كلمات وذكريات | قصتي مع مجلة (أسامة) وأسفاط البيض
سرقةِ مستودع مجلة الأطفال "أسامة" وبيعها ابتداءً من العدد صفر عام ١٩٦٩ لمعمل صنع أسفاط البيض الكرتونيّة

خير الدين عبيد – العربي القديم
لم أصدِّقْ ما أقرأ، قرَّبتُ المجلَّة وأبعدتُها رغمَ بصري الحاد.
ها هي قصّتي الأولى منشورة في مجلّة الأطفال “أسامة” بشحمها وحِبرها.
اشتريتُ كلَّ أعداد المجلة الخمسةَ عشر، ووقفتُ أمام المكتبة لأزفَّ البشرى لأوّل صديق.
ولووو.. الآن اختفوا؟ واحد يكفي ولو معرفة وجه.
مشيتُ حائراً متلفِّتاً، وابتسمتُ.ها هي صالةُ الموبيليا، وها هو ذا عمّي.
بعد السلام والجلوس، وضعتُ سبّابتي بين صفحتي قصتي.
_ كيفك يا عين عمك، مولازم أبوك يحلّ موضوع الإرث؟
_ الله يطوِّل عمرك، اتركني من هذا الموضوع، اللي فيني مكفّيني.
_ خيراً ؟
_ الأدب. الكتابة هَمّْ، مسؤولية، وناولتُه المجلة.
أمسكَها، قلَّبَ نظرَهُ بين السّطور، الرّسوم، وعندما قرأ اسمي فرح وقال:
_ حلو.. ياسلاااام.
فجأةً، عندما رأى الغلاف وقرأ “مجلّة للأطفال” تغيَّر لونُه.. قرَّبَ رأسَهُ منّي، وبصوتٍ هامس تابع:
_ برافو.. بس بدِّي تشدّللي حالك شوي وتكتب للكبار.

العددان صفر وواحد من مجلة (أسامة)، صدرا في مطلع العام 1969 (العربي القديم)
أسفاط أدبيّةً ممانعة
أَدخُلُ غرفةَ الخُردة لأستمتعَ بالفوضى، وأدخّن.
الراديو يُذيع الأخبار، الأخبار عندنا مكرورة، تماماً مثل معلمة تنسج الصّوف في الحصّة وقد طلبت من التلاميذ أن يُسمعوها واحداً واحداً نشيد “قائد التشرينين”.
استوقفني خبر سرقةِ مستودع مجلة الأطفال “أسامة” وبيعها ابتداءً من العدد صفر عام ١٩٦٩ لمعمل صنع أسفاط البيض الكرتونيّة. نظرتُ إلى السّقف، كان أخي قد لصقه بالأسفاط ليخفي الرّطوبة ويضفي عليه مسحةً جماليّة.
خمّنت أنّ كلّ سفط هو عدد من أعداد المجلّة، لقد عجنوا الكاتبَ، والرسامَ، والمحرر ورئيسَ التحرير بالغراء والماء، فأنتجوا أسفاطاً أدبيّةً ممانعة.
لكنْ أين العدد صفر؟ هاهو. السَّفَط المحتوي على أثر بيضة جافّة، هنا فَقَسَ أوَّل كتكوت طليعي.
نظرتُ حولي، فوقي وتحتي، كلّ شيء خُردة، خُردة أسديّة، صامتة، متناغمة، صامدة، ملحّنة، بدليل الأغنية الصّادحة من المذياع:
للبعثِ ياطلائعْ للنّصرِ ياطلائعْ
أقدامُنا حقولْ طريقُنا مصانعْ