العربي الآن

عن الخوف والقهر خلال ستة عقود: لم ننسَ ولم نتعافى!

 أسوأ أنواع الخوف هو ما نعيشه اليوم ونحن ننتظر قدرنا المجهول

صبري عيسى- العربي القديم   

لم يكن امامنا خلال ستة عقود  سوى التعايش مع الخوف الساكن في رؤوسنا، ننام ونستيقظ على خوف، نمشي في الطريق ونتلفت حولنا يميناً وشمالاً ونتلفت كل دقيقة الى الوراء حتى نطمئن أن لا أحد يتبعنا، ومع أننا كنا متأكدين ان (الملاكين) الذين يجلسان على أكتافنا لتوثيق سلوكنا ورصد حسناتنا وسيئاتنا من أجل حسابنا المفتوح يوم القيامة ، كانا يرفعان نسخة من تقاريرهم الى الأجهزة الأمنية لتبرئة ذمتهم لأن هناك من يراقبهم في حال التقاعس عن أداء واجبهم الأمني حرصا على سلامة الوطن من أمثالنا، وهكذا تعايشنا مع الخوف، وعندما نتحاور مع بعضنا البعض كنا نتلفت حولنا خوفاً من أي غريب يتنصت علينا، ونضطر الى تغيير موضوع الحوار، حتى لو كان عن لون السماء!

الخوف هو الحقيقة الوحيدة التي مارسناها بحرية، وفي المراحل المبكرة من العمر كنا نخاف من الظلام ثم أصبحنا نخاف من عصا المعلم في المدرسة، وبعد سنوات أصبحنا نخاف من عصا الشرطي، ومن تقارير المخبرين الكاذبة، وكبر الخوف في داخلنا عندما أفلحت الأنظمة في تخويفنا من الإمبريالية، ونجحت في تحميلها كل مصائبنا بدءاً من الهزائم المتلاحقة ومروراً بالفساد والغلاء… إلخ.

وبسبب الخوف شاركنا في مسيرات الغضب ضد الإمبريالية والرجعية، وأقمنا الأفراح والليالي الملاح في مناسبات زيادة الرواتب والمنح النقدية التي تتكرم بها حكوماتنا لمساعدتنا في تامين الخبز ودفع فواتير الكهرباء والماء التي يتم حجبها عنا (بسبب التقنين) معظم الأيام، ومع ذلك لابد من الاعتراف أن حكوماتنا المتعاقبة كانت تدعونا إلى المشاركة في الانتخابات البرلمانية وكل أنواع الانتخابات والاستفتاءات، صحيح أن أصواتنا لا تقدم ولا تؤخر في النتائج المعروفة مسبقاً، إلا اننا ومن قبيل رد الجميل للحكومة، كنا نشارك في الاحتفالات التي تقيمها بمناسبة (الفوز الكاسح) لقوائم الجبهة الوطنية التقدمية في كل الانتخابات التي كانت تجريها حتى لو كانت انتخابات لنقابة عمال التنظيفات !!

الآن اختلف الوضع… ولدت لدينا مخاوف أخرى… أصبحنا نخاف من انقطاع الكهرباء والماء وفقدان الغاز، ودخلنا في نفق مظلم لا نهاية له، أحلامنا تقلصت الى أدنى من رغباتنا بحياة كريمة !

 أسوأ أنواع الخوف هو ما نعيشه اليوم ونحن ننتظر قدرنا المجهول. صحيح أننا أصبحنا نتحدث بصوت عالٍ دون خوف من فرع مخابرات أو مخبر يكتب فينا تقريراً، وصحيح أن لا شيء يقارن بالنظام البائد، لكننا كسوريين لم نتخلص من الخوف والقلق والحذر الذي سكن عقولنا خلال ستة عقود، وتسببت به خفافيش الظلام التي تنغص علينا حياتنا وفرحنا بالتخلص من أقذر نظام عرفته البشرية  في التاريخ ، ومع ذلك اقول ان القهر الذي بداخلي اكبر من جبل قاسيون ، وانا العن البعث والاسدين الذي سرقوا من عمري ستين عاما ، ولن اسامح واطلب من النظام الجديد احالة الجميع سواء كانوا أمواتا ام احياء الى العدالة حتى يبرد قلبي من القهر الذي يعشعش فيه  !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى