فنون وآداب

كبيرة مخرجات الدراما السورية تتحدث للعربي القديم: صمت المبدع المقموع هو أنبل أنواع الصمت

كاتبة ومخرجة عريقة عاصرت أجيالا عدة وتحلت بطموح لا تفتر عزيمته لإنتاج المضيء والملهم من واقعنا الاجتماعي

حوار: ابتسام المغربي- العربي القديم

ليس من السهل أن تحاور كبيرة مخرجات الدراما التلفزيونية السورية، فهذه السيدة الثمانينية التي لونت أرشيف التلفزيون السوري بأعمال ذات بصمة خاصة، مكنتها ثقافتها الواسعة ومواهبها المتعددة في التأليف والإخراج الدرامي والإعداد البرامجي من أن تكون اسما لا ينسى… فمن ينسى شاعرية الأداء في تمثيلية (محطة صغيرة) أو قسوة هجاء المتغيرات الاجتماعية في (موت الياسمين) أو روح الدراما العائلية الأخاذ لأسرة متعددة الأجيال في (الأخوة) أو سحر رمضان وأجوائه ولوحاته الفولكلورية الغنائية في (أيامنا وأيام زمان)… إنه تاريخ من التنوع والعطاء وأصالة الهواجس والإبداع يسر (العربي القديم) أن تتوقف معه في هذا الحوار الشيق والمطوّل مع الكاتبة والمخرجة رويدا الجراح الذي أجرته الزميلة ابتسام المغربي (رئيس التحرير).

 س: أنت من أوائل المخرجات إن لم تكوني أولهم… كيف بدأت هذا الطريق؟

بداية هنالك مقولة أعتبرها شعار لمسيرتي وهي (يا إلهي بحرك شاسع جدا.. وأنا مركبي صغير جدا) منذ تفتح الوعي والإدراك لدي ولغاية الآن أحرص على الإيمان بهذه المقولة والحمد لله.

قبل دخولي للعمل كانت هوايتي المرافقة لمراهقتي وأيامي قراءة الكتب، فأنا من الأشخاص الذين يعيشون في ظلال الكتب، وظلال الكتب تلك تضم الحب الصامت للبشر وكبرياء سعيهم للتزود بالمؤن الثقافية، ومن الكتب نستمد المعلومات العامة، أما المعرفة الحقيقة وهي المنشود الجوهري فتأتي من قراءة الناس والتدقيق في طباعهم المختلفة، وكنت أخط بعض الخواطر وبعض القصائد غير المقفاة ونشر بعضها في مجلة بمعنى أني كنت مهيأة لشيء ما لا أدرى ما هو..

في سنة 1961 دخلت مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ولسبب ما حولت لقسم المخرجين الدراميين سنة 1961 وكنت أول فتاة في هذا القسم وكان يسمى دائرة التمثيليات وأنا بمركبي الصغير جدا لم يكن لي دراية بأي تفصيل يخص هذه المهنة ومنذ الشهر الأول عملت مع رئيس الدائرة بتمثيلية تلفزيونية كمساعدة عرفت من خلالها ما هو السيناريو الذي يكتب وما هو السيناريو المعد للتصوير كما عرفت العمل على السويتشر. التلفزيون يتعامل مع عدد من الكاميرات وليس بكاميرا واحدة كالسينما.  تفاصيل عديدة تدخل بالعمل أثناء التصوير كالموسيقى المعدة مسبقا ودخول مقطع سينمائي مصور مسبقا وكل هذا ينفذ من خلال السويتشر، لم يكن هنالك مونتاج بعد ولا مكساج، بمعنى بأن المتعامل بالمهنة عليه أن يكون منتبها وحذرا ومدركا وفطنا ومتحمسا ولماحا ليستوعب الأوامر المتلاحقة الصادرة عن المخرج.

وتكررت التجربة بعدة أعمال تتتالى على مدى عدة سنوات أثنائها لم أهمل القراءة ولا كتابة الخواطر وأضيف لهما قراءتي لكل النصوص التي تدخل القسم لأنني اعتبرت بأني مساعدة رئيس الدائرة بكل ما يخص الدائرة من تفاصيل.

 أثناء هذه المرحلة كتبت تمثيليات للإذاعة فأنا من محبي الراديو وجيلنا نشأ على سماعه، واشتركت ببرامج ثقافية بأداء شعري بصوتي ببرامج الإذاعة أيضا، ولكن ما سحرني منذ اللحظة الألى لدخولي الاستديو هو الكاميرا ومجالاتها وبمقدرتها على التقاط جوانب الايضاح فيها ولا تقال وبسحرها الأخاذ على رصد كل رفة عين أو حركة بالوجه أو اليدين أو الجسد هذا ما جعلني أقتني كتب تخص السيناريو والإخراج وكنت أدرس فيها بجد واجتهاد وأسأل كل المخرجين عما أجهله أو لا أفهمه.

خضت تجارب عديدة في النقل الخارجي المباشر (سهرات التلفزيون) من المسارح وتعاملت مع عدد من المخرجين كمساعدة، وفهمت بأن لكل مخرج له أسلوب بالتعاطي مع المهنة. تجرأت بعد أربع سنوات من العمل بجد واجتهاد وحرص على أن أكتب سيناريو أنا أول امرأة كتبت السيناريو للتلفزيون ولفت ما كتبته الانتباه من الكبير والصغير وتقاطر على كتاباتي عدد من المخرجين في تلك الأيام.

أدرك بأني لم أجب على سؤالك لكنني أريد أن أوضح الأرضية التي مشيت عليها بمركبي الصغير ببحر الفن الواسع. وستأتي إجابتي وأنا أسرد ما حصل.

س: ما الذي تلحظينه من اختلاف في بيئة العمل بين زمن بدايتكم والآن؟

بيئة العمل الإخراجي في البداية كانت آمنة، صحيح بأن التنغيص كان من قبل الإدارات المتعاقبة والجاهلة لطبيعة المهنة إلا أن جو المخرجين كان مكان آمن.. في المكان الآمن يكونوا الناس لطفاء ودودين مشجعين ويتجنبون الاستهزاء والخصام والحقد والتحقير، إن اللطف والاحترام والغفران هي مقومات الحياة الصالحة وكانت حينها المهنة مكان صالح لحد ما وبيئتها محترمة.. كل فريق العمل من فنانين وتقنيين مهندسين مجموعون في الاستديو والكنترول والفيديو والمراقبة  العامة وكان يسير العمل بيسر بإمرة المخرج عائلة تجتمع على إنجاز عمل مؤمنة فيه ويجب أن ينجز بإتقان من قبل كل المختصين أكرر  التلفزيون يعمل على عدة كاميرات وليس بكاميرا واحدة كالسينما، صحيح منذ أن تواجدت كاميرات محمولة في بداية الثمانينات واتجه مخرجون من السينما للعمل بالدراما التلفزيونية ) في حينه لم يكن المخرج السينمائي يستطيع أن يتعامل مع عدة كاميرات ولا يعرف التعامل  معها (فوظفوا هذه الكاميرات المحمولة لبعض الأعمال الدرامية وهي  بالأساس للأخبار، لكن ما نتج عنها كان ملفت ومهم أن كل الأماكن وكل الفضاء ات صارت استديو للعمل الدرامي، ومع التجارب المتعددة حتى لمخرجي الدراما التلفزيونية اعتمدت طريقة التصوير الخارجي لمجمل أعمال الدراما بكاميرا واحدة وذلك بسبب النتائج المبهرة والبديعة للصورة الحية النابضة، وأنا ابنة الاستديو الداخلي عملت بهذه  الطريقة منذ منتصف الثمانينات حتى سنة 2003 لحين تقاعدي. وأقول كسبنا عدة ميزات للدراما السورية، وخسرنا عدة ميزات تستحق أن تكتب بتفصيل أكثر ليس هنا مجالها.

س: ما الذي حرضك بداية على دخول عالم الإخراج؟

الزمان مكان سائل.. المكان زمان متجمد (ابن عربي( أستحضر هذه المقولة الفريدة لأن سيولة الزمان في تلك الأوقات كانت لصالح مركبي الصغير جدا ضمن بحر المهنة الواسع جدا وأضيف بأن كل إنسان يخفي شخصا آخر بداخله لم أضع في حسباني أن أعمل بالإخراج وكانت هنالك عدة نساء يقمن بإخراج البرامج وعلى الهواء مباشرة الآن لا احد يذكرهن الآن… أما في منطقة التمثيليات أو الدراما لم تكن أي أنثى قد دخلت لحقله أو لبحره غيري، ومن صفاتي أنني من جمهورية الذوق ومن أولئك الذين يعتنقوا الفكرة القائلة:  “دع ألف زهرة تتفتح ما دامت تتفتح في حديقتك”.

 بعدما صرت متمرسة بكتابة السيناريو وجدت بأن ما أكتبه لم يصل لي كما أطمح والذين قاموا بإخراج نصوصي (مشكورين) لم يحرصوا على ما وضعته في حقل الصورة، وأنا أدرك تماما بأن النص أو السيناريو أو السكريبت هو  عمل إبداعي فردي أما الإخراج فهو عمل مركب جماعي تشاركي،  والنص عندما يكون على الورق يختلف بطريقة أو بأخرى عن العمل  الذي يصير على شريط ممغنط والمهم بأن لكل مخرج رؤية وهو ربان  العمل ومن حقه أن يضيف أو أن يحذف أو يوجز ويرى النص من وجهة نظره ومن خلال نموذجه البشري ومن خلال ثقافته ومعرفته ، نصي يعجبه ولكن على طريقته.. هنا قررت أن أدخل معمعة الإخراج عام 1974 وبما أن المكان آمن لحد ما في ذلك الحين، والقواعد والتقاليد ضمن المهنة كانت عادلة، فمن حق المساعد المجد والموهوب أن يصبح مخرجا، فأعدت كتابة تمثيلية لي (شجرة العناب) كانت قد قدمت بالإذاعة فحولتها لسيناريو وقمت بإخراجها باسم (الدالية) وهي عبارة عن قصة حياة حماتي. هذه السهرة أخذت صدى طيباً جدا فنيا وجماهيريا، وكان العمل الأول لي مساعدا يطلب أن تتاح له فرصة الإخراج أن يضع في حسبانه بأن عملة سيعرض على لجنة مكونة من كل مخرجي الدراما إلى جانب مراقبي النصوص مع استضافة كتاب وصحافيين مرموقين للعرض الأول الداخلي لعمله.. هذه اللجنة هي من تعطي الدرجة لنجاح العمل.

وعملي (الدالية) أخذ درجة ممتازة، ومن الأقوال التي لا أنساها بأن المخرجون قالوا لي بأن كلمتك أجمل من كاميرتك مع الاعتراف بأن كاميرتي كانت شاعرية أخاذة، أما الكتاب فقالوا كاميرتك أجمل من كلمتك.. هنا اكتشفت بأن في داخلي شخص أخر مخفي خرج من القمقم هو المخرج، أما الجمهور وكان متابعا جيدا لشاشتنا الوحيدة فلقد تابعني باهتمام وانهالت هواتف نساء لا أعرفهن منهن من قالت لي: “مين والدتك بالتأكيد حكت لك قصتي” ومنهن من قالت ” الله يحي البطن يلي حملك حكيت قصتي” ومنهن من طرق باب بيتي لتحكي لي قصة حياتها. الخلاصة كل إنسان هو مخلوق درامي تصلح حياته لتكون عملاً فنياً، المهم الصياغة للعمل كسيناريو أولا ثم يتبعه الإخراج ليلتحق صاحب العمل بجمهورية الذوق.. (وكلمة صياغة آتية من صاغ يصيغ صائغ وهي تتبع للعاملين بالذهب) وعرفت كمخرجة بعد عدة أعمال وأهمها مسلسل موت الياسمين 1979 وهو من تألفي وإخراجي وبالأبيض والأسود. وللعلم لم يكن المردود المادي هو الهدف بالعملية الإخراجية لي أو لغيري بل يحسب ساعات عمل مقابل وظيفته بالهيئة، الكل كان يعمل بإخلاص وتنافس شريف ليكون أحد عناصر جمهورية الذوق.

