العربي الآن

الرياضة السورية في ظل حكم الأسد: هل تستحق أن نقوم بتشجيعها؟

العربي القديم- علاء طرقجي

في كل مرّة يلعب منتخب سوريا لكرة القدم في بطولة ما، مثل كأس آسيا المقامة حالياً في دولة قطر، أو عندما يلعب في التصفيات الآسيوية المؤهلة الى كأس العالم، تتعالى أصوات السوريين المؤيدين للنظام، وفئة مغرّر بها من السوريين المعارضين له وتطالبنا ″ نحن الخونة وعملاء الناتو″ بفصل الرياضة عن السياسية، وتشجيع المنتخب والوقوف خلفه؛ بحجة أن هذا منتخب الوطن الذي سوف ينثر الياسمين الدمشقي في أروقة الفيفا، وليس منتخب البراميل ″كما نطلق عليه″ الذي يمثّل النظام السوري، والذي حاول عن طريقه كسر العزلة التي كانت مفروضة عليه في العديد من المجالات والرياضة أحدها.

لن أدخل في جدلية: هل يمثل المنتخب سوريا، أم النظام السوري؟ كون هذا الموضوع تم تناوله منذ سنوات في العديد من النقاشات، عوضاً عن ذلك سوف أطرح سؤالاً، ثم أقوم بالجواب عنه، والسؤال هو: هل تستحق الرياضة السورية، في ظل نظام الأسد الأب والابن أن نقوم بتشجيعها؟

المقولة التي تشهد برعاية السيد الرئيس للرياضة والرياضيين بعد أن رأى فيهم حياة!

قطعة عسكرية تابعة للجيش!

تُدار الرياضة في سوريا عموماً، وكرة القدم على وجه الخصوص، من قبل النظام السوري، مثلها مثل أي قطعة عسكرية تابعة للجيش، أو على أنها فرع من فروع الأمن، وقد تكون سوريا هي البلد الوحيد الذي يرأس اتحادها الرياضي ضباط من الجيش والقوات المسلحة، مثل العميد فاروق بوظو، والعقيد حسن سويدان، والعميد حاتم الغايب الذي كان في وقت ما لاعباً في نادي الشرطة، وكان اللاعب الذي لا يمرّر الكره له يتعرّض لعقوبة عسكرية، تبداً من حلاقة الشعر على الصفر، وقد تنتهي بالسجن!

أمّا على صعيد الملاعب والصالات الرياضية في سوريا، فهي جميعها مقدمة من عائلة الأسد، وقاموا ببنائها على نفقتهم الخاصة؛ لذلك من حقهم أن يقوموا بتسميتها بأسمائهم (مدينة باسل الأسد الرياضية، صالة الأسد الرياضية، ملعب الأسد)، وعلى مبدأ من حكم بماله ما ظلم، قامت عائلة الأسد بوضع صورها على رزقها، فعند دخول أي ملعب، أو صالة رياضية نجد الصور الشهيرة الثلاث لحافظ، وباسل، وبشار الأسد، وتحت كل صورة عبارة تشعر بأن من قام بكتابتها هو عضو قيادة قطرية، أو أمين شعبة لحزب البعث. حافظ البطل – باسل المَثل – بشار الأمل.

الجماهير وطعم الانتصار

بالرغم من ذلك كان للرياضة في سوريا، وتحديداً لكرة القدم جماهيرها العريضة؛ الأمر الذي جعل القيادة السياسية تقوم بدراسة هذه الجماهير دراسة تفوقت فيها على غوستاف لوبون، وكتابه الشهير “سيكولوجية الجماهير”.

وبما أن الرياضة فيها رابح وخاسر فتحت القيادة أبواب الملاعب للجماهير؛ لكي تشجّع فريقها، وفي حال فوزه، فإن هذه الجماهير تشعر بطعم انتصار مزّيف يعوضها عن خساراتها العديدة، ابتداءً من الانهزامات المتكررة لمحور المقاومة والممانعة، وصولاً إلى النكبات اليومية التي تتعرض لها هذه الجماهير في لقمة عيشها، أمّا في حال خسارة الفريق، فإن جماهيره تقوم بالتنفيس عن غضبها، وإفراغ ما في صدورها عن طريق شتم اللاعبين، وشتم الحكم، وشتم القيادة الرياضية (وليس السياسية طبعاً).

أذكر في إحدى المباريات التي كنت حاضراً فيها مع أصدقائي، كان اسم أحد الأصدقاء غاندي، وكان لدى فريق الاتحاد الحلبي لاعب محترف جديد أفريقي الجنسية، وقام هذا اللاعب بإضاعة فرصة محققة لتسجيل هدف، فسأل واحد من الجمهور صديقاً آخر، وهو غاضب: ما اسم هذا اللاعب؟ فجاوبه صديقي: اسمه غاندي. فبدأ هذا المشجّع بشتم غاندي، وتبعه مشجع ثانٍ، فثالث إلى أن أصبح العدد كبيراً من الجمهور الذي يشتم غاندي على أنه اللاعب الأفريقي الجديد.

قانون الفسيفساء السورية

وهنا يسأل السائل: ألا تخاف الأنظمة الديكتاتورية من الجماهير، فكيف تترك قيادتنا السياسية الحكيمة تلك الجماهير تهوج وتموج على مزاجها؟ الجواب هنا بسيط: القيادة الحكيمة، ولكي تضمن السيطرة على هذه الجماهير قامت بتطبيق قانون الفسيفساء السورية، فكانت ترسل عناصر حفظ النظام للتواجد في الملاعب وتطويقها، لكنها لم تكن تضع عناصر حفظ النظام من ذات المدينة التي تجري المباراة فيها، فتقوم بإرسال عناصر من الدير إلى حلب، ومن اللاذقية إلى حماة وهكذا، وطبعاً هنا الهدف واضح؛ كي لا يكون في قلوب هذه العناصر أي تعاطف مع الجماهير في حالة الشغب… ناهيك عن كمية الإذلال التي يتعرض لها الجمهور، والتي تصل إلى حد الضرب، من قبل عناصر حفظ النظام، أثناء دخول وخروج الجمهور من الملعب، وطبعاً هذا التصرف هو تصرف ممنهج، ومكمّل لسياسة إذلال المواطن السوري من قبل قيادتنا الحكيمة.

صدمتي الرياضية في مدريد

في زيارتي الأولى لحضور مباراة لنادي ريال مدريد في ملعب سانتياغو برنابيو في العاصمة الإسبانية مدريد ذهبت قبل المباراة ب 3 ساعات؛ وذلك لضمان حصولي على مقعدي، وتجنب الازدحام، والتدافع، كما تعودت عند حضوري لمباريات الدوري السوري؛ المفاجأة أني لم أجد ولا مشجّعاً واحداً في محيط الملعب، ولم تبدأ الجماهير بالوصول إلا قبل المباراة بحوالي ساعة، ومع أن الملعب الذي يتسع لقرابة ال 80 ألف مشجع كان ممتلئاً يومها، إلا أن خروج الجماهير من الملعب، بعد انتهاء المباراة لم يستغرق أكثر من نصف ساعة؛ نتيجة التنظيم الكبير والتزام الجماهير بالتعليمات. يومها كم تمنيت أن يكون رئيس ريال مدريد فلورنتينو بيريز مكان القائد الخالد أبداً.

الصالات معتقلات والملاعب منصات إطلاق صواريخ

أعلم أن السوريين بحاجة الى فرحة بعد كل ما مروا به، وأنهم يبحثون عن هذه الفرحة بانتصار، أو تأهل المنتخب السوري لكرة القدم إلى بطولة كبرى، ولا أخفيكم القول لا أكون سعيداً، عندما أضطر إلى تشجيع منتخبات أستراليا، وأوزبكستان، والهند، عندما تلعب ضد المنتخب السوري، لكن عدم سعادتي هذه لا تُقارن بالألم الذي سوف أشعر به، عندما يقوم لاعبو المنتخب بإهداء فوزهم وانتصارهم إلى سيادة الرئيس راعي الرياضة والرياضيين الذي كان يستخدم الصالات الرياضية كمعتقلات، ويضع في الملاعب منصات إطلاق صواريخ؛ ليقصف فيها المناطق التي كان ذنب أهلها الوحيد أنهم معجبون بكلمة ″حرية″.

زر الذهاب إلى الأعلى