أرشيف المجلة الشهرية

مملكة زكريا تامر

صخر بعث – العربي القديم

لا “آرنست همنغواي” ولا “غابريل غارسيا ماركيز” أو باولو كويلو” ولا “تولستوي” حتّى، وهم من أهمّ وأشهر الأدباء العالميين، وكذا “إيليا أبو ماضي” و”عبّاس محمود العقّاد” و”محمّد الماغوط”وهم من أهمّ وأشهر الأدباء العرب، كان قد تحصّل أحد منهم على “شهادة جامعية”، ومنهم من لم يتحصّل حتّى على الثانوية أو الإعدادية كالعقّاد، لكنّما هي الموهبة والمثابرة والعقول النيّرة والإصرار، تدفع من يمتلكونها ويسخّرونها نحو النجاح والانتصار، ولقد كان “زكريّا تامر” أيضاً واحداً من هؤلاء الناجحين اللامعين الذين لم يتحصّلوا على شهادات التعليم العالي، لكنّما أوصلوا للناس حصيلةً من الفكر والإبداع الأدبي مالم يكن لمئات الجامعات والمعاهد ومشاريع الثقافة والأدب في الرواية والقصّة والشعر أن تصله!.

الحديث عن “زكريّا تامر” حديث عن ظاهرة عجيبة غريبة، فمن يقرأ سيرة حياته لا بدّ أن يتوقّف ويفكّر مراراً ليحاول فهم كيفية حضوره ووجوده ووصوله بل واعتلائه كلّ هذه المكانة الأدبية كقاصّ سوريّ أو عربيّ في “الأدب العالمي”، الرجل الذي بدأ حياته في سنّ مُبكرة “حدّاداً”، ولمّا ينتهي من يترجمون أعماله إلى الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والروسية والألمانية وغيرها من اللغات من الترجمة والتقديم له، “زكريّا تامر”، القاصّ المتفرّع في المواضيع، المتعدّد في الأساليب، الجادّ، الساخر، الجذّاب الأخّاذ.

(إذا نقص مال الدولة فسينقص ما يُدفع ثمناً للويسكي وثياب النساء والسيارات والقصور، وإذا قلّ الويسكي وزعلت النساء وغدَتِ السيارات والقصور غير فخمة، فمن المؤكّد تاريخياً وموضوعياً أنّ فرح المسؤولين عن البلاد سيتضاءل، وإذا تضاءل فرح المسؤولين فستصبح معنوياتهم خائرةً، وتصير بياناتهم وتصريحاتهم وخطبهم فاترةً ومملّةً لا ترعب الأعداء، ولذا فحين طالبتُ بزيادة أجري خدمتُ الأعداء وشاركت في إنجاح حربهم النفسية، فلأعاقب شر عقاب !).

هذا أدب وتدبير واقعي عميق، اللغة، الأسلوب، الموضوع، والإخراج، إخراج النصّ حيث لا تصل الفكرة وحسب، بل يصل الشعور بالواقع، وقد يرى القارئ نفسه في النصّ، فيقول لنفسه: لقد عبّر عنّي هذا الكاتب الأديب، فما أجمله، وشكراً!.

مثل “نزار قبّاني” و”حسيب كيّالي” السوريين العبقريين في الشعر وفي القصّة، ومثل المصري العظيم “نجيب محفوظ” الذي حاز على العالمية بسبب انغماسه في المحلّية، ومثل السعودي “عبد الرحمن المُنيف” الذي كتب روايةً من أهمّ الروايات العربية “مدن الملح”، وكما اللبناني المبدع “أمين معلوف” الذي شغلت رواياته العالم، كان “زكريّا تامر” قد أسّس مملكةً باسمه في عالم القصّ العربي.

في قصّته “النمور في اليوم العاشر” قال: (الجبان الحيّ خير من الشجاع الميت، فقبّل اليد القوية وادعُ في السرّ أن تُكسر، وإذا أردت مطلباً من كلب فقل له : مولاي الكلب، كُن أوّل من يطيع وآخر من يعصي، فلا رأي لمن لا يُطيع!) .

____________________________________________

من مقالات العدد الحادي عشر من مجلة (العربي القديم) الخاص بزكريا تامر – أيار/ مايو 2024

زر الذهاب إلى الأعلى