قصة لوحة: لا تلعب معهم يا سيوم
رسم وكلمات: خير الدين عبيد
كنا صغاراً، أنا وأولاد حارتنا، نلعب ونغنّي، وكان (سيوم) يلعب معنا.
اسمه وليد، عندما كان عمره ثلاثَ سنوات، أصيب بمرض وتأثر عقله.
كان يخلع حذاءه على باب بيته، ويركض حافياً في الطريق، مؤرجحاً رأسه الكبير يميناً وشمالاً، ناكشاً شعره الرصاصي، مغنياً: سيوم سيوم سيوووم.
كل الأولاد يضحكون عليه، ويضحك لضحكهم، يُعذّبونه قرصاً ودغدغةً ورشقاً بالتراب، فيقفز كمهر دائراً حولهم كأنهم يلاعبونه، يشدونه من أذنيه الصغيرتين كي تكبرا، ينطحونه.. يضربه أحدهم على مؤخرته بالعصا فيجمد.
يميل رأسه مبهوتاً يمنةً ويسرة، ثم يركض حولهم، يركض كحصان بري، في الدورة الثانية أو الثالثة وربما السابعة ينفجر باكياً متوجهاً إلى بيته، في حالته هذه لايقول أبداً: سيوم سيوم، يدفع الباب متعثراً بحذائه متجهاً إلى بركة الماء التي تتوسط باحة داره، يغط رأسه الكبير فيها، يبقبق، يقف هادئاً جاحظ العينين، يمشي دائراً حولها، يلمح أمه الباكية فاتحةً ذراعيها، فيقف. يقتربان من بعضهما، تعاتبه: قلتُ لك ألف مرة لا تلعب معهم يا سيوم أما قلت لك؟
يلفها من خصرها ماسحاً الماء عن وجهه وشعره بفستانها وينظر عالياً إلى وجهها الباسم الحزين، يلمح في عيني أمه سماءً أكبرَ من تلك التي رآها منعكسةً في بركة الماء فيرتاح، يلتصق بها داعساً على قدمها دون أن يشعر أو تطلب منه أمه أن يزيحها، لتنقط في ذات اللحظة أربع نقاط من الماء، اثنتان من شحمتي أذنيه الصغيرتين واثنتان من عيني أمه الواسعتين.
منذ أربعين عاماً لم أره، لكنني دائماً أسمع كلمة: “سيوم… سيوووم”، أنظر حولي، فأرى في نهاية الشارع رجلاً رصاصي الشعر يقفز ويدور ثم يركض مختفيا بين البيوت.