فنون وآداب

الممثل والموقف من الحياة: هل من وظيفته أن يقف إلى جانب ديكتاتور؟

بقلم: أحمد برقاوي

الإهداء: إلى مازن الناطور.

 مازن الناطور: موقف وطني إلى جانب ثورة الحرية والكرامة

يمر عالم العرب الآن بانفجار سياسي وقيمي وفكري عاصف، ومن شيمة المثقف، المثقف بكل أصنافه، من كاتب المقال إلى الروائي إلى الشاعر إلى المفكر والفيلسوف إلى الفنان التشكيلي، إلى أهل الفن الموسيقي والتمثيلي… إلخ، أن يتخذ موقفًا من هذا العالم. وقد كتبنا عن هذا الأمر الكثير، ولكني اليوم سأتوقف عند الممثل، والموقف الذي كتبت عنه مرة قبل عقد من الزمن، يوم لم تكن الحياة على هذا النحو الذي هي عليه الآن.

إنّ من نافل القول الحديثَ عن أهمية السينما والمسرح والمسلسل التلفزيوني، في تكوين وعي الناس، وبخاصة هذه الأيام، بعد أن وفّرت تقنية الـ “ديجيتال” والأقمار الصناعية للبشر وسائل لا حصر لها للفرجة. فالفيلم السينمائي، أي فيلم، يطرح فنيًا فكرة أو أفكارًا، فتكون متعة الفرجة مترافقة مع أثر الفكرة، وقس على ذلك المسلسل، وهو دراما تنطوي على كل مظاهر الحياة الاجتماعية، وعلى فكرة أو أفكار تتعين في الشخوص.‏ ولما كان الفيلم والمسلسل وسيلة تشكيل وعي؛ فإن السؤال مشروع، إذ نطرحه في صيغة صريحة: هل الممثل مجرد أداة تقنية حيادية، شأنه شأن الكاميرا؟ يتقاضى أجرًا، و”كفى الله المؤمنين شر القتال”؟ أم أن الممثل موقف من الحياة، من المجتمع، من السياسة، من القيم؟‏

الرأي، عندي، أنّ من الإغتراب أن يصل  الممثل هي حالة النظر إلى نفسه على إنه أداة تمثيل ليس إلا، بمعزل عن أي موقف،‏ ويكون همه منحصرًا في المال الذي يدره عليه الدور. أنا لا أتحدث هنا عن الدور الذي يضطلع به الممثل داخل الفيلم أو المسلسل، من حيث عمله في دور شرير أو خيّر، بل من حيث وظيفة الفيلم والمسلسل بعامة،‏ فالمسلسل لا يقوم بوظيفة التسلية فقط، بل هو -كما قلت- يقوم بتشكيل وعي الناس، وهنا تبرز أهمية مضمون المسلسل والغاية المرجوة منه، والأيديولوجية المستترة في ثناياه. فهل من الحكمة مثلًا أن يوافق ممثل على أن يلعب شخصية رئيسة أو غير رئيسة، في فيلم أو مسلسل ينال من أحلام الناس في الحرية والكرامة؟ هل مقبول من ممثل نجم أو غير نجم أن يقوم بدور ما في مسلسل يدافع عن قيم عصر الحريم؟ هل من الذكاء أن يُزيّن ممثل شهير شخصية سيئة في التاريخ، بدافع أيديولوجي أو ينال ممثل من شخصية عظيمة بدافع أيديولوجي أيضًا؟

هل من وظيفة للممثل أن يقف إلى جانب ديكتاتور؟

 ومعترض يقول: إنك تصادر حرية الممثل وأنت المدافع عن الحرية؟

فنانون وقفوا مع الديكتاتور وتمسحوا به

 إني لا أصادر حرية أحد، فالممثلون أحرار فيما يذهبون إليه، شرًا كان أم خيرًا، بل لا أجد الحرية إلا باتخاذ موقف صادق من الحياة وفي الحياة. فليس مفهومًا أبدًا أن يقوم ممثل معروف بمواقفه التنويرية، بالدعوة إلى الظلام في مسلسل هدفه الإظلام؟ ولهذا السبب، فإن عددًا من الممثلين الذين تربطني بهم صداقة، يرفضون الاشتراك في مسلسل لا يتناسب مع موقفهم الفكري التنويري، بعد قراءة النص. إنني لا أتحدث هنا عن المسلسلات التي هدفها تسلية الناس من دون أن تحمل غاية أخرى، بل عن تلك التي تريد أن تؤكد قولًا، موقفًا، وتسعى لتكوين وعي بمرحلة، بشخص، بقيم. يجب ألا يخضع الكاتب والمخرج والممثل إلى ابتزاز المموّل أبدًا، وإلا؛ تحول الممول إلى السلطة التي تتحكم بمضمون المسلسل وبطريقة إخراجه، بل بلعب الممثل.. فكيف إذا كان الممول ينتمي إلى ثقافة الحريم والسلعة والحرام والحلال؟‏

 لقد ميزت الثورة السورية تمييزاً واضحًا أصناف الممثلين والمخرجين، فهناك الذين لا موقف لهم من أي أمرٍ من أمور الحياة، وعملهم أشبه بعمل الإنسان الآلي، وهؤلاء، رغم ما يتوافرون عليه من موهبة، لن يكون لهم حضور في ذاكرة التراجيديا النبيلة. هناك من كشفوا عن انتمائهم إلى المستبد ودفاعهم عن القتل والتعذيب والتشريد، إنهم خونة أحلام البشر وآمالهم، وقيل عنهم ما يكفي من الكلام الكاشف لسقوطهم الأخلاقي، وهناك من أعلنوا بكل وضوح انحيازهم إلى ثورة الحرية، ودفعوا ثمن ذلك تشريدًا وفقرًا، فمؤسسات العمل الفني، التي لا هم لها سوى الربح والتوزيع، أهملت هؤلاء الذين اتخذوا الموقف الجدير بالكرامة الإنسانية. لهؤلاء الذين ظلوا أوفياء لرسالتهم الأخلاقية والجمالية، بارتباط بالموقف الوطني إلى جانب ثورة الحرية والكرامة، كلُّ التقدير والمحبة.

إن الفلم والدراما التلفزيونية والكوميديا، أشكال متعددة من وسائل صناعة الوعي لدى المتفرج، فالفن بهذا المعنى موقف من الحياة، حيث تتحد الطبيعة الفنية الجمالية مع الوظيفة الأخلاقية والمعرفية.

ولما كان الممثل ذا شأن وحضور في حياة الناس،وبخاصة إذا ما توافر الممثل على شهرة كبيرة،فإنه كائن فاعل في صناعة الوعي، هذا من جهة، ويخلق خيبة أمل شديدة لدى الناس إن هو انتمى إلى من يدمر حياتهم، من جهة ثانية.

فالنص والمخرج والممثلون يحملون مسؤوليات كبيرة،وبخاصة في لحظات التحول الكبرى.فإما أن يخلدهم التاريخ، بوصفهم منتمين إلى التحول الذي يدفع البشر من أجله أتاوات من حيواتهم، أو يلقيهم في مزبلة الوسخ التاريخي.

زر الذهاب إلى الأعلى