فنون وآداب

استعادة الحقيقة: دور الدراما بعد انتصار السوريين على نظام الإبادة والمسالخ البشرية

مسؤولية تاريخية لتصحيح هذا الإرث الثقافي المشوه والمعادي لقيم الحرية والنزاهة

مصطفى الشحود – العربي القديم

لطالما كانت الدراما وسيلة قوية للتأثير على الوعي المجتمعي وتشكيل الرأي العام. في ظل حكم النظام الفاشي، استخدمت الدراما كأداة لتضليل الشعب وتشويه صورة الثورة ورموزها. أنتجت مسلسلات موجهة بعناية لغسل الأدمغة وتزييف الحقائق ومساندة القتلة، حيث صورت الثوار كوحوش ونسبت إليهم الجرائم التي ارتكبها النظام، بينما كانت تمجد الرئيس والجيش الذي استخدم كل الأسلحة المحرمة بطرق مخزية تهدف إلى خلق ولاء أعمى وإخفاء الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب.

الكاتب: مصطفى الشحود

التحدي أمام الدراما الحرة بعد انتصار الثورة

بعد انتصار الثورة، يقع على عاتقنا مسؤولية تاريخية لتصحيح هذا الإرث الثقافي المشوه والمعادي لقيم الحرية والنزاهة. يجب أن تُصبح الدراما وسيلة لنقل الحقيقة وإعادة بناء وعي الشعب على أسس الحرية والكرامة والعدالة. المهمة ليست سهلة، فالمعركة الإعلامية لا تقل أهمية عن المعركة الميدانية، وتتطلب رؤية واضحة وإبداعًا حقيقيًا لنقل صورة الواقع وإظهار الحقيقة المغيبة.

أعمال مزورة لوت عنق التاريخ لخدمة روايات النظام عن الواقع وسفهت عراقة البيئة الدمشقية (العربي القديم)

خطوات لتقديم دراما تنقل الحقيقة

1. توثيق الأحداث بصدق:

يجب أن تستند الأعمال الدرامية إلى وقائع حقيقية، تُظهر جرائم النظام بوضوح، وتوثق بطولات الشعب في وجه الاستبداد. هذا التوثيق لا يقتصر على الأحداث الكبرى فقط، بل يشمل قصص الأفراد الذين عانوا وقاوموا، مما يخلق اتصالًا إنسانيًا بين المشاهد والقصة.

2. كشف التضليل الإعلامي:

من الضروري تقديم أعمال تسلط الضوء على كيفية استخدام النظام لوسائل الإعلام، بما في ذلك الدراما، لخداع الشعب. يمكن استخدام الكوميديا السوداء أو الدراما الواقعية لتوضيح هذه النقطة، مما يساعد الجمهور على إدراك حجم التلاعب الذي تعرض له.

3. إبراز قيم الثورة:

على الدراما أن تحتفي بقيم الثورة مثل الحرية، العدالة، وحقوق الإنسان، وأن تُظهر كيف ناضل الشعب لتحقيقها. يمكن تقديم قصص ملهمة لأفراد وجماعات رفضوا الخضوع للطغيان وقاوموا بوسائل مختلفة، سواء بالسلاح، الكلمة، أو المواقف الإنسانية.

4. استخدام أساليب فنية مبتكرة:

للوصول إلى جمهور واسع، يجب أن تكون الدراما جذابة من الناحية الفنية. استخدام التصوير السينمائي العالي الجودة، والحبكات المشوقة، والشخصيات المعقدة، يضمن جذب الجمهور المحلي والدولي.

5. توعية الأجيال الجديدة:

يجب أن تكون هناك أعمال موجهة للأجيال الجديدة، لتوضيح حجم التضحيات التي قُدمت، وترسيخ قيم الثورة في أذهانهم. هذه الأعمال يمكن أن تكون في شكل مسلسلات شبابية، أفلام قصيرة، أو حتى برامج تعليمية.

6. التعاون الدولي:

يمكن الاستفادة من دعم المؤسسات الدولية لإنتاج أعمال درامية تعكس الحقيقة وتصل إلى جمهور عالمي. هذا التعاون يساعد في مواجهة السرديات المزيفة التي روجها النظام خلال عقود من رقابته على الدراما، أو طلب أجهزة الأمن من الفنانين التركيز على موضوعات معينة لإيصال رسائل مضللة.

دراما العهر وتشويه قيم المجتمع السوري (العربي القديم)

أهمية الدراما في مرحلة ما بعد الثورة

لا تقتصر أهمية الدراما على توثيق الماضي فقط، بل تلعب دورًا في بناء المستقبل. يجب أن تعكس الدراما تطلعات الشعب لدولة ديمقراطية تحترم الحقوق والحريات، وأن تساهم في تعزيز الهوية الوطنية القائمة على التعددية والعدالة.

إننا أمام فرصة تاريخية لإعادة تشكيل الوعي الجمعي، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي رسخها النظام السابق. الدراما الحرة قادرة على أن تكون صوت الشعب وحارسة ذاكرته، وأن تقدم للعالم صورة صادقة عن معاناتنا ونضالنا من أجل الحرية.

أهمية المصداقية في الدراما

إحدى أهم النقاط التي يجب التركيز عليها في الدراما بعد الثورة هي المصداقية والموضوعية. فالجمهور الذي تعرض لسنوات من التضليل يحتاج إلى رؤية واقعية وغير متحيزة للأحداث. لا ينبغي أن تكون الدراما الجديدة مجرد دعاية معاكسة، بل يجب أن تكون وسيلة لبناء الثقة، عبر سرد القصة كاملة، بما في ذلك الأخطاء والنقائص التي وقعت أثناء الثورة، دون تشويه بطولات الثوار أو تغطية الجرائم التي ارتكبها النظام.

الاستفادة من القصص الفردية والجماعية

التجارب الفردية والجماعية للثوار والمدنيين هي كنز لا ينضب للدراما. إن التركيز على قصص الناجين، والأمهات اللواتي فقدن أبناءهن، والأطفال الذين عاشوا القصف والنزوح، يمكن أن يقدم زاوية إنسانية قوية. هذه القصص تجعل المشاهد يعيش المعاناة والبطولة معًا، مما يسهم في تعزيز التعاطف وفهم أعمق لما حدث.

دور التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي

يجب أن تتكامل الدراما مع أدوات العصر الحديث مثل وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية للوصول إلى جمهور أوسع. يمكن إنتاج محتوى قصير ومؤثر يتم بثه عبر الإنترنت لاستهداف الشباب، مع تسليط الضوء على قصص واقعية وأحداث تاريخية بصورة جذابة.

التأكيد على العدالة الانتقالية

من المهم أن تساهم الدراما في تعزيز مفهوم العدالة الانتقالية، عبر تسليط الضوء على محاسبة المجرمين وتكريم الضحايا. يمكن أن تُنتج أعمال درامية تسرد تفاصيل المحاكمات أو عمليات البحث عن المفقودين، مما يخلق وعيًا مجتمعيًا بأهمية تحقيق العدالة لتضميد جراح الماضي.

الدراما كوسيلة للمصالحة الوطنية

بالإضافة إلى كشف جرائم النظام وتمجيد نضالات الشعب، يمكن أن تكون الدراما أداة للمصالحة الوطنية. فبعد سنوات من الصراع والانقسام، تحتاج المجتمعات إلى أعمال درامية تعزز الحوار وقيم التعايش المشترك. يمكن أن تُبرز هذه الأعمال قصص أفراد من أطياف مختلفة اجتمعوا على هدف مشترك، مما يساعد في بناء جسور الثقة بين مختلف مكونات المجتمع.

التحدي الإبداعي: تقديم الثورة كرمز عالمي

الثورة السورية ليست حدثًا محليًا فقط، بل هي رمز عالمي للنضال من أجل الحرية ضد الطغيان. يجب أن تستهدف الأعمال الدرامية الأسواق الدولية، عبر إنتاج مسلسلات وأفلام تناقش الثورة من منظور إنساني شامل. يمكن لهذه الأعمال أن تقدم الثورة كمثال عالمي على كفاح الشعوب من أجل كرامتها، مما يُعيد تعريف القضية السورية للعالم بأسلوب ملهم.

التوجه نحو الإنتاج المستقل

يعد الإنتاج المستقل وسيلة ضرورية لضمان حرية الإبداع وعدم الخضوع لضغوط سياسية أو تجارية. يمكن دعم هذا النوع من الإنتاج عبر تمويل جماعي أو شراكات مع منظمات دولية، مما يضمن تقديم أعمال درامية تركز على المضمون أكثر من الربح.

خاتمة: بناء ذاكرة للأجيال القادمة

الدراما بعد الثورة ليست مجرد أداة للترفيه أو التوعية، بل هي وسيلة لبناء ذاكرة شعبية تعيش لسنوات طويلة. إنها فرصة لتوثيق الحقيقة وصناعة أعمال تظل شاهدة على نضال الشعب السوري من أجل حريته. بهذا، نكون قد ساهمنا في بناء مجتمع يحترم تاريخه ويستلهم منه لمواجهة تحديات المستقبل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى