدرون أولا يدرون – في درب دعم الانظمة الديكتاتورية ومنع سقوطها ليس فقط في سوريا وانما في كل الوطن العربي.
محاولة لتوجيه القطيع من خلال خلق قطب ظاهره علماني يوازيه قطب الاخواني ظاهره اسلامي . و لكن الكل يسبح في بحر سياسة الدول الراعية لهذه المحطات . يعني النغمة تتغير حسب التوجه السياسي الأمريكي و ضمن حدود مصالح الدول الوظيفية . بظل هذه الأوضاع يصبح الوصول للحقائق المطلقة صعب لجماهير القطيع و لكن الصادقون و الثابتون و الوطنيون هم الوحيدون القادرين على فرز الأخبار و السباسات لأنهم ببساطة صادقون و يحبون أوطانهم و يؤمنون بمبدأ المواطنة . . تحياتي لكم و لمواقفكم الثورية و الوطنية .
JctVCwMRpzdXko
الله يخلصنا منهم