السوريون الذين غنوا أشعار نزار.. لماذا نجهلهم؟!
توثيق: محمد منصور
يعرف معظمنا أسماء المطربين العرب الذين غنوا أشعار نزار قباني، بدءاً من قمم الغناء العربي كأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، ومحمد عبد الوهاب، ونجاة الصغيرة من مصر، إلى فيروز وماجدة الرومي وعاصي الحلاني من لبنان، إلى كاظم الساهر من العراق، ولطيفة التونسية وصابر الرباعي من تونس، وقد اكتشفوا في السنوات الأخيرة أن البحريني خالد الشيخ ليس الوحيد الذي غنّى أشعار نزار من مطربي الخليج، فقد سبقه السعودي طلال المدّاح، حين غنى أبياتاً من قصيدة: “متى ستعرف كم أهواك”. لكنهم للأسف يجهلون الأصوات السورية التي غنّت أشعار نزار، ولا يكاد يُذكر سوى أصالة، في قصيدة (اغضب) التي لحّنها لها المصري حلمي بكر.
فمن هي الأصوات السورية التي غنت أشعار نزار قباني، ومن هم الملحنون السوريون الذين لحّنوا أشعاره؟
زكية حمدان: لماذا؟
عام 1955 ابنة حلب المطربة السورية زكية حمدان (1925- 1987) كانت أول من غنّى أشعار نزار من الأصوات السورية، حيث لحّن لها الملحن اللبناني خالد أبو النصر، قصيدة (لماذا) التي كان قد نشرها نزار في مجلة (الأديب) اللبنانية الشهرية عام 1952، قبل أن تصدر ضمن ديوانه (قصائد) عام 1956، وكان خالد أبو النصر من الملحنين المشهورين في تلك الفترة، حيث لحّن لفيروز، ونور الهدى، ولور دكاش، وسواهنّ من النجمات الصاعدات في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين.
نجيب السراج: بيت الحبيبة
عام 1958 اختار ابن حماة، المطرب السوري نجيب السرّاج قصيدة (يا بيتها)، وهي من ديوان (قصائد) أيضاً، وقد أسمى القصيدة (بيت الحبيبة)، وقام بتلحين أبياتها كاملة، ومنها:
أعطيك من أجلي وعينيا يا بيتها .. في آخر الدنيا
ويئن بابك .. بين جنبيا يا ضائعاً في الأرض ، يا نغماً
نوار مر عليك، وانفتحت أزواره، لا فيك بل فيا
تهمي سماوياً.. سماويا ومغالق الشباك مشرعةٌ
درجاته وهمٌ.. وسلمه يمشي .. ولكن فوق جفنيا
يا بيتها.. زوادتي بيدي والشمس تمسح وجه واديا
(بالميجنا) و(الأوف) و(الليا)”.
ولفت لحن السرّاج اهتمام الموسيقار محمد عبد الوهاب، فكانت هذه الأغنية سبب تعارفه مع نجيب السرّاج، فقد أعجب عبد الوهاب بالبيت الذي يقول فيه نزار:
وبلاد آبائي مغمسة بالميجنا والأوف والليا
حيث قام نجيب السراج بتلحين الكلمات الثلاث حسب النغمات التراثية المشهورة: الميجنا، الأوف، الليّا.. فقال له عبد الوهاب متعجباً: “الله… إزاي شككتهم بالشكل ده؟!”
فهد يكن: علّمني حبّك
عام 1986 اختار المطرب والفنان التشكيلي السوري فهد يكن أبياتاً من (قصيدة الحزن) المنشورة في ديوان (قصائد متوحشة) الصادر عام 1970، ليغنيها بتلحين رضوان رجب، وذلك قبل 10 سنوات من غناء كاظم الساهر لها تحت عنوان (مدرسة الحب)، والتي يقول مطلعها:
علمني حبك أن أحزن
وأنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن
لامرأة أبكي بين ذراعيها
مثل العصفور..
لامرأة.. تجمع أجزائي
كشظايا البلّور المكسور.
لكن هذا اللحن لم ينتشر كثيرا رغم جمال صوت فهد يكن، ربما بسبب إهمال وسائل الإعلام في سورية للأغنية السورية، ناهيك عن اعتزال المطرب للفن وهجرته خارج سورية في تسعينيات القرن العشرين.
ربى الجمال: لماذا تخليت عني؟
عام 1987 المطربة السورية ربى الجمال (1966-2005) تسجل لإذاعة دمشق قصيدة (لماذا) التي سبق أن غنتها المطربة السورية زكية حمدان، تتألق بألحان الملحن السوري سعيد قطب، كما تصورها في إستوديوهات التلفزيون السوري، وبعدها بـ (12) عاماً سيعود كاظم الساهر لتلحين القصيدة ذاتها، لتغنيها المطربة المصرية غادة رجب عام 1999.
وعلى موقع الفيديو الشهير (يوتيوب) ينتشر التسجيل المصور لأداء ربى الجمال لهذه القصيدة، فيُذهل سامعيه بعبقرية أداء هذه المطربة ذات الصوت الخارق والتي رحلت في ظروف مأساوية بعد حفلة مشؤومة لها نظمتها لها هيئة الإذاعة والتلفزيون في سوريا، وتسببت لها بجلطة دماغية أدت لوفاتها لاحقاً.
أصالة: اغصب
عام 1994 أصالة تغني لأول مرة من أشعار نزار قباني، الذي اختارها لأداء قصيدة (اغضب) المنشورة في ديوانه (الرسم بالكلمات) الصادر عام 1966، وقد قام بتلحين هذه القصيدة الملحن المصري حلمي بكر، في أول لقاء له مع أشعار نزار:
اغضبْ كما تشاء..
واجرح أحاسيسي كما تشاء
حطم أواني الزهر والمرايا
هدد بحب امرأةٍ سوايا..
فكل ما تفعله سواء..
كل ما تقوله سواء..
فأنت كالأطفال يا حبيبي
نحبهم.. مهما لنا أساؤوا.
ميراي مصطفى: امرأة شرقية
2001 – المطربة السورية ميراي مصطفى (ليلى مصطفى) تغني أبياتاً من قصيدة (قطتي الشامية) المنشورة في ديوان (قصائد متوحشة) الصادر عام 1970. لحّن هذه القصيدة الملحن السوري مهدي إبراهيم، وسميت الأغنية (امرأة شرقية) وقد حصدت جائزة المايكروفون الذهبي في مهرجان الأغنية العربية الذي استضافته دمشق عام 2001، أمّا الأبيات التي اختيرت من تلك القصيدة فهي:
أمنيتي تلك وما عندي أغلى من تلك الأمنية
لو أملك زاوية بيديك لكنت ملكت البشرية
خبئني.. في خلجان يديك فإن الريح شمالية
خبئني في أصداف البحر وفي الأعشاب المائية
خبئني.. في يدك اليمنى خبئني.. في يدك اليسرى
لن أطلب منك الحرية فيَداكَ هما المنفى
وهما.. أروع أشكال الحرية
أنت السجان.. وأنت السجن وأنت قيودي الذهبية
قيدني.. يا ملكي الشرقي فإني امرأة شرقية
المجموعة: ترصيع بالذهب على سيف دمشقي
2004 – كورال سوري يؤدي أبياتاً من قصيدة نزار (ترصيع بالذهب على سيف دمشقي) التي كتبها عام 1974، وصدرت عام 1975 ضمن ديوان حمل العنوان ذاته مع قصيدة أخرى هي (حوار ثوري مع طه حسين)، الأبيات لحّنها اللبناني شربل روحانا، لتكون شارة للمسلسل السوري (فارس بني مروان) الذي كتبه محمود عبد الكريم، وأخرجه نجدة أنزور، أما الأبيات المختارة التي تم غناؤها فهي:
يا ابنـة العم… والهوى أمويٌ كيف أخفي الهوى وكيف أبين
آه يا شام.. كيف أشرح ما بي وأنا فيـك دائمـاً مسكون
يا دمشق البسي دموعي سواراً وتمنّي.. فكلُّ شيء يهونُ
بك عَزَتْ قريشُ بعد هوان وتلاقتْ قبائلٌ وبطونُ
هزم الروم بعد سبع عجاف وتعافى وجداننا المـطعـون
صدق السيفُ حاكماً وحكيماً وحدَه السيفُ يا دمشقُ اليقينُ
سبَقتْ ظلَّها خيولُ هشام وأفاقت من نومها السكينُ
علمينا فقه العروبـة يا شام فأنتِ البيـان والتبيـيـنُ
مزقي يا دمشق خارطة الذل وقولي للـدهر كن فيـكون
أصالة: القصيدة الدمشقية
2005- المطربة السورية أصالة نصري تغني أبياتاً من (القصيدة الدمشقية) التي كتبها نزار عام 1988، ونشرها في ديوانه (الكبريت في يدي ودويلاتكم من ورق) الصادر عام 1989، وقد تم اختيار أبيات من هذه القصيدة، لتكون شارة مسلسل (نزار قباني)، وقد قام بتلحينها الملحن رضوان نصري.
أصالة: من أين يأتينا الفرح؟
2010- المطربة السورية أصالة نصري تغني أبياتاً من قصيدة (من قتل مدرس التاريخ) المنشورة في ديوان (خمسون عاماً في مديح النساء) الصادر عام 1994. الأغنية حملت عنوان (من أين يأتينا الفرح) وقد صدرت ضمن ألبوم بعنوان (قمعستان) قدم فيه الملحن القطري عبد العزيز ناصر ( 1952 – 2016) سبع قصائد سياسية من أشعار نزار، بأصوات عدد من المطربين العرب إلى جانب أصالة، بينهم: هاني شاكر من مصر، وماجد المهندس من العراق، ولطيفة من تونس، وطلال سلامة من السعودية. أما الكلمات التي غنتها أصالة من القصيدة المذكورة فهي:
من أين يأتينا الفرح من أين
أطفالنا ما شاهدوا في عمرهم قوس قزح
من أين يأتينا الفرح من أين
ما طال طير عندنا إلا انذبح
من أين يأتينا الفرح من أين
ولا نبي جاءنا إلا بأيدينا انذبح
من أين يأتينا الفرح؟
___________________________
من مقالات العدد السادس من مجلة (العربي القديم) الخاص بالذكرى المئوية لميلاد نزار قباني – كانون الأول/ ديسمبر 2023