تفاصيل سورية | القرار الأمريكي الإسرائيلي في حكم سوريا
يكتبها: غسان المفلح
منذ اكتشاف النفط في المنطقة العربية والشرق أوسطية، باتت هذه المنطقة مدرجة كعنوان رئيسي للسيطرة شبه المطلقة على مقدرتها. منذ اكتشاف النفط صار للمنطقة سيادة عليا. هذه السيادة كانت تتقاسمها دول أوروبا، قبل ان تصير بقيادة أمريكا، حيث صارت السياسة والسيطرة الأوروبية ملحقة أو تشاركية مع أمريكا حسب البلد والمنطقة.
كل هذا جرى بعد نهاية الحرب العالمية الثانية 1945. استقلت سورية عن الاستعمار الفرنسي 1946. المتغير الثاني هو قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي 1948 على أرض فلسطين. ضمن هذا السياق دخل الجيش في هذه المنطقة كقوة سياسية كما نوهت بالزاوية السابقة. في الدول الملكية العائلية، والتي بأغلبيتها دول نفطية غنية، صار الجيش مؤسسة للعائلة المالكة تتحكم بكل مفاصله. بينما في الدول التي لا تحكمها أنظمة ملكية، بات الجيش قوة لحماية المصالح للسيادة العليا. هنا نشأت ظاهرة دول الطوق. لبنان سورية الأردن مصر. هذه الدول التي لها حدود مع فلسطين. في الأردن الجيش جزء من العائلة المالكة كما اسفلت. لكن في مصر التاريخ لعب لعبة أخرى بأن الجيش اقصى العائلة المالكة وجاء حكم عبد الناصر 1952. أما في سورية فمنذ عام 1946 وحتى عام 1970. كان الجيش هو الحاكم الفعلي مباشرة ام بطريقة غير مباشرة. كما هو معلوم الجيش السوري تشكل من بقايا ما كان يعرف بجيش الشرق الذي أسسته فرنسا أثناء احتلالها لسورية.
“في 30 مارس/ آذار 1949، شوهد مواطن يقترب من أحد الجنود الذي كان يقف بالقرب من دبابته على مدخل مبنى البرلمان في شارع الصالحية، ويسأله: أخي، شو في؟ أي: ماذا حدث؟ فأجاب الجندي باقتضاب: انقلاب! فسأل المواطن بالنبرة البريئة ذاتها: انقلاب؟ شو يعني انقلاب؟ كان هذا هو الواقع آنذاك، لم يكن يعرف أحد ما هو الانقلاب العسكري”
(“نذير فنصة” في كتابه “أيام حسني الزعيم”)
كان هذا الانقلاب الأول 1949 بعد ثلاث سنوات من استقلال سورية، فهل يكون المصريين الناصرين هم من أسسوا للانقلابات أم الضباط السوريين؟ في حيثيات هذا الانقلاب أول مطلب أمريكي من حسني الزعيم الموافقة على اتفاقية الهدنة مع إسرائيل، حيث رفضت الحكومة السورية التي انقلب عليها حسني الزعيم توقيع تلك الاتفاقية، وتوقيع اتفاقية خط التابلاين النفطي لصالح شركة آرامكو السعودية -الامريكية. والتي وافق عليها حسني الزعيم أيضا، كما وعد الزعيم بالقيام بحركة إيجابية تجاه إسرائيل في حال نجح انقلابه.
هذا الانقلاب العسكري هو أول انقلاب في تاريخ المنطقة برمتها بعد الحرب العالمية الثانية. هذه الجزئية المهمة، تعطينا الاستنتاج ببساطة أن إسرائيل ومن خلفها أمريكا وبعض دول أوروبا الغربية بالطبع باتوا جزء من الوضع الداخلي السوري. ولا تزال الحال على ماهي عليه. الثروة النفطية في المنطقة وإسرائيل والموقع الجيوسياسي للمنطقة أيضا. هذه تفاصيل مهمة لمعرفة مدى التزوير الذي جرى ويجري على تاريخ سورية والمنطقة، كما أنها تعطينا بعض المؤشرات على استمرار الأسدية رغم كل ما قامت به من قتل وتدمير من جهة، وعن نظام لا يستطيع القول علنا أنا ابن هذه التوليفة التاريخية لسورية ما بعد الحرب العالمية الثانية. إنه ابن أمريكا وإسرائيل والاتحاد السوفييتي وبعض دول أوروبا الغربية. هذه التوليفة هي من أنزلت حافظ أسد بالمظلة ليحكم سورية بهذه الطريقة. هذه السيرة الذاتية للأنظمة العربية التي تسمى أنظمة جمهورية! سورية الحالية دولة تأسست كدولة إشكالية ممنوعة على أن تكون صاحبة السيادة على نفسها. سايكس بيكو كانت بداية تقسيم لتمكين السيطرة. وقيام إسرائيل ووجود النفط في المنطقة، كان بداية للتمكين الثاني بزعامة أمريكا التي خرجت منتصرة على الجميع سواء دول المحور ودول الحلفاء. كانت أمريكا منذ تلك اللحظة تراكم ما يمكننا تسميته” تمكين السيطرة على السيادة العليا للمنطقة” أكثر فأكثر. حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من قدرة أمريكا على اغراق الملف السوري في حالة من التعفين المزمن، مما يجعل أي مهمة تغيير داخلية أعقد من كلام المثقفين السوريين وغيرهم. أعقد من أية مؤسسات معارضة يمكن أن تنشأ.
أمريكا حولت فرنسا وبريطانيا إلى شريك او منفذ لمتطلبات سيطرتها وحسب كل منطقة ودولة. وإلا كيف استطاعت أمريكا أن تفكك الاتحاد السوفييتي؟ لهذا كنت أصرخ منذ اللحظة الأولى للثورة السورية 2011 أن الأسدية لا تسقط إلا بقرار امريكي إسرائيلي، لأنهما يمتلكان السيادة العليا عليها وعلى بقية دول المنطقة بما فيها دولة حزب الله اللبنانية ودولة اسياده الملالي في قم. هنالك من يرى هذا الطرح في سياقاته عبارة عن نظرية مؤامرة، وأن الخلل في شعوبنا! أيضا توليفة نظرية المؤامرة توليفة تشكل جزء من الهيمنة الثقافية والسياسية لهذه التوليفة القهرية الغربية، السيطرة والهيمنة واضحة ولا تحتاج سوى لمتابعة وقراءة تفاصيلها التاريخية. بالتالي يبرز سؤال: هل كل الشعوب المضطهدة فيما يسمى دول العالم الثالث والرابع! شعوب تتحمل مسؤولية ما يجري لها جراء هذه السيطرة؟ أم أن لواحس الغرب لا يريدوا أن يروا الحقيقة… يتبع