الرأي العام

بصمات | نحن أنفسنا أكلة لحوم البشر وندعم أكلة لحوم البشر

د. علي حافظ

نغوص في جو من المناظر الطبيعية المغلفة بألوان تشبه الكفن في فقدان المعالم المكانية والزمانية والأسرار المحيطة بالموت. الدم الأحمر على الأرض هو فعل جمالي يجعل القتل لوحة فنية مذهلة. يدور الجنرالات سبطانات الأسلحة، لتصبح آلتهم البشرية اللاواعية مصدراً معلوماً في معادلة الانتقام…

رغم مرور وقت لا بأس به وظهور الكثير من شهود العيان، لم تُعرف بعد كل الأدلة على الفظائع التي ارتكبها الجيش الأسدي وأجهزة مخابراته وشرطته وشبيحته ومرتزقته… ترافقت حملاتهم على المدن والقرى السورية بشحن طائفي غير مسبوق، حيث رحنا نشعر بالنفس المذهبي القذر لتصريحات بعض المسؤولين السوريين الرسميين، وعدد من الصحفيين والمحللين السياسيين التابعين لمخابرات القصر الجمهوري عن تقسيم سورية إلى مناطق ومحميات سنية وأخرى علوية وشيعية ودرزية ومسيحية…

استمرت عربدتهم اللامحدودة من خلال الإبادة الجماعية والتعذيب الوحشي، من خلال قتل السكان المعارضين بدافع أحقاد طائفية دفينة، من خلال قتل الأهل أمام أعين الأبناء أو بالعكس، من خلال اغتصاب النساء بين سن الثامنة والثمانين… ومن ثم قالوا: دفاعاً عن الأقلية المضطهدة!  

هل حدثت طفرات جينية في مناطق الساحل السوري، مما أدى إلى ولادة كل هؤلاء الساديين غير المبالين؛ أم أن الإجرام أمر طبيعي يولد معهم ليورث من جيل إلى آخر؟

لقد عاشوا في بؤس شديد: فقراء يرتدون ثياب بالية رثة ممزقة، جائعون طوال الوقت لذلك تجد أجسامهم ضامرة. يتذوقون اللحم ربما مرة أو مرتين في السنة فقط… كان البصل والزيتون والزيت والزعتر والشنكليش طعامه الدائم.. يجمعون الفاكهة ليأخذها منهم المرابون والتجار والمستغلون الآخرون بأرخص الأثمان.. غرقوا بالديون. لم تكن هناك مدارس، وعاشوا كأقنان في قرى فقيرة يتحسرون على مصيرهم العاثر… كان كل شيء مظلماً بالنسبة لهم، ولهذا السبب إذا توافرت الظروف هاجروا.. عدت الهجرة شريان الحياة الوحيد!

المشكلة أن صفات الإنسان الظاهرة لا تعبر في كثير من الأحيان عما في داخله من حقد ونفاق وكره وعنصرية وإجرام وأمراض نفسية معقدة. قد يكون شكله وكلامه مخادعاً، ولا يعبر عن حقيقته البشرية الآنية. لذلك من أجل معرفة ماهية الإنسان، أي إنسان، ما عليك إلا أن تمنحه القليل من السلطة التي تخوله استخدام القوة والعنف؛ ومن ثم انتظر ما سيحدث؟

أولئك الأشخاص الذين ادعوا المظلومية التاريخية من شيعة العراق، وعلويي سوريا، أصبحوا قتلة ومجرمين بحق الآخرين الذين اختلفوا معهم بالطائفة أو القومية أو الدين، عندما استلموا السلطة!

سرقوا الدول وحولوها إلى مزارات ومراتع لملالي قم. لكن، مع ذلك “لن يصبح سارق المكان مالكاً له مهما فعل” – على حد قول الكاتب المسرحي الأميركي أوجين أونيل!

لم يحترموا أحداً، بل انساقوا وراء غرائز طائفيتهم البدائية التي ترفع من شأن استخدام العنف ضد السكان الأصليين لإجبارهم على الهجرة والهروب… طبعاً، إنهم لا يعرفون بأن “الخير لا يمكن أن يأتي أبداً من الأكاذيب والعنف” بشهادة المهاتما غاندي!

مضت سنوات طويلة على حادثة كربلاء كانت كفيلة بإعادة التفكير وتغيير السلوك وأنسنة الجينات؛ إلا أن غالبية الشيعة والعلويين الذين يسيرون على خطا آل البيت الإيراني، ما زالوا لا يفكرون سوى بالانتقام.. وكأنه لم يتغير شيء في جيناتهم القاتلة منذ تلك السنوات الإشكالية العجاف!

أيضاً، كان كاليجولا شاباً جيداً يحمل أفكاراً نيرة ونوايا حسنة. وكان نيرون ولداً طيباً درس الفلسفة مع سينيكا. وكان بشار الأسد شاباً خجولاً عندما درس تخصص طب العيون… فـ “العقد النفسية تنبت من صدمة.. ثم ينسى الإنسان سبب الصدمة، ولكن العقدة تظل حية في نفسه” – حسب تعبير سيغموند فرويد!

تمثلت صدمة بشار بإهماله من قبل والديه وإظهارهما الاهتمام بأخيه باسل.. لقد وضع على دكة آمالهما لفترة طويلة، لكن نفوق أخيه عبر حادث سير غامض على طريق مطار دمشق، أعاده إلى الواجهة السورية التي لم تنتظر طويلاً حتى لطخها بالدم وأغرقها بالسواد!

إن تاريخ الاستبداد والمستبدين يتشابه جوهرياً بكل شيء، لكنه قد يختلف بعض الشيء في التفاصيل. ولو كتب التاريخ من قبل مؤرخين موضوعيين لأظهر بأن جميع القادة والحكام مجرمين وسفلة… يقول الكاتب الروسي فيكتور شندروفيتش في مقابلة مع موقع “صدى موسكو”، بتاريخ 9 كانون الأول 2016، معلقاً عن دعم روسيا للطاغية بشار الأسد الذي دك حينها مدينة حلب الشرقية بمختلف أنواع الأسلحة والذخائر: “حسناً، لسنا أول من يدعم أكلة لحوم البشر. نحن أنفسنا أكلة لحوم البشر، وندعم أكلة لحوم البشر!”

زر الذهاب إلى الأعلى