رحيل حكيم مرزوقي: التونسي الذي عرفته مسارح دمشق ونعاه السوريون بحرارة
العربي القديم – محمد منصور
عن عمر يناهز الثامنة والخمسين عاماً رحل في تونس الصحفي والكاتب والمخرج المسرحي التونسي حكيم مرزوقي، الذي يعرفه الوسط الثقافي السوري جيداً من خلال مساهماته الأدبية والمسرحية التي أغنت الحياة الثقافية السورية في تسعينيات القرن العشرين، ومطلع القرن الحالي.
وحكيم المرزوقي من مواليد تونس1966، قدم إلى دمشق في ثمانينات القرن العشرين ليعيش حالة الفقر والتنقل بين المهن البسيطة وهو يدرس الأدب العربي في جامعة دمشق، ثم انخرط في حركتها المسرحية والثقافية، حيث أسس عام 1996 مع المخرجة رولا الفتال فرقة (مسرح الرصيف) التي قدمت أولى عروضها من تأليف حكيم مرزوقي وهي مونودراما (عيشة) التي لعبث بطولتها الفنانة رائفة الرز (رائفة أحمد)، ثم قدمتها الفنانة المخضرمة مها الصالح. وفي عام 1997 قدم حكيم المرزوقي عملاً مسرحياً من تأليفه وإخراجه هذه المرة، وهو مسرحية (إسماعيل هاملت) التي لعب بطولتها سامر المصري وحصدت جائزة أفضل عرض مونودراما في مهرجان قرطاج المسرحي، ثم قدمت على المسارح الفرنسية حين قدمها المخرج الفرنسي جان ماكرون ببطولة الممثل الفرنسي كريستوف غارسيا. كما تعاون حكيم المرزوقي مع نوار بلبل وفارس الذهبي وباسم عيسى ورامز الأسود وعروة العربي في عدد من العروض كذاكرة الرماد… ثم مسرحية “لعي” التي قدمت باللهجتين التونسية والسورية، عرضت عام 2003، وقدمت في فرنسا مترجمة إلى الفرنسية بعنوان “بلا بلا بلا”.
ولحكيم مرزوقي مجموعةٌ شعرية بعنوان (الجار الثامن ) صدرت عن دار كنعان بدمشق عام 2009 وفيها استعرض ذاكرة وذكريات المدن التي عايشها من دمشق إلى بيروت وبغداد والقاهرة فبرلين وأمستردام وطنجة ولندن وبرشلونة وروما وغيرها…
ولحكيم مرزرقي مساهمات عديدة في السينما السورية المحدودة الإنتاج بطبيعة الحال، من أبرزها فيلم (الصورة الأخيرة) ثم (المايسترو) مع المخرج نجدت أنزور، والمخرج محمد الدوامنة، ناهيك عن مساهماته الصحفية حيث كتب زاوية أسبوعية في جريدة (بلدنا) لفترة من الوقت.
وقد نعى العديد من الكتاب والصحفيين والمثقفين السوريين على صفحاتهم على موقع التواصل الاجتماعي حكيم مرزوقي بحرارة، حتى بدا رحيله حدثا سورياً تشارك الجميع في كتابة مراثيه، وخصوصا ممن ربطتهم صداقة مع الكاتب التونسي الراحل…
عدنان عبد الرزاق: من أعظم المواهب التي عايشتها
الكاتب والصحفي عدنان عبد الرزاق الذي كتب في سرد فجائعي موجع:
صفعني النبأ، اتمنى لو أنه غير صحيح، وفاة حكيم مرزوقي… عشنا عمرا طويلا وتسكعنا، منذ جديدة عرطوز قبل بيت مقبرة الدحداح.. وبيت حكيم بصحنايا، آخر بيت سهرت فيه قبل مغادرتي دمشق..
حكيم من أعظم المواهب التي عايشتها، لم تنل الصعلكة والحرمان والتعدد منها، بل برزت عبر مسرحياته ومقالاته.. والأهم، خلال جلساتنا المجنونة.. هل بلغنا سن الموت يا حكيم.. أم تنهزم قلوبنا بعد أن استنفدنا جميع أعضائنا وماتت تباعا خلال سني القهر والانتظار.. اختلفنا كثيرا كثيرا، لكن الاتفاق حول مواهبك وجنونك، كان غاية التقائنا المحيّر..الأصدقاء في تونس.. ادفنوا حكيم واقفا.
د. أحمد برقاوي: ستبكيك الشام الجريحة.
المفكر والشاعر الفلسطيني الدمشقي د. أحمد برقاوي كتب يقول:
“كتب حكيم مرزوقي التونسي الدمشقي قبل رحيله بأيام يقول: “الذين يتحدثون عن “النهايات السعيدة” يخادعون أنفسهم قبل غيرهم.. يكفي أنها “نهايات” حتى لا تكون سعيدة”. صديقنا حكيم: ستبكيك الشام الجريحة. وأبكانا رحيلك.
فرحان المطر: عاش بيننا كواحدٍ من بين أجملنا
الصحفي والإعلامي السوري فرحان المطر كتب يعبر عن صدمته فقال:
لم أستوعب أنهم يقومون برثائك يا صديقي. كنت أظنهم يتداولون أحد نصوصك الساخرة وأنت تهزأ من الموت.
حكيم مرزوقي الكاتب والصحفي التونسي الجميل والساخر اللاذع الذي عاش بيننا كواحدٍ من بين أجملنا. لا أصدق أنني أكتب عنك ناعياً. وردة لروحك، ولترقد بسلام. خسرتك الشام مثل كل الذين أحبتهم ورحلوا عنها مرغمين.
فارس الذهبي: خسارة أيام المسرح والفن!
الكاتب والمسرحي فارس خيري الذهبي كتب ينعى صديقه حكيم المرزوقي بالقول:
“وداعا حكيم مرزوقي خسارتنا كبيرة فيك يا حبيبي. خسارة أيام المسرح والفن الحلو والشام والضحك والسخرية من هذا العالم…”
وعقب هذا الرثاء نشر فارس الذهبي على صفحته على فيسبوك قصيدة طويلة مؤثرة في خمسة مقاطع، متوهجة بصور الرثاء والفقد والغياب، مأخوذة من ديوان مرزوقي الوحيد (الجار الثامن) يقول فيها:
[1]
يموتُ الشاعر وتستمر المطابع في رجمِ عمّالها بالحبر والأوراق…
يموتُ الشاعر ويستمرّ العشّاق في عشقهم
لكن دون مواساة,
دون راعٍ يحرس وحدتهم
يجمع قبلاتهم باقة ويرمي بها في ” جدول الموت الذاهب إلى فم الساحرة”…
يموت الشاعر.. ويستمرّ اسمه مصلوبا على نعوة حتى تخضرّ أحجار الجدار ويرفعه الهواء إلى الهواء.
يموت الشاعر فلا تسودّ الأكفان ولا السّحب ولا إشارات المرور…
يموت الشاعر فتبيضّ ابتسامات الكارهين وجميع الأوراق الثبوتيّة.
يموت الشاعر فيتعرّى العراة.
[ 2 ]
هذا الرصيف.. مالذي أنبت البهجة فوق أحجاره؟!..
مالذي جعله رصيفا غير تلك الخطوات..
هذه الفناجين والزجاجات والأحزان والأوحال والتنهّدات لم تجد من يقول لها:
عِمتَ انتصاراً هذا المساء..
هؤلاء المنسيون ـ كالهفوات الزوجيّة ـ
من يُشمِّطهم عندما يعطسون
ويقول لهم (صحّة ) عندما لا يأكلون
و (نعيماً) عندما لا يستحمّون..
من ذا الذي تلين له معادن القطارات والطائرات حين ينتظرها أو يودّعها.
من ذا الذي تحفظُ له الأرصفة مواعيده و(نمرة)حذائه.. تحتفظ له بأعقاب سجائره ودموعه وخصوماته وتحيّاته.
من ذا الذي تخشى قبضته الأوراق والرياح.
من ذا الذي حفر قبره بقلم كان يمشي إلى حتفه كلّ لحظة شرود وتتربّص به روائح المال والمازوت وجثث القلوب الميّتة.
كلَّ هذه الأرض ومن عليها قفص للاتّهام…
فمن قتل الشاعر ؟!..
إنّه الوحيد
الذي يتحالف ضدّه القبح والجمال ليقتلاه
أمّا القصيدة فشاهد زور يتيم ووحيد.
من قتل الشاعر أيّها الشاعر,..
من قتله يا معشر جيرانه من الموتى
ويا أيّها المشيّعون؟..
يموت الشاعر مثل حصان يموت
يموت…
فينتعش فوق جلده القراد والبعوض
يموت…
فيحلّق فوقه النعيق
وتصدح المنابر ويحيا اليباب.
[ 3 ]
أيتها الطاعنة في الوحدة و العنوسة والانتظار, لن يصيبك إلاّ ما لم يكتبه لكِ شاعر.
قليلاً من الصمت يا جمهور القبور
اسمعوا أوّل قصيدة من الرخام
لهذا الزائر الذي تجشّم عناء الفرار إليكم
هل عليكم بكفن دون جيوب.
[ 4 ]
أيتها الأشجار التي لم ترتفع ظلالها والطيور التي لم تطلع من بيوضها..
الأنعام التي لم تعد من مراعيها
والنساء التي لم تفرد شعورها
يا أيها الفجر الذي لم يتنفّس..
انتظروا ولادة شاعر
كي تقتلوه بعد أن يحييكم.
[ 5 ]
يموت الشاعر بيننا
فيولد شاعر مضرب عن الشعر فينا.