العربي الآن

عصام العطار: الرجل الذي فشل حافظ الأسد في اغتياله!

أحمد صلال- العربي القديم

جاء رحيل المفكر والمعارض الكبير عصام العطار، ليعيد التذكير بفصول من سيرته وبعض من مآثره بعدما أعلن ممثلو مختلف التيارات الإسلامية في الداخل السوري وأوروبا والعالم نعي الداعية الإسلامي البارز، المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا.. وأحد عناوين العمل السياسي الإسلامي في سوريا منذ خمسينيات القرن العشرين.

دون بذل جهد كبير ثمة إجماع على أهمية الثقل السياسي للعطار؛ يكفي القول أنه “المزعج” الذي أرق كاهل البعثيين منذ انقلابهم السود الذي استولوا فيه على السلطة بالقوة، فحاولوا اغتياله مرات عديدة، قبل أن يجدوا حلا للتخلص منه بمنعة من دخول الأراضي السورية حين عاد من رحلة الحج المقدسة عام 1964… وصولا إلى محاولات حافظ الأسد لاستمالته ثم اغتياله لإتهاء دوره…  كونه الشخصية الجامعة التي رصت حشد الجماعة التي لا نذيع سرا عندما نتحدث عما عصفت بها من انقسامات مناطقية في عز ما تهددها من أخطار، وخصوصا بين الجناح الحموي والجناح الحلبي!

في الواقع؛ هو رجل العمليات “المذهلة” للجماعة في دمشق وحماه وحلب، الرجل الذي جعل النظام يفكر بالانسحاب من لبنان، وبالفعل تم إعادة نشر القوات للحشد ضد جماعة الإخوان في الثمانينات؛ وذلك لأن النظام قرر قمع أي حراك  للسوريين يهددد استفراده بالحكم بوحشية.

تأسس الفرع السوري لجماعة الإخوان المسلمين في نهاية الحرب العالمية الثانية، مع انتهاء الانتداب الفرنسي على لبنان، وكانت في البداية مجرد انبثاق عن جماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر، التي أنشئت في 1928-1929. وكان المؤسس السوري، مصطفى السباعي، أستاذ الشريعة القرآنية من حمص، تلميذاً للأستاذ الكبير المصري حسن البنا في القاهرة. توفي السباعي عام 1964، بعد عام من حظر جماعة الإخوان السورية رسمياً. ومن المفترض أن خليفته عصام العطار، وهو فقيه دمشقي وشخصية تحظى باحترام سياسي… وخصوصا أنها لعبت أدوارا بارزة ضد الاستبداد والانقلابات.

تبدلت العهود وخرج العطار ليقيم في مدينة آخن بألمانيا الفيدرالية، حيث اغتيلت زوجته في مارس 1981 على يد مخابرات حافظ الأسد.. لكن عصام العطار بقي اسماً مقلقاً للنظام السوري حتى وهو يعاني من إصابته بالشلل.

 يتميز السيد عصام العطار بكونه شقيق الدكتورة نجاح العطار، وزيرة الثقافة السورية في عهد حافظ الأسد لأكثر من عقدين من الزمن.  بالطبع هي ميزة للدكتورة نجاح وليست له، ما جعل حافظ الأسد يعمل على استقطابها وتوزيرها أملا في استثمارها نسبها وانتمائها, كونها  دمشقية سنية ملتزمة للغاية، ولكن هذا  لم يكن كافياً لإرضاء الزعيم الإسلامي ولا لاستمالته وقد تحفظ على مشاركة  شقيقته الحكومة البعثية دون أن تسمح له تربيته العائلية الدمشقية المحافظة، بإبداء أي عبارات هجاء سياسي مبتذل بحقها. ولمعرفته من جهة أخرى، أن أية حكومة ليست سوى واجهة للعفل الأساسي الذي تمارسه أجهزة مخابرات الديكتاتور المتفرد بالحكم في دمشق

هناك مؤشرات مختلفة تسمح لنا بتقدير أن السيد العطار، على المستوى السياسي، “معتدل” نسبيا، أي أنه، مثل الشيخ عمر التلسمي، المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، من المحتمل أن يقبل التجمع خلف نظام ملتزم بالتطبيق الكامل للشريعة الإسلامية وإعطاء المسؤوليات للأصوليين. ويبدو أن هذا “الاعتدال” والمشاحنات الشخصية قد أدى إلى تقليص جمهور مجموعة السيد العطار، التي كانت ذات يوم الأكثر نفوذاً في سوريا. ويبدو أن جزءاً من زبائن المنفيين قد استولى عليهم السيد عدنان سعد الدين، الذي يعمل محامياً،  وينحدر من حماة. منفياً في المملكة العربية السعودية ثم في العراق وربما اليوم في الأردن، يقدم السيد سعد الدين نفسه على أنه زعيم الجبهة الإسلامية في سوريا أو المجاهدين.

في الواقع، يبدو أن النظام البعثي، آنذاك، سواء من خلال المفاوضات السرية أو من خلال القمع الوحشي، تمكن من إضعاف جماعة الإخوان المسلمين بأكملها، والتي قوضت بالفعل بسبب انشقاقاتها الداخلية. التيار الأكثر معارضة للتسوية مع السلطات هو، في الوقت نفسه، الذي عانى أكثر من غيره من “مطاردة المتعصبين”: الطليعة المقاتلة. مثل مجموعات العطار وسعد الدين. لكن عصام العطار بقي رمزا للفكر المدني الذي لا يخفي صبغته الدينية وتوجهه الإسلامي باعتدال معروف عن الدمشقيين.

عمليا  ابتعد عصام العطار عن مركزه القيادي في الجماعة في نهاية السبعينيات، لكن عندما صدر القرار 49 القاضي بإعدام المنتمين للإخوان في سورية،  خرج وعرّف بنفسه أنه المراقب العام للجماعة. هاجس التحدي وعدم الخوف من أي سلطة تتغول في استبدادها كسلطة حافظ الأسد، جعل من الشيخ عصام العطار رمزا من رموز مواجهة هذا الاستبداد. مؤمنا أن قدره وعمره بيد الله وليس بيد حافظ الأسد ومخابراته الذين فشلوا في عملية اغتياله، مثلما فشل حافظ الأسد في اغتياله معنويا أيضاً، حين جعل من شقيقته عنوان الشقاق العائلي في مسيرته.  

وقد عاش عصام العطار ربع قرن بعد هلاك الديكتاتور الدموي الذي أحال حياة السوريين جحيماً، وشهد ولادة الثورة السورية وخروج السوريين يلعنون روحه وباركها.

لقد جاء رحيل الشيخ عصام العطار ليذكر السوريين بأن معركة حريتهم قادها منذ عقود رجال شجعان وأحرار وأصحاب مبادئ، وأنهم ماتوا على مبادئهم منتصرين: لم يبيبعوا ولم يساوموا ولم يستسلموا فكان رحيلهم عنوانا جديدا من عناوين بقائهم. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى