نحن وروسيا: تاريخ الجرائم وأفق المصالح
التقارب الحذر مع روسيا حاليا يمكنه أن يحيد خطر الفلول الذين يستميتون للحصول على الدعم الروسي في إحداث حالة انفصالية في الساحل شبيهة بقسد.

محمود القداح – العربي القديم
كنت كما كان كثير من السوريين غيري من أنصار قطع العلاقات الدبلوماسية مع روسيا بشكل نهائي بعد انتصار ثورتنا مباشرة، عقابا لها على تحالفها الإجرامي مع النظام البائد.
ومؤخراً عقد اجتماع مع وفد روسي رفيع المستوى في دمشق أثار غضب الكثير من السوريين واستهجنوا تصريحات وزير الخارجية التي تحدثت عن عمق وأهمية العلاقات مع روسيا!
لا شك أننا عاطفيا نكره الدور الإجرامي الذي لعبته في تدمير مدننا وارتكاب مئات المجازر وكان تدخلها أحد أسباب بقاء النظام لفترة أطول. لكن ما يجري في سورية منذ تحريرها يفرض علينا ألا نتسرع في اتخاذ قرارات قد نندم عليها مستقبلا من مبدأ (عدم وضع البيض في سلة واحدة).
فالغرب عموما وتحديدا أمريكا قدم نفسه بعد التحرير كحليف يمد لنا يد العون لانتشالنا من الوضع المزري الذي تركنا فيه النظام السابق.
لكننا لم نر للآن سوى وعودا خلبية، وتسويفا ومماطلة لا مبرر لها في حسم ملفات هامة، لابد منها لضمان الوحدة الجغرافية وفرض السيطرة الكاملة على الأرض، تمهيدا للتعافي والبدء بالإعمار والبناء.
لا يخفى الخبث الأمريكي في التعاطي مع ملف قسد؛ فالدعم الأمريكي السياسي والمادي للانفصاليين مازال مستمرا! وهذا ما يمنع من تطبيق أي اتفاق، بل ربما يتم التملص بطلب أمريكي صهيوني أوروبي في محاولة ابتزاز السلطة الجديدة والضغط عليها في ملفات أخرى، والأخطر أن يكون لشراء الوقت ريثما يجدون وسيلة للقضاء عليها، دون أن يثير ذلك فوضى عارمة يخشون انفلاتها وعدم القدرة على السيطرة عليها، نظرا للدعم الواسع الذي تحظى به من غالبية الشعب السوري.
تستطيع أمريكا أن تنهي تلك الحالة الانفصالية بأيام قليلة من خلال رسالة واضحة من البيت الأبيض تأمرهم بحل تنظيمهم وتسليم أسلحتهم. وهذا ينطبق تماما على الحالة الهجرية في السويداء، التي يتعالى صوتها بسبب دعم صهيوني علني وموافقة ودعم أمريكي خفي لنفس الأسباب السابقة.
إن التقارب الحذر مع روسيا حاليا يمكنه أن يحيد خطر الفلول المتواجدين في الساحل، والذين يستميتون للحصول على الدعم الروسي في إحداث حالة انفصالية في الساحل شبيهة بقسد. وهذا ما تسعى الحكومة السورية إلى مواجهته، إضافة إلى كسب معارضة روسية للحالات الانفصالية التي تدعمها أمريكا وإسرائيل. ورغم عدم الندية لكن لروسيا وزنا ومصالحا لا يمكن أن يغفلها الغرب، لأن لديها القدرة على خلط الأوراق والمناكفة إذا أرادت. فالأفضل في الوضع الراهن مهادنة روسيا وكسب ودها مع الحذر منها وعدم الثقة بها أيضا.
وكثر من ذلك نتمنى أن تسعى الحكومة لفتح قنوات اتصال مع الصين، ومحاولة التقرب منها، لأنها العدو اللدود والند الأقوى للتحالف الغربي، وهذا ما قد يدفع أمريكا لتنفيذ ما وعدت به والتوقف عن دعمها لكل الحالات الانفصالية، ومنع إسرائيل من مواصلة عدوانها وتوغلاتها.
بالأمس اعتدت إسرائيل على قطر وهي أحد أهم أصدقاء أمريكا وشريكها الاقتصادي الكبير، لكن هذا لم يشفع لها، ولم يرد عنها صولة العدوان بل إن هذا ما كان ليحدث لولا الموافقة الأمريكية!
خاصة بوجود قاعدة العيديد أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، وربما تم ذلك بأمر منها على أمل أن تغلق ملف حماس، الذي أقض مضجع الغرب الإمبريالي الصهيوني وفضح عجزه أما غزة وحدها وخشية من تكرار هذا في مناطق أوسع وعلى مستوى دول، يمكن حينها أن تكتب نهاية الكيان ومن خلفه السيطرة الغربية على الشرق الأوسط وإلى الأبد.
بعد هذا العدوان السافر يفترض بالعرب جميعا أن يلتفتوا إلى الصين ويتقاربوا معها حاليا والتلويح للغرب بالتحالف معها وهذا بالتأكيد ما لا يريده الغرب ويخشاه.
على العرب أن لا يكتفوا بالتحالف مع الغرب الذي أفقدهم سيادتهم وكرامتهم وأراق ماء وجوههم تحت أقدام الصهاينة. فإلى متى هذا الخنوع الذي كلما تمادوا فيه أوقد نارا وأيقظ بركانا في صدور أبناء هذه الأمة يكاد أن ينفجر غيضا وحنقا.