أرشيف المجلة الشهرية

صلابة أبي هشام العجيبة

بقلم: تيسير خلف

كنت أسمع عن صلابة المناضل رياض الترك، إلى أن رأيت موقفاً منه بعيني. ذات مساء بارد من شهر تشرين الثاني 2005 كنت جالساً عند قائد فلسطيني كبير، مع صديق جزائري يصور فيلماً عن القضية الفلسطينية. في ذلك اليوم ظهرت مقابلة هسام هسام، الشاهد المدسوس في قضية الحريري، على إحدى الفضائيات.

وإذ بجوالي يرن، ويظهر اسم الصديق المرحوم حكم البابا. قال: أين أنت؟ قلت: في المزرعة. قال: أنا قريب، ومعي أبو هشام، يقصد رياض الترك، وأريدك أن توصله إلى القصاع إلى بيت فلان الفلاني؛ لأن الأمن يبحث عنه، وسيارة حكم الفولكس فاكن الحمراء معروفة من جانب المخابرات.

اتفقنا أن نلتقي عند مكتب سيارات محدد في المزرعة، وخلال دقائق حضرت فوجدت حكم ينتظرني، فأنزل أبا هشام وقال له: تيسير سيوصلك، وغادر فوراً.

قبل أن يصعد إلى سيارتي أتاه اتصال هاتفي من باريس على ما يبدو، فراح يتكلم بصوت عالٍ؛ لأن سمعه خفيف وكان يضع سماعة، وسار حتى استقر قرب مفرزة المخابرات عند مكتب جماعة جبريل، وفجأة سمعته على مسافة 50 متراً يقول بالحرف الواحد:

  • قل للبيانوني إنه لا النظام، ولا مخابراته يمكن أن يخوفونا.

ركضت نحوه قبل أن ينتبه عناصر المفرزة، وشبه حملته إلى السيارة، وطرت به إلى القصاع، خلف المشفى الفرنسي.. استغرب من حركتي، فقلت له: أبا هشام أنت كنت تتكلم أمام مفرزة من فرع فلسطين، فقطب، وقال:

  • شي بيهوي، شو يعني؟

وصلنا إلى قرب بيت الأستاذ ميشيل كيلو، ولم يكن هو مقصدنا، فقد كان رياض الترك لا يكلم ميشيل في تلك الأيام، بل كانت وجهتنا إلى بيت قريب من بيت الأستاذ ميشيل. ولكن المفاجأة هو وجود دورية للمخابرات الجوية تحوم حول بيت الأستاذ ميشيل، وتدقق بالسيارات التي تعبر من الشارع.. مررت قربهم وألقيت عليهم السلام مبتسماً، مضيت بثقة إلى البيت المقصود.. والله سلم ووصل أبو هشام إلى قواعده سالماً، إذ وجدت الرجل الذي سيستضيفه عند باب البناية.

كان الأستاذ رياض الترك يومها تحت الإقامة الجبرية في بيته في حمص، وكان يتسلل إلى دمشق تسللاً، وبطرق عجيبة.

________________________

 من مقالات العدد التاسع من مجلة (العربي القديم) الصادر عن شهر آذار/ مارس 2024

زر الذهاب إلى الأعلى