الرأي العام

دلالات وقضايا | خطَّة للعمل في سوريا الحرَّة

هل شتاء المرحلة الرَّاهنة حتَّى الصَّيف القادم كافٍ لترتيب هذه الأمور كلِّها؟

يكتبها: د. مهنا بلال الرشيد

بعد يومين تنتهي سنة 2024 الَّتي انتصرت في أيَّامها الأخيرة ثورة السُّوريِّين المباركة ضدَّ حكم عائلة الأسد المجرمة، وقد بدأ السُّوريُّون الأحرار بسبب فرحتهم بهذا العام يعبِّرون عن رغبتهم بعدم انتهائه أو انقضائه؛ لكنَّهم يعرفون أنَّ حديثهم هذا ليس إلَّا مزحة أو أمنية يحاولون من خلالها الإمساك ببعض اللَّحظات السَّعيدة بعد نصف قرن من ظلم نظام المجرم المخلوع بشَّار الأسد وعائلته.

 والحقُّ أنَّ الوقت يمضي، والأيَّام تُعدُّ وتُحسب على حكومة التَّحرير والإنقاذ الَّتي استلمت زمام الأمور بعد يومٍ من التَّحرير المبارك في الثَّامن من كانون الأوَّل-ديسمبر 2024، وهناك من يقول: ها قد انقضى عشرون يومًا على استلامها زمام الأمور فأين الفردوس السُّوريُّ الموعود؟ برغم أنَّ حملات التَّمشيط ما تزال مستمرَّة لتطهير البلاد من مجرمي عائلة الأسد وفلولها ومرتزقتها، الَّذين يعيقون حركة التَّقدُّم والنَّهضة، ولهم أعوانهم من الفاسدين في كثير من مفاصل المجتمع السُّوريِّ. وهناك ما يكفي من فلول النِّظام المخلوع مَّمن يتربَّصون بحكومة التَّحرير والإنقاذ الرَّاهنة، علاوة على مَن يعدُّ لها وعليها أيَّامها وأنفاسها ممَّن تحرِّكهم شهوة السُّلطة، أو ممَّن كان يؤمِّل الوصول إلى السُّلطة بطريقة أو بأخرى.

كذلك يراقب أخوتنا وجيراننا في محيطنا الإقليميِّ مع المجتمع الدًّوليِّ أداء حكومة التَّحرير والإنقاذ برغم تزايد دعمهم المعنويِّ الملموس لها منذ اليوم الأوَّل بعد انتصار الثَّورة السُّوريَّة المباركة؛ وهذا ما يضع حكومة التَّحرير والإنقاذ في تحدٍّ واضح مع ذاتها أوَّلًا وسباق مع الزَّمن ثانيًا؛ لإنجاز أكثر ما يمكن إنجازه في الشُّهور الأولى من استلامها زمام الأمور برغم حجم الخراب والفساد الكبيرين الَّلذين تركتهما عائلة المخلوع وحكوماته المتعاقبة؛ فما المطلوب من حكومة الإنقاذ والتَّحرير في خطَّة عملها خلال المرحلة القادمة؟

ملفَّات داخليَّة ضروريَّة وملحَّة

لم تمضِ السَّاعات الأولى على النَّصر وفرار المجرم المخلوع بشَّار الأسد حتَّى علت أصوات بعض الغوغاء الموتورين من فلول النِّظام السَّابق أو القابعين تحت تأثير شهوة السُّلطة أو نفوذ أموال الدَّاعمين، وراحوا يقولون: إنَّهم لا يستطيعون الانتظار أكثر من ثلاثة شهور لمراجعة إنجازات حكومة التَّحرير والإنقاذ، وقال بعضهم: ثلاثة أشهر فقط، وثلاثة كثير؛ وكأنَّه كان يشعر برفاه العيش تحت بساطير عائلة المجرم المخلوع وحكومات فساده المتعاقبة، ثمَّ ضيَّقت حكومة الإنقاذ والتَّحرير على أنفاسه، وكلُّنا يعلم أنَّ الوزير بعد ثلاثة أشهر من الاستلام والتَّسليم في ظروف صحِّيَّة وبيئة سليمة لا يستطيع تقديم كثير من المنجزات، ونحن لا نقول هذا لتبرير تقاعس أيِّ وزير أو وزارة، ولا ندعو إلى التَّفويض الزَّمنيِّ المفتوح، وهذا ما لا تسمح به نفوس الشُّرفاء، ولا يليق بأيِّ حرٍّ شريف أن يدعو إليه أيضًا؛ لأنَّه حقُّ الشَّعب السُّوريِّ وحده، عبر صناديق الاقتراع لا عبر منشورات مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ، بل على العكس من هذا وذاك نحن نرغب حقًّا بتقديم منجزات ملموسة في الشَّهور الأولى من عُمر حكومة الإنقاذ والتَّحرير، وندعوها إلى ذلك، ونشدُّ على يديها في كلِّ خطوة شجاعة؛ لكنَّنا ننبِّه إلى أصوات الفلول والغوغاء والمرتزقة عند هذا وذاك من الرَّاغبين بالصِّيد في مياه الخراب العكرة والآسنة؛ تلك الَّتي تركها خلفه نظام المجرم المخلوع بشَّار الأسد.

يعدُّ نشر الأمن والأمان أولويَّة الأولويَّات كلِّها بعد النَّصر والتَّحرير؛ وهذا مطلب جماهيريٌّ لا مساومة فيه،  وقد لاحظنا-ومن أجل تحقيق هذا المطلب- استشهاد أخوة لنا خلال تطهير الأرض السُّوريَّة من فلول النِّظام المخلوك، وكذلك عبَّر كثير من أصحاب الخبرات السُّوريَّة من أكاديميِّين وخبراء وفنَّانين ودبلوماسيِّين وإعلاميِّين وغيرهم عن استعدادهم للتَّعاون مع حكومة التَّحرير والإنقاذ، وقد وضعوا أنفسهم تحت تصرُّف حكومة التَّحرير والإنقاذ لخدمة الوطن وإنقاذه والعبور به من هذه المرحلة الحسَّاسة إلى مرحلة دستوريَّة، وكشف كثير منهم عن رغبته العارمة في خدمة الوطن منذ اليوم الأوَّل من أيَّام العمل بعد النَّصر والتَّحرير، وتكشف مقاطعهم وصورهم ومقالاتهم الَّتي نشروها في مواقع عملهم القديمة بعد العودة إلى سوريَّة عن نفوس حرَّة ومعطاءة. وفي الوقت ذاته، ومن جانب آخر ما زلنا نلحظ نشاط الخلايا الإرهابيَّة النَّائمة من فلول النِّظام المخلوع، وقد غدروا بدوريَّات الأمن أكثر من مرَّة، وسقط بسبب إرهابهم أكثر من شهيد؛ فهناك لدينا في الدَّاخل جبهتان؛ جبهة للإعمار، وجبهة لمكافحة الفلول الإرهابيَّة الفاسدة ومن لفَّ لفيفها من الطَّامعين بالسَّلطة والمرتزقة المأجورين عند هذا أو ذاك، وهناك بعض الملفَّات الخارجيَّة الملحَّة أيضًا؛ وههنا نتذكَّر قول المتنبِّي:

وسوى الرُّوم خلف ظهرك رومٌ            فعلى أيِّ جانبيكَ تميلُ

قعد النَّاس كلُّهم عن مساعيكَ            وقامت بها القنا والنُّصول

ما الَّذي عنده تُدار المنايا                كالَّذي عنده تُدار الشَّمولُ

ويأتي بعد ملفِّ الأمن والأمان ملفُّ القطاع الصِّحِّيِّ ورعاية المرضى وجرحى الثَّورة السُّورية مع تأمين متطلَّبات الحياة اليوميَّة من مأكل ومشرب وخدمات ضروريَّة بالإضافة إلى الشُّروع بإعداد البنية التَّحتيَّة والخدميَّة المناسبة لعودة النَّازحين واللَّاجئين والمهجَّرين والعمل على إعادة أبنائهم إلى التَّعليم والسَّير بهذا العام الدِّراسيِّ إلى نهايته؛ لأنَّ الوقت القادم سيكون ورشة عمل نشيطة جدًّا؛ لمراجعة شاملة لتحديد أهداف التَّعليم العليا لبناء الإنسان الصَّالح في سوريا الحرَّة من أجل إعداد المناهج الدِّراسيَّة الجديدة، الَّتي تحقِّق هذه الأهداف في مراحل التَّعليم الابتدائيَّة والإعداديَّة والثَّانويَّة، ويترافق هذا النَّشاط مع نشاط آخر يُنجز من خلاله الدُّستور المدنيُّ أو العقد الاجتماعيُّ الجديد بعيدًا عن مناوشات اللِّجان واستعراضات اجتماعات الخُبراء والأعيان والمناديب، وبعد إنجاز الدُّستور يمكن مراجعته من الخبراء وطرحه أمام السُّوريِّين للتَّصويت عليه بعد تبنِّيه في مجلس الشَّعب المنتخب.

إعادة النَّظر في طريقة انتخاب

وتأتي الدَّعوة لاختيار أعضاء مجلس الشَّعب الجديد وانتخابهم بطريقة مختلفة عن طريقة الانتخابات السَّابقة في مقدِّمة أولويَّات الحياة الدِّيمقراطيَّة في سوريا الحرَّة؛ فلن يكون لدينا لوائح بعثيَّة ولا لوائح جبهة تقدُّميَّة ناجحة قبل الانتخابات، وعليه يجب النَّظر في تِعداد سُكَّان المحافظات وفقًا لإحصاء السُّكَّان عام 2010، وبعد استقرار الأمور لا بدَّ من إحصاءٍ سكَّانيٍّ جديد يشرف عليه خبراء موثوقون. وبعد تحديد عدد أعضاء مجلس الشَّعب لكلِّ محافظة بما يتناسب مع عدد سكَّانها وطبيعة طوائفها مع ضروروة الحفاظ على كوتا لتمثيل المرأة وبعض طبقات المجتمع أو فئاته ذات العدد القليل نسبيًّا ممَّن نحبُّهم، ويتعذَّر عليهم الوصول إلى البرلمان دون تخصيص كوتا تمثِّلهم داخل مجلس الشَّعب، بالإضافة إلى تحديد عدد الأعضاء المخصَّصين لكلِّ منطقة وطبقة اجتماعيَّة داخل كلِّ محافظة؛ أي لا بدَّ من إعادة النَّظر في طريقة انتخاب عضو مجلس الشَّعب على أساس من شعبيَّة العضو داخل منطقته أو دائرته الانتخابيَّة الصُّغرى وداخل المحافظة أو الدَّائرة الانتخابيَّة الكبرى مع تبنِّي طريقة واضحة المعالم في جعل المحافظة دائرة انتخابيَّة واحدة أو جعلها دوائر انتخابيَّة مناطقيَّة أو الجمع في أوراق الاقتراع بين اختيار كلِّ ناخب من يمثِّله في دائرته الصُّغرى، ومن ينتخبه في دائرة محافظة الكبرى؛ للكشف عن شعبيَّة العضو المنتخب داخل منطقته وداخل محافظته كلِّها؛ ويفوز العضو المنتخب بأصوات ناخبيه في منطقته مع أصوات محبِّيه داخل المحافظة كلِّها، وهناك طرق سهلة وحضاريَّة جدًّا لتحديد الدَّوائر الانتخابيَّة في المحافظات والمناطق، وقد سبقتنا بعض الدُّول في هذا المجال نتيجة لاحتكار عائلة الأسد المجرمة السُّلطات كلِّها؛ من السُّلطة الأولى أو السُّلطة البرلمانيَّة التَّشريعيَّة والدُّستوريَّة الممثَّلة بمجلس الشَّعب إلى السُّلطة الثَّانية أو الحكومة التَّنفيذيَّة الممثَّلة بمجلس الوزراء مع السُّلطة الثَّالثة أو السُّلطة القضائيَّة الممثَّلة بالقضاة إلى السُّلطة الرَّابعة الممثَّلة بالإعلام والتَّلفزة.

وسيُقرُّ مجلس الشَّعب المنتخب لاحقًا قانون تنظيم الأحزاب السِّياسيَّة بعد التَّأكُّد من حلِّ الأحزاب السِّياسيَّة السَّابقة كلِّها؛ فلم يكن هناك أحزاب في سوريا السَّابقة غير حزب البعث المجرم وفِراخه المقنَّعين بلبوس الأحزاب السِّياسيَّة الأخرى، ولا اعتراف رسميًّا في سوريا الجديدة بأيِّ حزب دون ترخيصه بما يتوافق مع ما سيشرِّعه مجلس الشَّعب القادم، ولا بدَّ من أن تكون الأحزاب المرخَّصة غير طائفيَّة وغير دينيَّة أيضًا؛ أي لا يمكن التَّرخيص لأيِّ حزب على أساس قوميٍّ أو دينيٍّ؛ فحزب الله اللُّبنانيُّ-على سبيل المثال-ليس هناك أيُّ علاقة لكثير من أعضائه المجرمين بالإسلام أو باسم المولى عزَّ وجلَّ، وحزب البعث العربيُّ الاشتراكيُّ ليس له علاقة بالعروبة أو الوحدة أو الحرِّيَّة أو الاشتراكيَّة؛ فقد قتل هذا الحزب مبادئه وأهدافه قبل أن يقتل الشَّعب السُّوريَّ، ويسيء للعروبة ومفاهيم الوحدة والحرِّيَّة والاشتراكيَّة.

