العربي الآن

نتنياهو وعش الدبابير في سوريا

أمعن نتنياهو ينكش عش الدبابير في سوريا ويوزع من فائض قوته الوهمية على بعض ضعاف النفوس من السوريين!

أحمد شحادة جابر- العربي القديم

عندما كنت في الثامنة من عمري كان في حينا طفل يكبرني بأربع سنوات، وكان هذا الطفل شقياً جداً يُمارس البلطجة على أطفال الحي يضربهم ويسرق منهم خرجيتهم وألعابهم وقطع الحلوى.

في مرة وخلال اللعب في الحي انتبه هذا الطفل إلى عش للدبابير في سقف أحد بيوت الجيران المبني من الخشب والطين وبدأ هذا الشقي يضرب العش بالحجارة، في حين كنت أطلب منه أن لا يفعل لحكمة كنت قد سمعتها من جدي الذي شاهدته مرة يقرأ القرآن في بستاننا وبقربه أفعى ممددة وساكنة خفت منها وبدأت أصرخ عليه مُنبها.. قال لي بهدوء العارف الواثق إذا لم تؤذيها لن تؤذيك .

ولكن الطفل الشقي لم يسمع مني نصيحة جدي، فابتعدت أنا ومن كان معي من الأطفال نراقب من بعيد نتيجة شقاوته.. وازداد حمق ذلك الطفل عندما أحضر قضيباً طويلاً وبدأ بنكش العش حتى هاجت الدبابير وتطايرت في الجو، هجم بعضها عليه وناله منها بعض اللدغات غيّرت ملامح وجهه لعدة أسابيع .

يذكرني ذلك الطفل الشقي برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يتناسى عن جهل أو غباء أو متقصداً بفعل فائض القوة التي يشعر بها بأن سوريا اليوم هي عشٌ كبير للدبابير ليست كدبابير ذلك الطفل تغير ملامح الوجه لأسابيع بفعل لدغاتها .. إنما لدغات الدبابير السورية إن هاجت فسوف تُغير وجه المنطقة بأسرها.

فسوريا اليوم خرجت من معاناة امتدت لـ 54 عاماً أنتجت أجيالاً بأسها شديد أسقطت أقذر نظام ديكتاتوري في العصر الحالي في حرب استمرت 14 عاماً لن يقوى نتنياهو الذي اعتاد هو ومن سبقه في قيادة إسرائيل منذ إنشائها على الحروب الخاطفة أن يستمر بمثل هذه الحرب لخمس سنوات فيها.

لا يريد نتنياهو ومساعدوه أن يفهموا أن الشعب الذي كان يرتعد خوفاً من جدران منازله كي لا يتسرب صدى همسهُ عبرها لتصل إلى آذان عناصر المخابرات الأسدية، قد دمر تلك الجدران، وأسقط صدى همسهُ كل الخوف والرعب، ودفع مليوناً من أرواح أبنئه ثمناً لانتصاره وبناء دولته التي يحلم بها، ومستعد لأن يدفع أضعاف هذا العدد من أجل الحفاظ على هذا الانتصار والاستقرار يقيناً منه بأن ثمن العودة أكبر من ثمن التقدم إلى الأمام.

الشعب السوري الذي تمرسَ خلال سنوات الحرب المدمرة على الصبر والقتال وصولاً إلى النصر، اكتسب من الخبرة السياسية والعسكرية والبراغماتية ما يكفيه لأن يحافظ على نصره ويطوعه لخدمة الدولة المنشودة .. فمن رحم معاناته أنجب القوة والعزيمة والإصرار على بلوغ أهدافه مهما كانت التحديات والأثمان .

إن سياسات نتنياهو التي تقوم على افتعال المواجهات والصدامات وتصعيد الحروب، قد تدفع إسرائيل نحو انفجار داخلي يؤدي إلى حرب أهلية ، حيث أدخل جيشه في ثقب غزة الأسود ، وقطاعه الإغاثي والصحي وقسم من جيشه مشغولون حتى آذانهم للسيطرة على حرائق في مدينة القدس هي الأكبر في تاريخ إسرائيل ، وأزماته الحزبية والسياسية ومظاهرات شعبية في عدة مدن إسرائيلية ضد سياساته ، وعزوف أكثر من نصف احتياطي الجيش الإسرائيلي عن الالتحاق بوحداتهم، وهو تطور بالغ الخطورة على عدة مستويات، خاصة مع تصاعد الانقسامات داخل الطبقة الحاكمة والمؤسسة الأمنية والعسكرية ، وعلاقاته السيئة جداً مع عدوه التركي اللدود الذي صرح غير مرة بأن بلاده لن تسمح بزعزعة استقرار سوريا، مؤكداً على أن أمن سوريا واستقرارها من أمن تركيا واستقرارها.

ولا نغفل ازدياد الحنق الحكومي والكره الشعبي المتزايد في كثير من دول العالم بسبب هذه السياسات ووصولها الى مستويات غير مسبوقة في تاريخ إسرائيل.

حيث أمعن نتنياهو ينكش عش الدبابير في سوريا ويوزع من فائض قوته الوهمية على بعض ضعاف النفوس من أبناء سوريا ويضرب تارة مواقع عسكرية وتارة بالقرب من القصر الرئاسي ليوصل رسائل لا يعرف مضمونها وأهدافها إلا هو ومساعديه، علماً أن القيادة السورية الجديدة أكدت على لسان رئيسها أحمد الشرع و وزير الخارجية أسعد الشيباني عشرات المرات وعلى كل المنابر المحلية والدولية بأن سوريا الجديدة ستكون مصدراً للأمان لكل جيرانها بما فيها إسرائيل ولن تكون مصدر تهديد لأحد .

على نتنياهو أن يتعلم من دروس الماضي ويتذكر بأن أحد أهم الأسباب التي عجلت بهزيمة هتلر الذي اقترف الهولوكوست بحق أجداده هو شعوره بفائض قوة وهمية جعلته ينكش أكثر من عش للدبابير في وقت واحد، وأن (نتنياهو) يسمع لبعض قياداته السابقين مثل وزير الشؤون الدينية الأسبق يوسي بيلن الذي أكد على إن “تنكر” إسرائيل للرئيس السوري أحمد الشرع “سياسة غير مسؤولة”، وكيف يدفع نتنياهو بالرئيس الشرع لأن يُصبح حليفاً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أصبح أحد أكبر أعداء اسرائيل.

على نتنياهو أن يعلم أيضاً بأن مخابرات نظام الاسد وجيشه لم يعودا موجودين على حاجز سعسع لمراقبة من يقترب من الحدود المحتلة ومعاقبة من ينوي القيام بأي إساءة لعلاقات الأخوة الوثيقة التي كانت تجمع إسرائيل بنظام حافظ الاسد ومن بعده ابنه بشار .

وأن خطته في قضم أراضي سورية جديدة وتنصيب عملاء من سوريا لحراسة حدود إسرائيل لن تنجح ، ولعل ما حدث في مدينة نوى منذ عدة أيام عبرة ، حين توغل الجيش الاسرائيلي في المدينة مخترقاً حدود الهدنة واتفاقية فصل القوات لعام 1974.. كيف انتفض شباب المدينة وثوارها للدفاع عن مدينتهم رغم الفارق الكبير بالعدة والعتاد دون أي توجيه من القيادة السورية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى