كلمات وذكريات | أنا وابن عمي والأولاد
يكتبها: خير الدين عبيد
بعد عشرين عاماً من الغياب المريب، عاد ابن العم ليجلسَ على كرسيّه القشّي، أمام باب المضافة المزيّنةِ جدرانُها بالسّجاد العجمي، السّيوف والتّروسُ، لباس عربي، وشالات مقصَّبة، وصورة العم معقوف الشّارب.
شمسُ الصَّباح ترسم ظلَّ ابن العم المنفوش، بشاربه المعقوف كشارب أبيه في الصّورة.
استقبلني بصوته الأجش:
_ ابن العم؟ سلامااات.
وهبَّ معانقاً.
شمس الصباح ترسم ظلّينا جالسين، تتسلل بعد سنين من العتمة داخل المضافة، لتعقّم الغبار والسّجّاد، اللباس المهَلهَلْ وحكايا المهَلهِل.
_ كيف أيامك؟
ونظر إليَّ متفحّصاً، وقد بدا شاربه المعقوف كنظّارة.
_ درستُ الفنون، الآن أُدرِّس وأرسم.
_ من زمان تحب الرسم، المهم.. لوحة عنتر كالحة، رمّمها، وأكّد لي على الشّارب.
_ أبشر، سأرمّمها لك.
امتنَّ ابن العم، وسأل:
_ إي سيدي، تزوجت؟
_ تزوّجت.
_ كم ولداً عندك؟
_ صبيّان.
_ عريس جديد؟
_ صار لي عشر سنوات.
_ أعد.
_ عشر.. سنوات.
_ معقول!
ثمّ بلهجة أخف حدة، كأنه تذكَّر أمراً:
_ أأنت مريض، كنّتنا مريضة؟
_ لا، ولدين ويكفي.
من خلال نظّارة شاربه، رمقني بقسوة، قال:
_ زعّلتني منك، لولا العيب لقلت إنك لا تقربني.
بتفهّمي لعقليّة أصحاب المضافات، وتحديداً ابن العم، قلت:
_ المسألة ما هي بكثرة الأولاد، المسألة تربية وتهذيب وتعليم …
_ حافظ الأسطوانة، لكن يا أخي.. ما أحلى أن يمشي الرّجل وسط النّاس، يلتفت.. فيرى وراءه دزّينة شباب، شيء يرفع الرأس، صح؟
_ ومن قال لك أنّهم يمتلكون أخلاقاً ترفع الرّأس؟
_ سأوافقك، أخي اِرم نصفَهم في البحر، ثلاثة أرباعهم، سيبقى كم شب ترفع رأسك بهم، أمّا إذا خلّف الرجل ولداً أو ولدين، من سيترك ومن سيرمي؟
أُرتج علي، هززتُ رأسي ببلاهة، وقمتُ مستأذناً.
_ إلى أين؟ لم تشرب قهوتك.
_ عندي شغل. سلام.
مشيتُ خطوتين، ناداني، التفتُّ مستفسراً، فقال بلهجة لا تخلو من سخرية:
_ کرمی لخاطري، ربّي لي شواربك.