ملفُّ العلاقات الخارجيَّة

سارع محيطنا من أشقَّائنا العرب وجيراننا الأتراك بالمباركة للسُّوريِّين بانتصار ثورتهم؛ لأنَّهم شاهدوا جرائم النِّظام المخلوع، وعاينوها، وعانوا معنا ومنها أكثر من غيرهم، فهم أدرى النَّاس بمظلمة الشَّعب السُّوريِّ ومطالبه المحقَّة، وعلاوة على معرفتهم بجرائم النِّظام المخلوع السَّابق فهم يطمحون ببناء علاقات الودِّ والأخوَّة والصَّداقة مع السُّوريِّين، ومستعدُّون لتقديم العون لهم في مجالات الحياة كلِّها، ويرغب معظمهم بإقامة علاقات استراتيجيَّة راسخة مع الشَّعب السُّوريِّ؛ لذلك نأمل من حكومة التَّحرير والإنقاذ مع الحكومة، الَّتي سيحدِّد مجلس الشَّعب المنتخب رئيسها، ويكلِّفه بتشكيلها في المستقبل أن يحرصوا على مثل هذه العلاقات السَّليمة، بعد فوزهم بثقة مجلس الشَّعب، الَّتي تمكِّنهم من توقيع كثير من معاهدات التَّعاون والأخوَّة الاستراتيجيَّة، وتضعهم أمام تحمُّل مسؤوليَّاتهم لتوقيع مثل هذه الاتِّفاقيَّات. ونأمل من الحكومة أن تكون استراتيجيَّة بالمعنى الصَّحيح؛ أي لا تغلِّب أيَّ مصلحة على مصلحة الشَّعب السُّوريِّ من ناحية أولى، ولا توقِّع أيُّ معاهدة أو اتِّفاقيَّة قد تؤذي دولة أخرى أو تشكِّل خطرًا عليها أو تهديدًا لأمنها من ناحية ثانية، ويأتي أشقَّاؤنا وجيراننا  من العرب والأتراك في مقدِّمة من نرغب بالحفاظ على علاقات الودِّ والمحبَّة والأخوَّة معهم، وكذلك سيكون لمجلس الشَّعب المنتخب والحكومة الحاصلة على ثقته دورهما الكبيرين في تحديد المرشَّحين لمنصب رئاسة الجمهوريَّة؛ ولعلَّك ترى معي-قارئي العزيز-أنَّ اختيار شخص رئيس الجمهوريَّة ذاته لم يعد أولويَّة الأولويَّات في سوريا الحرَّة، ونأمل أن تكون صلاحيَّات رئيس الجمهوريَّة في الدُّستور القادم ضيِّقة وواضحة ومحدودة ومحدَّدة؛ لأنَّنا نريد دستورًا برلمانيًّا تكتسب الحكومة التَّنفيذيَّة فيه شرعيَّتها من أعضاء البرلمان المنتخبين من الشَّعب، وحقُّ إقرار مثل هذه المعاهدات والاتِّفاقيَّات هو للشَّعب الَّذي تمثِّله الحكومة المكلَّفة.

انتهت أو ستنتهي قريبًا مرحلة المباركة للشَّعب السُّوريِّ بنصره، وسيرتفع بعدها مستوى التَّعاون بين حكومة سوريا الحرَّة وأشقَّائنا وجيراننا، وتشكَّل علاقتنا مع أشقَّائنا على حدودنا في تركيا والعراق والأردن وفلسطين ولبنان أولويَّة كبرى للشَّعب السُّوريِّ الحرِّ كلِّه، ونأمل لهذه العلاقات أن تكون مزدهرة وقائمة على الأخوَّة والمحبَّة والتَّعاون. وتشكِّل دول الخليج العربيِّ مع جمهوريَّة مصر العربيَّة مركزًا أو مركزين من مراكز الثِّقل الإقليميِّ والعالميِّ؛ لهذا يطمح السُّوريُّون بأن تكون علاقة حكومتهم مع هذه الدُّول الشَّقيقة بأفضل أحوالها في المستويات كلِّها، ونريد لها أن تُبنى على أُسس صحيحة تضمن مصالح الشُّعوب لا تضمن مصالح بعض المتنفِّذين كما كانت عليه الحال في زمن حكومات عائلة الأسد المجرمة وأزلامها الَّذين كانوا يدَّعون بأنَّهم يمثِّلون الشَّعب السُّوريِّ، لكنَّهم في الحقيقة لم يمثِّلوا غير مصالحهم الذَّاتيَّة مع مصالح عائلة الأسد المجرمة نفسها. وتشكِّل جمهوريَّة مصر العربيَّة أو أمّ الدُّنيا كما يحلو لأخوتنا المصريِّين تسمية دولتهم الجميلة مركزًا عالميًّا مهمًّا في موازين الجغرافية السِّياسيَّة والسُّكَّانيَّة أو موازين الجيوبوليتيك، وفيها مقرُّ جامعة الدُّول العربيَّة، ولا تصل بين العرب المغاربة والعرب المشارقة فقط، وإنَّما يلتقي فيها الشَّرق والغرب والشِّمال والجنوب على محبَّة الحضارة المصريَّة القديمة والشَّعب المصريِّ الشَّقيق في وقتنا الرَّاهن.

أمَّا أشقَّاؤنا في دول الخليج العربيُّ فهم أخوة لنا، وقفوا معنا، ودعمونا وساندوا ثورتنا للخلاص من الظُّلم، ويحبُّون الخير لسوريا وأهلها كلِّهم، ونحن في سوريا نبادلهم هذا الحبَّ، ونتطلَّع إلى التَّعاون معهم جميعًا، لا سيَّما المملكة العربيَّة السُّعوديَّة بثقلها الجيوسياسيِّ العالميِّ الكبير جدًّا؛ ذاك الَّذي وضعها بين قائمة (Top 20) على مستوى العالم، ويمكن تعزيز العلاقات معها للاستفادة من نهضتها المرموقة على الصُّعد كلِّها في السَّنوات العشر الأخيرة.

