ما بعد الثورات… ديكتاتورية ملحّة!
إلى الثائرين في كل مكان، وإلى السوريين على وجه الخصوص.

د.عاصم عبد الرحمن * العربي القديم
ليس من السهل على الشعوب أن تثور. فالثورة ليست مجرد هتاف في الميادين وشعارات تُكتب على الجدران، بل نزيف طويل يُخطّ بالدماء، ويُوشم بالقضبان، وتُدَوّنه أقلام المهجّرين والمنفيين. تلك الأثمان التي تُدفع تُطيح أعتى الطغاة، وتُقيم مقامهم أملًا جديدًا في شكل دولة، وسلطة، وكرامة.
وحين تُكلَّل الثورة بالنجاح، فإن أولياء الدم والحرية والتضحيات يصبحون حراس الحق. لهم الكلمة في تصويب المسار، وفي مساءلة السلطة، فهم الذين لم يسكتوا عن ظلم الأمس، ولن يسكتوا عن اعوجاج العدل غدًا.
لكنّ هؤلاء الثوار أنفسهم، وقد ذاقوا طعم الانتصار، يُبالغ بعضهم في اختبار شرعية كل جديد، ويعتقد أن الديمقراطية تقتضي المعارضة المستمرة، والاحتجاج الدائم والتشكيك المجحف، وكأن الثورة لا تهدأ، وكأن أي نظام هو متهم حتى تثبت براءته.
أيها الثوار، أيها السوريون، لقد حملتم أمانة التاريخ، من أبي عبيدة بن الجراح إلى خالد بن الوليد وتمسكتم بوصية معاوية التي كُتبت على جدران دمشق. حملتم وجع الشهداء، وأنين الأمهات، ونداء المآذن المذبوحة وأجراس الكنائس الجريحة.
النظام الذي أسقطتموه بلغ سن اليأس فتهاوى عن عمرٍ طويل مستبدًا متصلبًا تحت أقدامكم. أما نظامكم الوليد، فهو ما يزال في المهد. وها هو الرئيس أحمد الشرع يُربّت على جدرانه الأولى، يبني لبِناته بروح أبنائكم، لا بأحلام سواه بطموحات أحفادكم لا بنوايا روافض الدولة وجَهَلة الوطن.
أيها المؤيدون… تمسكوا بالحلم في شخص الرئيس أحمد الشرع الذي ترعرع شبابه في إشهار سيف الحق.
أيها المترددون… أعطوا النظام الجديد فرصة لينضج فيثمر دولة المؤسسات والقانون والعدالة.
أيها المعترضون… لا تبحثوا عن ثورة أخرى قبل أن تُمتحن تجارب الثورة الأولى.
إذا كانت الديمقراطية ليست رفضًا دائمًا، بل هي ميزانٌ دقيق بين النقد والبناء، وتقتضي المحاسبة بعد انتهاء الفرصة الدستورية وهي في هذه الحال محددة ب5 سنوات مقبلة.
فإن الحاجة إلى “ديكتاتورية ملحّة”، والتي لا تعني تزكية لاستبداد جديد، بل دعوة إلى سلطة حازمة واعية، تضبط الإيقاع في زمن الانفجار الشعبي، وتحول دون السقوط في الفوضى، تبرز بقوة، وهنا على شكل حزم مؤقّت يقيم العدل لا القهر، ويصون البناء لا يهدم المجتمع. ديكتاتورية ضرورية بحجم المرحلة، آنية بزمن العبور، تقف على شفا التوازن لا الاستبداد.
ليس تمجيدًا للرئيس أحمد الشرع، وإن كان يستحق… بل يستحق، ولكن حين تمشي سوريا على قدميها بعد السقوط، فمن حقها أن تتوكأ على من تحمَّل عبء قضيتها.
فيا أبناء الثورة… لا تُطفئوا نارًا أضاءت لكم الدرب، ولا تخرّبوا جدارًا بدأ يُقام من دمكم وأملكم. أليس أحمد الشرع، وريث المجد الدمشقي وحارسه الأمين، فاتحًا لا يثأر؟