رويدة الجراح مع صباح جزائري وصلاح قصاص أثناء تصوير مسلسل (موت الياسمين) 1979

س: أهم العقبات التي كانت تقف ضد تطوير الأعمال الفنية؟

يا عزيزتي الأعمال الفنية التلفزيونية دائما في تطور، والمتابع يدرك هذا الأمر جيدا، لدرجة أن خريجي السينما من الدول الأجنبية عندما عادوا التحقوا بالتلفزيون السوري ودخلوا مجال الدراما، منهم من أضاف ومنهم من تعثر، لكن العقبات وهي كثيرة وشائكة هنالك قول يوضح شيء من الأمر.. السياسة لا يمكنها أن تغيب تماما عن هوامش أي عمل إبداعي. فما بالك في وضعنا الذي يلقمنا السياسة مع طعامنا وشرابنا وتنفسنا… ومنذ تأسيس الهيئة العامة  للإذاعة والتلفزيون كانت هي الجهة الوحيدة التي تنتج الأعمال الدرامية وهذه الجهة تابعة للدولة ولوزارة الإعلام وليست هيئة مستقلة، ومر عليها ظروف  كما مر على كل المؤسسات وبما أن المهنة إبداعية ولها خاصية الفن كما لها تقاليد وأعراف لكن لم يستطع العاملون فيها الحفاظ على أسسها، ولا على تنمية وجودها كما يجب أن يكون بسبب الإدارات المتعاقبة، والتي بمجملها تجهل طبيعة العمل الإبداعي… وبعض الإدارات كانت تحقد على المخرجين وهم أرباب العمل وتجبرهم على أنهم موظفين لديها.. الإداري وهو آمر الصرف يحكم الفني وهو المدير والمهني موظف عنده مهما كان عبقرياً، في منتصف فترة السبعينات وقبل الحرب صار للأعمال الدرامية نوع من الحضور الملفت شغل الصحافة والمثقفين وتشكل له جمهور كبير وأخذت في تلك الفترة تتشكل نواة جيدة جدا من المخرجين الذين هم أرباب العمل تواجد سنة 1999مدير عام ورقابة نصوص وبطانة كارهة ومن دون سابق إنذار أمر المدير  العام بنقل كل المخرجين والتابعين لهم من الطابق الثالث المخصص  لهم بمبنى التلفزيون للطابق الأول الحاوي على ثلاتة غرف تخص  مدير التلفزيون ومقابل لها كان هنالك ممر طويل يوصل لباب  كنترول استديو 1 في نهايته غرفة المكياج فرغ مدير التلفزيون غرفتين واحتفظ بالثالثة، وأعطوا رئيس دائرة التمثيليات غرفة وحشر البقية في غرفة لا يمكن أن تسعهم حتى وهم وقوف، أين سيعملون؟ لا يمكن أن أنسى ما حييت كيف كان المدير العام واقفا في فتحة المكان واضعا يده اليسرى في حزام بنطاله وسيجارته متدلية في فمه وبيده اليمنى وبحركة مبتذلة يشير لنا جميعنا بالمغادرة مرددا “يلا يلا لتحت لتحت” خلصونا. كل من حوله من بطانة وموظفين ينظر لنا بشماتة.. كان قد بدأ للتو عصر المخرجين هذا النقل التعسفي أربكنا كلنا…! ضمن الممر الموصل لباب كنترول استديو 1 أحدث المخرجون أكشاك من الخشب حوالي الخمسة أكشاك انحشروا فيها محاولين العمل بشتى الظروف. تعاقب على هذا الجهاز الكثير الكثير من المدراء والوزراء وكلهم لا دراية لهم  بفحوى المهنة وهذا يستلزم كتابة تاريخ الجهاز.. فسؤالك عن العقبات بحر متلاطم لا شواطئ له.

ولكن للأمانة وللمصداقية وللتاريخ فأن الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون صنعت مخرجين ومساعدين ومنفذين وتقنيين فكانت شبه أكاديمية خرجت العديد ممن يعملون بالمهنة على شتى الأصعدة.

هاني الروماني وجمال سليمان في الجزء الأول من (الأخوة) تأليف رويدا الجراح- إخراج رياض ديار بكرلي 1992

س: هل أنت راضية عن الإخراج السوري على الأعمال الحالية؟

منها ما هو جيد ومنها ما هو عادي ومنها ما هو سيء ولكن في جميع أنحاء العالم الحالة الفنية هكذا. ولكن لأخذ العلم كانت الأعمال الدرامية تصنف تحت عنوان الثقافة والمتعة والترفيه وفائدة للمتلقي، حاليا صارت صناعة مربحة ولها دورة رأس المال وهذا له مفاعيل عديدة منها ما يخص الفنان البياع، ومنها ما يخص طلبات جهة الإنتاج… هذه الجهة بالذات من يحدد الأعمال التي تصنع وليس كل من عمل كمنتج له رؤية وثقافة وقيم يريد تواجدها بالأعمال فهنالك منتجون لا يفقهوا المراد من هذه الصناعة إلا أهوائهم وتحقيق الشهرة وينساقون لعقدهم النفسية أعمال هؤلاء هي الأعمال السيئة وهم الاكثرية مع كل أسف.

س: هل لديك حلم بإخراج عمل فني؟ وما الذي أعاقه؟

أنا صرت في عمر الثمانين ورغم هذه السنين مازلت أحلم  بإخراج عدة أعمال هي من كتابتي فأنا لدي كمية الا بأس فيها منها التاريخي والديني والاجتماعي والكوميدي، ولا يمكن القيام بإخراجها إلا في جو آمن وبيئة مناسبة وبالنسبة لي لم احصل على الجو الآمن أو على البيئة المناسبة، أما ما الذي أعاق أعمالي فهي التكتلات (المافيا) التي صارت متواجدة ضمن الجهاز قبل أن أتقاعد ومتواجدة أكثر في القطاع الخاص، التسلسل يا عزيزتي التالي في بداية العمل التلفزيون بدأ عصر المذيعون مشى وصار عصر المخرجون في القطاع الخاص ظهر عصر الممثلون حاليا عصر المنتج أو المنتجون وهؤلاء لهم مفاتيح لا أملكها.

س: أهم الأعمال التي تأثرت فيها وتمنيت إخراجها؟

تأثرت بكثير من الأعمال العربية والأجنبية، وتأثرت بكثير من التجارب وبكثير من الحالات والأحداث والمواقف والظروف التي طرأت على بلدننا وعلى أحوالنا وجوابي ينحصر بالجملة هذه “الحيوانات مخلوقات يتفاهمون ولا يقولون.. البشر مخلوقات يقولون ولا يتفاهمون” تسونامي كنا نعيش داخل  تسونامي من النفاق والتجبر والتنمر والقهر والقمع والإذلال، فقدنا وسائل الاستشعار الموجودة في داخلنا. لم تجد كل وسائل المعرفة في توقيت نهاية هذا التسونامي الذي جرف معه ما جرف من أناس أصحاب مواهب، وجرف معه خصالا جيدة، وجرف أعرافا وتقاليد ضرورية لحياتنا الاجتماعية والفنية، كما جرف تسونامي شرق أسيا كل ما هو موجود على الشواطئ ولم يجرف معه ولا حيوان واحد حقيقة.  لكن في شريعة العقل يعلم كل خبير إن المتغير لابد له من مغير وهذا حصل في 8/12/2024 م.

 س: ماذا تقولين لمخرجي اليوم؟

 من اجتهد ويجتهد ويطور نفسه وعمله يُشاد فيه وبعمله.

س: هل مشكلة الدراما بالنصوص أم بالإخراج؟

أولا وأخيرا البداية من الورق من النص والفكرة التي يحملها النص الجيد هي اللبنة الأولى، وهو الهيكل العظمي الذي يبنى عليه البناء الدرامي كله فعندما يتوفر يكون قابلا للنجاح، وإذا تواجد له مخرج متطور فكريا ولدية ثقافة ومعرفة واطلاع ورؤية يصبح عمال ناجحا جدا.

س: ما هو موقفك من تقليد المسلسلات التركية؟

المسلسلات التركية الآن صارت تعاد كتابتها بالعربي وبتمثيل ممثلين عرب وأكثر فنانينا يسعون للعمل فيها فهي باب رزق مفتوح، والسوق يطلبها وحسب السوق نسوق وهذا يدل على الاستهتار بإمكانية العناصر التي تعرف صياغة الأفكار الفنية وإهمالها، وعلى فقر بالقدرات المالية المسؤولة عن الإنتاج. أما عن نفسي فأنا بالا ساس غير متابعة إلا للأعمال العربية سواء كانت سورية مصرية خليجية مغربية، ناهيك عن بعض الأعمال الأجنبية.

س: أهم وأصعب موقف تعرضت له في عملك وما مدى تأثيره عليك؟

هنالك كتاب لكاتبة كندية اسمها (وليز بوربو) اسم كتابها الجروح الخمسة.. وهي: الخيانة، التخلي، الندم، الإهانة، الظلم. تلك الجروح تجعلنا نتصرف على غير ما نحن عليه كما تجعلنا نلبس قناعا لنخفي تلك الجروح التي تفطر الروح، أضيف من عندي جروح أخرى الجهل، الحقد، الغيرة، الأنا المتورمة، السلب. تعرضت مسيرتي العملية لتلك الجروح العشرة فنقص شعوري بالألم فصمت. وصمت المبدع المقموع هو أنبل أنواع الصمت، لا شيء يهزم الإنسان أبدا إلا مرارته الخاصة. واحمد الله بأنني معافاة صحيا وعقليا وعائليا.. و:

أبكي وأضحك لا حزنا ولا فرحا.. كعاشق خط سطرا في الهوى ومحا

قلب تقلب باللذات وهو فتى .. كبرعم لمسته الريح فانفتحا.

(الأخطل الصغير بشارة الخوري)

في هذه المرحلة من عمري الثمانين أحس بأن قلبي ما زال كبرعم إذا  لمسته ريح عمل فني إبداعي متقن ينفتح.. سواء كان عمل مسرحي أو سينمائي أو تلفزيوني حتى ولو كان أغنية أو دعاية.

على البروشور الذي يخص أعمالي كتبت:

مصيرنا أن نخلق في مرحلة عمياء..

نعيش فوق حقل الألغام..

نصلب لأننا نملك الإدراك..

نقتل لأسباب واهية..

نعبر مساحات الزمن دون زاد..

ذلك لأننا وجدنا لنكتب الرسائل.

رسالتي لم يفتح مغلفها بعد..

تيبس صمغ الإغلاق وتلون بلون العصر..

وكم يشبه لونه لون الصدأ.. و لكن في زمن ما.. في يوم ما.. في وقت  ما.. سيقرؤها من كتبتها إليهم

 وسيكتشفون بأن زنابق بوحي وجرأتي.. وياسمين جرحي وملحي..لم تمت.. رغم تراكم الوحل.. والرماد.. والغبار “ رويدا

في النهاية آخذ هذه الفقرة من كتاب عالم صوفي في فصل فرويد:

نحن الكرة الكبيرة التي تطوف حول الشمس المحرقة في حضن الكون، ولكن كلمنا هو أيضا زورق يجتاز الحياة مع حمولته من المورثات فإذا أوصلنا بضاعتنا إلى مرفأ آمن لانكون قد عشنا حياتنا عبثا “.

بطاقة فنية:

كاتبة ومخرجة درامية منذ سنة 1961لغاية 2003 م.

الأعمال بالأبيض والأسود

الصفقة: صياغة سيناريو وحوار عن قصة أجنبية.

مساكين: مسلسل اجتماعي رمضاني صياغة سيناريو وحوار برفقة المبدع عمر حجو. (30) ساعة تلفزيونية.

حكايات شهرزاد: مسلسل رمضاني صياغة سيناريو عن قصص ألف ليلة وليلة. (11) ساعة تلفزيونية.

كلمات وشخصيات: صياغة سيناريو عن الأشخاص حول رسول الله صلى  عليه وسلم. (30) نصف ساعة تلفزيونية.

البصارة:  قصة و سيناريو وحوار عمل اجتماعي دمشقي (9) ساعات تلفزيونية.

الدالية: قصة وسيناريو وحوار وإخراج سهرة تلفزيونية.

محطة صغيرة: صياغة سيناريو وحوار وإخراج سهرة تلفزيونية.

موت الياسمين: قصة وسيناريو وحوار وإخراج. (9) ساعات تلفزيونية.

الأعمال بالملون:

أغان وطينة من نتاج شعراء الأرض المحتلة فلسطين، سيناريو وإخراج.

قطار الزمن: برنامج منوعات لمناسبة رأس السنة الميلادية سيناريو وحوار وإخراج.

أرملة الجافل: صياغة سيناريو وإخراج سهرة تلفزيونية.

طقوس الحب والكراهية: صياغة سيناريو وحوار(30) ساعة تلفزيونية.

الأخوة: الجزء الأول (15) ساعة والجزء الثاني (11) قصص وسيناريو وحوار.

أسماء الله الحسنى: إعداد وإخراج (30) نصف ساعة تلفزيونية.

اللحاف: قصة وسيناريو وحوار وإخراج (تمثيلية تلفزيونية).

أيامنا وأيام زمان: فكرة وسيناريو وحوار وإخراج. برنامج تمثيلي مع  لوحات مغناة تخص رمضان والبيئة الشامية (10) ساعات تلفزيونية.

ساعات السفر: قصة وسيناريو وحوار وإخراج (3) ساعات تلفزيونية.

**هذا إلى جانب إعادة صياغة سيناريو لعدد من الأعمال التي لا أضع اسمي عليها ولا أخذ عليها أجرا. هكذا عاش جيلي من الفنانين.

زر الذهاب إلى الأعلى