الحساب بصناديق الاقتراع لا بالحديث الغوغائيِّ

عرضنا في هذا المقال لمحة مقتضبة جدًّا عن أهمِّ الملفَّات الدَّاخليَّة والخارجيَّة الملحَّة والمهمَّة؛ فهل شتاء المرحلة الرَّاهنة حتَّى الصَّيف القادم كافٍ لترتيب هذه الأمور كلِّها؟ بالطَّبع لا يكفي، لكنَّها مدَّة تكفي للإشارة إلى حكومة التَّحرير والإنقاذ بأنَّ الشَّعب السُّوريَّ شعب مثابر ونشيط ومعطاء ومستعدٌّ للتَّعاون مع حكومته ودعمها ومساعدتها، وينتظر منها نتائج ملموسة، لا سيَّما في مجال مكافحة الفساد وإزاحة الفاسدين المدانين بالأدلَّة القاطعة؛ فهذا مطلب جماهيريٌّ لا يحتاج إلى شِرعة أو تشريع، ولا يمكن لأيِّ حكومة أن تمسك بالسُّلطة زمنًا طويلًا إن لم تحقِّق هذا المطلب المحقَّ من مطالب النَّاس، ولا يمكن لأيِّ عضوٍ فيها فيما بعد أن يحظى بالشَّرعيَّة من الجماهير عبر صناديق الاقتراع. ومع إقرارنا بسباق حكومة التَّحرير والإنقاذ مع الزَّمن وصعوبة التَّحدِّيات الجمَّة أمامها لتقديم نتائج ملموسة على أرض الواقع وفي أقصر وقت ممكن فإنَّنا لسنا من دعاة التَّفويض الزَّمنيِّ المفتوح، ولسنا من هواته، ولا يملك أحد منَّا حقَّ التَّفويض لهذه الحكومة أو تلك غير الشَّعب السُّوريِّ الحرِّ عبر صناديق الانتخابات؛ لذلك يجب أن تضع حكومة التَّحرير والإنقاذ في حسبانها من الآن أنَّ نَشْرَ السِّلم والأمان وتهيئة الأرضيَّة المناسبة للانتخابات هو أولويَّة الأولويَّات قبل الاتِّفاق على تقسيم الدَّوائر الانتخابيَّة في المحافظات لانتخاب المخاتير وأعضاء المجالس البلديَّة في القرى والبلدات والمدن وأعضاء مجلس الشَّعب في هذه الدَّوائر الانتخابيَّة؛ ليحمي أعضاء مجلس الشَّعب المنتخبون هذه الحكومة أو تلك بمنحها الشَّرعيَّة والثِّقة، ريثما يقرُّ المجلس دستور البلاد الجديد، الَّذي سيحمي مكاسب الثَّورة، بعدما يصوِّت عليه الشَّعب السُّوريُّ، ثمَّ يكلِّف المجلس رئيسًا للحكومة، وتُعرض على البرلمان لنيل الثّقة أو حجبها عنها أو تشكيل حكومة غيرها أو إعادة الانتخابات البرلمانيَّة المبكِّرة، ثمَّ تُعتمد ملفَّات الأكفاء المقبولين لخوض انتخابات رئاسة الجمهوريَّة؛ ومن هنا تستحقُّ حكومة التَّحرير والإنقاذ هذه أن تأخذ فرصتها الكاملة لنشر الأمن والأمان والإطاحة بالفاسدين وتهيئة الأرضيَّة المناسبة للانتخابات والإشراف عليها، وبعد الانتخابات ستظهر حكومة شرعيَّة منتخبة بعيدًا عن أصوات الغوغاء والفلول والمرتزقة؛ أولئك الَّذين ارتفعت أصواتهم بعد اليوم الأوَّل من أيَّام التَّحرير، وصاروا يقولون لأحمد الشَّرع وحكومة التَّحرير: أمامكم ثلاثة شهور، وقال بعضهم: ثلاثة شهور كثير؛ وكأنَّهم كانوا ينعمون بجنَّة الفردوس تحت بسطار المجرم المخلوع بشَّار الأسد وأعوانه؛ فتمهَّلوا قليلًا أيُّها السُّوريُّون الشُّرفاء! ولا تستعجلوا! مطالبنا كلُّنا واحدة، وان اختلفت أساليبنا في التَّعبير عن هذه المطالب: نريد حكومة دستوريَّة، يمنحها الثِّقةَ مجلسُ شعب منتخب، يقرُّ فيها الأحرار دستور البلاد أو عقدها الاجتماعيَّ الجديد، ويطرحونه أمام الشَّعب السُّوريِّ للتَّصويت؛ وهذا يحتاج وقته الكافي؛ ولا يحتاح بالطَّبع إلى الأبديَّة الَّتي ألفها بعضنا طوعًا أو كرهًا، ولا يمكن حرق هذه المراحل من الاستحقاقات الملحَّة على نار حامية يؤجِّجها بعض الغوغاء والفلول والمرتزقة الموتويرين؛ فالصَّبرَ الصَّبرَ! والأمر لكم أوَّلًا وأخيرًا؛ لكم يا أحرار سوريا! وصناديق الاقتراع قادمة، وحاسبوا فيها كلَّ من لا يعجبكم أداؤه أو لا تحبُّون التَّصويت له لهذا السَّبب أو ذاك!

 في المحصِّلة يمكن القول في نهاية هذا المقال: إنَّ السُّوريِّين شعب معطاء ومسالم، يتطلَّع إلى الحياة الحرَّة الكريمة المشرقة في المستقبل، ويطمح هذا الشَّعب ببناء دولته الحديثة على مستوى السُّلطات كلِّها مع النَّهضة والعمران، ولا يستغني أو لا يمكن له أن يستغني عن التَّعاون مع أهله وأشقَّائه وجيرانه والشُّرفاء من شعوب العالم كلِّه بعد نصف قرن من القمع والقهر، وبعد أكثر من عقد من قصف طائرات الإجرام وبراميل النِّظام المخلوع، وقد شاهد أشقَّاؤنا وجيراننا والعالم كلَّه مشاهد الدَّمار المروِّعة، وذُهِل الشُّرفاء ببعض من مشاهد التَّعذيب المسرَّبة من سجن صبدنايا وغيره؛ فالصَّبر والرَّويَّة! والحكمة الحكمة! وساعدونا على التَّخلُّص من تلك الحقبة المريرة! بل ساعدوا أنفسكم على الخلاص حَّتى من ذكرياتها المؤلمة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى