فنون وآداب

رحيل محمد الشارخ: الثري الكويتي الذي حمل هموم أجيال تنشد المعرفة وتتوق إليها

العربي القديم – أحمد المقداد

من المؤسف في عالمنا العربي ألا يسمع الكثير بكثير من الأعلام والعلماء  الكبار، الذين أثروا سماءنا وأرضنا ومكاتبنا ومنابرنا بعلومهم ومعارفهم وآثارهم، التي سيذكرها التاريخ لعقود طويلة إلا يوم رحيلهم، وأحد أهم هؤلاء الكبار هو المرحوم محمد الشارخ (أبو فهد)، وكم يؤلمني أن تمر وسائل الإعلام العربية الكبرى على خبر وفاته مرورا شكليا، دون أي اهتمام بإرثه العظيم.

في هذا الوقت الحزين، أتوجه بمشاعري وبأحرّ التعازي إلى اسرته واحبابه، ومن الوفاء ان نذكر الرجل الكبير ببعض ما قدم وبئ مخنصر عن حياته.

القضاء على الفجوة الرقمية العربية

لم يكن الشارخ مجرد رجل أعمال فحسب؛ بل رجلا رساليا عابرا للحدود، يحمل على كاهله وفي ضميره هم أمته وهموم أجيال تنشد المعرفة وتتوق إليها. كم في عالمنا العربي من أثرياء بالالاف أو بعشرات الآلاف، لكن كم رجلا مثل الشارخ بنبله ورسالته وآثاره الخالدة، ومحبته لأمته.

 محمد الشارخ  (أبو فهد)، الشخصية المحترمه الفذة، ورجل الأعمال الكبير،  والمعلّم الرائد الذي نهلتْ من فيض آثاره وعطائه ومغامرته في صناعة تكنولوجيا المعلومات، أجيال وراء أجيال في المنطقة العربية.

التزام الشارخ الثابت بالقضاء على الفجوة الرقمية، ترك بصمةً لا تمحى في تاريخ المنطقة. فقد حقق إنجازاً تاريخياً في الثمانينيات، من خلال تطوير أول نظام تشغيل باللغة العربية، وبالتالي إدخال اللغة العربية في عالم الحوسبة. هذا العمل الرائد لم يجعل التكنولوجيا في متناول الملايين من المتحدثين باللغة العربية فحسب، بل أرسى أيضاً الأسس للتقدم في المعالجة الطبيعية للغة العربية، وهو مجال كان رائداً فيه وأثر فيه بشكل عميق.

رحيل محمد الشارخ خسارة كبيرة حقاً، إذ يصعب اليوم العثور على شخص تتركز هواجسه وحواسه على تطوير التقنيات العربية في عالم تكنولوجيا المعلومات. وسيظل إرثه الدائم ركيزة أساسية في صناعة تكنولوجيا المعلومات في العالم العربي، تاركًا وراءه ليس فقط الإنجازات الضخمة ولكن أيضًا الرؤية التي ستستمر في تنوير الأجيال المقبلة.

رجل ثقافة بامتياز

كان الشارخ أكثر من مجرّد رجل أعمال وظّف طاقاته باتجاه تقنية المعلومات. فقد كان أديباً وقاصاً وذواقاً مهتماً بالفنّ التشكيلي، ورجل ثقافة ثاقب النظر أدرك مبكراً أن بناء المعاجم والمسارد والمكانز اللغوية يبنى ثروةً حقيقية للفاعلين الثقافيين المهتمين بثقافة الأمة ولغتها.

ولد الشارخ في الكويت عام ١٩٤٢ وحصل على درجة  الليسانس في الاقتصاد  العلوم السياسيه من جامعة القاهرة عام 1965

 وحصل على درجة الماجستير في اقتصاديات التنمية عام 1968 من كلية ويليامز في ولاية ماساتشوستس بالولايات المتحدة

أما حياته المهنية فقد كانت غنية بالكثير من الانجازات فقد شغل الشارخ:

–  منصب نائب المدير العام للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية من عام 1969 إلى عام 1973، وممثلاً عن الكويت والمجموعة العربية في البنك الدولي للإنشاء والتعمير (I.B.R.D) في واشنطن العاصمة من عام 1973 إلى عام 1975 وشارك في – أسس وترأس مجلس إدارة بنك الكويت الصناعي

– كما شغل منصب نائب رئيس جمعية الاقتصاديين العرب

 -وفي عام 1980، أسس مجموعة العالمية التي يقع مقرها الرئيسي في الكويت والمملكة العربية السعودية، وأنشأ شركة صخر للبرمجيات كمشروع لإدخال اللغة العربية في أجهزة الكمبيوتر في عام 1982 ومن ثم، عملوا على بحث وتطوير البرمجة اللغوية العصبية (NLP) العربية (معالجة اللغات الطبيعية) مما أدى إلى تطوير التعرف الضوئي على الحروف باللغة العربية، والترجمة الآلية العربية، والتعرف التلقائي على الكلام العربي.

 – في عام 1997، أسس الشارخ مشروع “كتاب في جريدة” بالتعاون مع اليونسكو

– في عام 1987، كان أحد ممولي مركز دراسات الوحدة العربية والمنظمة العربية للترجمة، ومعهد العالم العربي عام

1987

 – قام الشارخ رحمه الله  بتطوير أول برنامج كمبيوتر للقرآن الكريم، بالإضافة إلى برنامج كتب الحديث التسعة باللغة الإنجليزية، أرشيف المعلومات الإسلامية، التعرف الضوئي على الحروف في عام 1994، تحويل النص العربي إلى كلام في عام 1998، الترجمة الآلية من وإلى اللغة العربية في عام 2002، الترجمة الآلية للكلام في عام 2010، وتطوير أكثر من 90 برنامجًا تعليميًا وترميزيًا للشباب العربي.

شركة صخر للبرمجيات

 في عام 1982، أنشأ الشارخ شركة صخر للبرمجيات كشركة كويتية تابعة لمجموعة العالمية، التي نقلت مقرها الرئيسي إلى القاهرة أثناء غزو الكويت عام 1990  طورت الشركة جيلًا جديدًا من تقنيات المعالجة الطبيعية للغة العربية (NLP) التي تم استخدامها في تطوير المورفولوجيا الآلية وأداة التشكيل التلقائية والتي استغرق إكمالها أكثر من 10 سنوات.

كما حصلت الشركة على ثلاث براءات اختراع من مكتب الولايات المتحدة الأمريكية في مجال اللغة العربية للنطق الآلي والترجمة الآلية والتعرف الضوئي على الحروف

المعجم العربي المعاصر

المعجم العربي المعاصر هو قاموس محوسب معاصر للغة العربية، صدر إلكترونيًا مجانًا عام 2019، يحتوي على 125 ألف معنى وتركيب، بالإضافة إلى قاعدة بيانات تصل إلى 35 ألف مترادف ومضاد. كما يضم الموقع ثلاثة قواميس هي القاموس المحيط، تاج العروس، لسان العرب.

أرشيف الشارخ للمجلات

يتكون الأرشيف من 250 مجلة تحتوي على 13000 عدد، صدرت منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى عام 2010، كما يضم أكثر من 250 ألف مقال في مواضيع متنوعة لـ 20 ألف كاتب من الدول العربية وغير العربية، وقد نشرت كلها على موقع إلكتروني مفتوح للجميع، بصور الإخراج الخاص بتلك المجلات. لتشكل أضخم أرشيف للصحافة العربية الأدبية على شبكة الانترنت.

ثلاث براءات اختراع أمريكية

حصلت شركة صخر للبرمجيات خلال فترة عمله على ثلاث براءات اختراع من مكتب براءات الاختراع والعلامات التجارية في الولايات المتحدة:

التعرف على الكتابة اليدوية باللغة العربية باستخدام مطابقة الميزات

تحديد نموذج مدمج لتدوين اللغة العربية صوتياً في دراسة صوتية أساسية محددة المعالم.

طريقة ونظام للحد من غموض معنى الكلمة على أساس الموضوع

مؤلفاته

في عام 1968، نشر الشارخ أول أعماله “قيس وليلى” في مجلة غاليري الرائدة في الستينيات وله ثلاث قصص قصيرة منشورة، “عشر قصص” صدرت عام 2006، و”الساح” صدرت عام 2012، و”أسرار” صدرت عام 2017، ورواية. بعنوان العائلة، صدر عام 2018

أما مقتنياته الخاصة، فقد كان لدى الشارخ العديد من المقتنيات الخاصة التي تتكون من لوحات من الفن العربي والمصري لعدد من الفنانين العرب وغير العرب المعروفين، وبحسب صحيفة (الجريدة* الكويتية، فإن مجموعته الفنية تكفي لإنشاء متحف خاص.

رحم الله هذا الرجل الفذ، وعوض هذه الامة الخير من بعده، ونفع بعلمه وآثاره.

زر الذهاب إلى الأعلى