رسالة من منفي إلى مجرم: حول خطاب بشار الأسد في القمة العربية الإسلامية
د. علاء الدين آل رشي
إلى بشار الأسد:
تستوقفني كلماتك التي ألقيتها أمام القمة العربية الإسلامية في الرياض، تلك الكلمات التي حاولت من خلالها أن تتحدث باسم العدالة، تدعو لوقف المجازر في غزة، وتطالب بحماية حقوق الإنسان والتحرك العملي. ربما تراهن على أن تُسمع صوتًا جديدًا للعالم، بعيدًا عن ذاكرتنا، وكأنك لم تكتب تاريخك بالدم. لكن دعني أُذكّرك أيها المجرم، كيف للقاتل أن يتحدث عن وقف القتل؟ وكيف لمن بسط يد القمع ليحاصر الشعب أن يدّعي السعي للسلام؟
أتراك تتناسى، أم تظن أننا نسينا، أن مجموع من قتلتهم إسرائيل لا يساوي ربع من قتلتهم أنت ووالدك، اللذين جعلا من سوريا ساحةً للدمار والموت؟ وكيف يمكن لشخصٍ مثلك، صنع مأساته بيده، أن يدّعي التعاطف مع معاناة الفلسطينيين؟ أي عدالةٍ تتحدث عنها؟ أي مبادئ تحاول التمسك بها وأنت تدوس على العدالة، كل يوم، بقراراتك وجبروتك؟
تحدثت عن “العمل العربي المشترك”، وكأنك تحرص على وحدة هذه الأمة. وكأنك لم تكن أنت السبب في تمزيق النسيج السوري، بين قوميات وطوائف، وتشتيت شعبك على حدود اللجوء في كل مكان. تناقضٌ صارخ في خطابك؛ تدعو لحماية الفلسطينيين وتنسى أو تتناسى أنك أنت ونظامك كنتم وراء آلاف القصص المأساوية التي خطّت بدماء الأبرياء في شوارع سوريا. بل إن جرائمك لم تقتصر على السوريين؛ فحتى الفلسطينيين في مخيماتهم لم يسلموا من قمعك وظلمك. ربما نسيتَ، لكننا لم ننس.
أما قضية فلسطين، تلك القضية التي تردد اسمها في خطاباتك المتعددة، فهي ليست وسيلةً لتحقيق الشرعية الزائفة التي تبحث عنها. لقد جعلتَ منها غطاءً لسياساتك، وكأنك تدرك أنها المدخل السهل لكسب التعاطف في مجتمعنا العربي والإسلامي. تتحدث عن فلسطين وكأنها ملكك، وكأنها قضيتك الأولى، بينما هي، في الحقيقة، مجرد أداة تستخدمها لتحقيق مصالحك الخاصة. القضية الفلسطينية أكبر من أن تكون ورقة تُلعب لكسب الأنصار، فهي تتطلب مناصرة حقيقية والتزاماً صادقاً، لا أن تكون طوق نجاة لك من جرائمك.
كيف تتحدث عن مواجهة التدخلات الخارجية وأنت نفسك لم تترك حلفاءك الروس والإيرانيين بعيدًا عن بلادك؟ أليس وجودهم هو عكس ما تدّعيه عن السيادة الوطنية؟ من يدعي الدفاع عن الوطن لا يستعين بالقوى الخارجية لقمع أبناء شعبه. كيف يمكن لمن باع سيادة بلده للقوى الأجنبية أن يرفع راية السيادة والشرف؟ لقد تحالفت مع الغرباء على حساب شعبك، فكيف تطالب العالم باحترام سيادة الشعوب؟ ألم تدرك بعد أن الشعب الذي يرفضك ويرفض سياساتك سيظل يطالب بحريته، حتى وإن كانت تحت ظل التحالفات؟
ودعني أذكّرك بالنقطة التي أغفلتها عن قصد: لم تقدم أي خطة واضحة لدعم الشعب الفلسطيني. ربما يكون خطابك مجرد شعارات، فقيرة من حيث الجوهر، زاخرة بالفراغ. تلك العبارات الرنانة التي تعتقد أنها تكفي لإرضاء الرأي العام لن تخفي حقيقة أنك لم تفعل شيئًا لدعم فلسطين سوى الحديث. أين الخطط؟ أين الخطوات العملية؟ ألا ترى أن العالم ملّ من سماع الكلمات الفارغة؟ ألم تدرك بعد أن الشعوب تبحث عن الأفعال، لا الأقوال؟
لقد زين لك خطابك بأنك المدافع الأول عن فلسطين، ولكن الحقيقة هي أنك لا تزال المتهم الأول في تدمير سوريا. ربما تتوقع أن خطابك يُظهر موقفك الداعم للقضية الفلسطينية، لكني أرى فيه فقط صورة لمحاولاتك لتلميع نفسك، وإبعاد أنظار الناس عن الجرائم التي اقترفتها بحقهم. ربما تظن أنك تستطيع خداع العالم بشعارات براقة، ولكن الحقيقة أعمق من ذلك.
لم تدرك بعد، أن العالم لم يعد يقبل تناقضاتك، وأن شعاراتك لن تمنحك غفرانًا لأفعالك. ربما، كان من الأفضل لك أن تراجع حساباتك، وتبدأ بالإصلاح من داخل بلادك. وأولها سيادة القانون وإيقاف الإرهاب الذي أنت تتزعمه. لربما لو كنت صادقًا في نواياك، لبدأت بإصلاح نفسك وبلدك، ولتوقفت عن تدمير سوريا تحت شعارات واهية.
لن تستطيع أن تغسل يديك من الدماء التي لطختها بجرائمك. لن تستطيع أن تخفي الحقيقة خلف الخطابات والشعارات. الشعب السوري يعرفك جيداً، ويعرف كيف تستخدم فلسطين غطاءً، وكيف تبيع الوطن للغرباء.