أحيا تراث المنطقة وفولكلورها المنسي: رحيل مؤسس فرقة الرقة للفنون الشعبية
من أبرز الأسماء التي حملت التراث السوري إلى المحافل الدولية، من خلال مشاركات الفرقة في المهرجانات العربية والدولية

أسامة عبدالكريم الخلف – العربي القديم
نعت الأوساط الثقافية والاجتماعية في الرقة الفنان الراحل إسماعيل العجيلي، الذي وافته المنية مساء يوم الأربعاء الماضي في التاسع من شهر تموز/ يوليو الجاري
ويعدً العجيلي أحد أبرز أعلام محافظة الرقة وسورية الفنية، وهو من مواليد الرقة عام 1949.. وقد كتب الصحفي عبدالكريم البليخ مدونة سابقة عن الفرقة ومؤسسها :
أخذت شهرة اسماعيل العجيلي، أو ما كان يعرف بـ “سميعو” تطفو على السطح، وتطغى في الرّقة، ولا سيما أنّه من عائلة معروفة ولها اسمها وشهرتها.. وجلَّ وقته ينصبّ في البحث عن شباب بسمات وصفات معينة للانضمام إلى فرقة الرّقة للفنون الشعبية التي تأسست في عام 1969، على أن تكون بداية في أحياء فلكلور مدينة منسية من خلال الاعتماد على الشباب الصغار لعله يصل إلى هدفه. ومن صفات مدرب الفرقة والباحث عن تراثها وإحيائها الأستاذ إسماعيل العجيلي أنه كان نشطاً جداً، أضف إلى أنه كان قصير القامة، وكأنه واحداً من الأكاديين، مجعد الشعر وصوته جهوري وكأنه صوت شحن يمر على سفح جبل.

تنقّل العجيلي من مدرسة إلى مدرسة باحثاً عن شباب بعمر الورود لعلهم يحققون مبتغاه في التمكين من العثور على ما يرضي أمنيته في إحداث فرقة فنية لها شأنها في الدبك والرقص، وبالفعل بدأ البحث عن الفتيان والفتيات في كل مكان، وبدأ أولى خطواته الجادة من المدارس، وحاول مراراً، واضعاً بين نصب عينيه في أنّه لا بد أن يقع اختياره على من يراه يتصف بالصفات التي رسمها في ذهنه، بالفعل كان يحاول باصطياد صيد ثمين لجهة ارضاء غروره وتطلعاته، والمسؤول أولاً علّها تسرّ خاطره.
أسس الراحل فرقة الرقة للفنون الشعبية، وعمل رئيساً لفرع المنطقة الشرقية لنقابة الفنانين، ويعد من أبرز الأسماء التي حملت التراث السوري إلى المحافل الدولية، من خلال مشاركات الفرقة في المهرجانات العربية والدولية، بالتعاون مع وزارتي الثقافة والسياحة.
تعاون العجيلي في تنفيذ مسرحياته وأعماله الفنية مع نخبة من كبار الأسماء الأدبية والفنية العربية، مثل الدكتور عبد السلام العجيلي، زكي ناصيف، إيلي شويري، شربل روحانا، إحسان المنذر، سمير كويفاتي، ميادة بسيليس، غسان صليبا، طلال حيدر، نوري اسكندر. وقدّمت الفرقة العديد من الأعمال الفنية والمسرحية والغنائية الراقصة، من أبرزها:
قمر على الشرق، ليل البوادي، الصحراوية، قصر البنات، عرس الغيوم، صيد الحباري، ليل العشاير، حصار الثكنة، اللالا، الجزراوية، الدلعونا، الفراتية، الأصايل، الأسمر.
و هي الفرقة التي قال عنها الأديب الراحل الدكتور عبد السلام العجيلي: لم يضع أفرادها في بالهم أن يحترفوا الفن، أتوا من مدارسهم مدفوعين بحبهم للموسيقى والرقص والغناء، لتابعوا تمارينهم القاسية والمستمرة بإدارة هذا الفنان العصامي المبتل في محراب الفن، إسماعيل العجيلي، وليستمروا في أداء أدوارهم في الفرقة، طالما ظلّوا في عمر الشبيبة، وعمر الشبيبة الذي أعنيه هو الأعوام الأخيرة من الدراسة الثانوية، والأولى من الدراسة الجامعية.
بعد هذا العمر ينصرف كل منهم إلى مشاغل حياة تبعده عن فرقته، ليحل محله ومحل زملائه شبيبيون آخرون جدد. هم كذلك هواة، ليس في بالهم نيّة الاحتراف. وارتباط الفرقة بالموروث الشعبي، هو الذي أعطاها قيمتها وتميزها.
حازت الفرقة على العديد من الجوائز في مهرجانات دولية، منها جائزة مهرجان الأسفار والسياحة العالمية في باريس (1987)، لندن (1988)، مدريد (1985)، ميلانو (1989)، بالإضافة إلى مشاركات متميزة في دول عربية وأوروبية وأمريكية.
الباحث الراحل محمد العزو” في حديث سابق نشر على موقع eraqqa 2010 بمدونة للصحفي” يوسف الدعيس” قال في السياق ذاته، قائلاً: «الحديث عن فرقة “الرقة” يعني الحديث عن التراث الشعبي لمنطقة وادي “الفرات”، والتراث اللامادي للمنطقة، وخلال العقود الأربعة على تأسيس الفرقة، أكدت هذه الفرقة بأنها إحدى العلامات الفارقة في محافظة “الرقة” لعلو كعبها في استلهام هذا التراث الشعبي العريق، والذي حفظته من الضياع، بعد أن كان حبيساً في صدور أهالي المنطقة، وعلى شفاه معمريها، ونقلته بأمانة وحرفية عالية، مع إضافات فنية مبدعة، تجلّت فيها قدرة فناني وراقصي الفرقة، إضافة لمبدعي “الرقة”، الذين أثروا الفرقة بكتاباتهم الإبداعية، وفي مقدمتهم يأتي اسم الأديب الدكتور “عبد السلام العجيلي”، الذي كتب نصوص العديد من المسرحيات الغنائية، منها “صيد الحباري”، “برج عليا”، “قصر البنات”، “عرس الصبايا”، “حصار الثكنة”، و”ليل البوادي”، إضافة لمساهمات شيخ الملحنين اللبنانيين الفنان “زكي ناصيف”، ومشاركة العديد من كبار شعراء، ومطربي لبنان وسورية في أعمال الفرقة الفنية ومسرحياتها الغنائية».
رحل العجيلي تاركاً إرثاً فنياً مميزاً في التراث الشعبي والحداثة الفنية، وبصمة لا تمحى في وجدان الثقافة السورية.