نصوص أدبية || مقامة الإخلاص: يكون في ثلاثة.. وشوائبه بالأصالة والإنابة
واعلم يا بني أنَّ الإخلاصَ مراتب، بحسب مزاجه من الشوائب. وشوائبه ثلاثٌ هي النَّفسُ، والناس، والوسواس الخناس

د.نعمان دناور – العربي القديم
أتاني أبي -عليه رحماتُ الله ومغفرته- وقال لي يا بنيّ يا أبا محمد:
إنَّنا محاسبون لا مناص، ثُمّ لا خيار فإمّا جَنّةٌ و إمّا نار، ولا خلاصَ إلّا بالإخلاص.
فيا بنيّ أوصيك بالإخلاص في حركاتك وسكناتك، وخلواتك وجلواتك، وأسأل الله أن يصلح لك النيّة والذرية.
وهمّ أن يبتعدَ بخياله، فتعلقت بأذياله قائلاً يأبي أرى الإخلاصَ سهلَ المقال، صعبَ المنال، فهلّا علمتني مُخْتَصَرَه وذلَّلْتَ لي وَعِرَه؟
فقال يا بني حقيقةُ الإخلاص أن يكونَ همُّك رضا ربّك، وأن تمشيَ بقلبك إلى قصدك، قبل أن تخطو إليه برجلك، وأن يكون هواك تبعاً لرسول مولاك.
واعلم يا بني أنَّ الإخلاصَ مراتب، بحسب مزاجه من الشوائب.
وشوائبه ثلاثٌ هي النَّفسُ، والناس، والوسواس الخناس. فأمّا النَّفسُ فتشوب النّقاء بالعجب والخيلاء، وأمّا النّاس فبالسُّمعة والرِّياء، وأمّا الوسواس الخنّاس فالبتَّزيين والإغواء.
والإخلاص يكون في ثلاثة: باللسان، و بالجنان، و بالأركان. فأمّا اللسان فبدوام الذِّكر والشُّكر، وأمّا الجِنانُ فتصفيته من المخلوقين و جعله ناصعاً بربّ العالمين، وأمّا الأركان فبتركِ الخَطا، و سَلْكِ الخُطا.
فأحسن نيّتك فهي مطيَّتك إنْ كَلَّ اجتهادُك، وبُلْغَتُك إن قَلَّ زادُك.
فقلتُ له لقد وعيتُ ما قد قُلت، وسأنشُدِكَ ما قد كتبت
لا غرو ذي دارُ المَمَر
لابدَّ فيها من عَكَرْ
ما دمت منها مرتحل
هيئ إذن زادَ السفر
دربٌ طويلٌ إنّما
تلقاهُ يوماً مُخْتَصر
وامضِ على عيرانةٍ
تَجْتَزْ بها هولَ الخطر
واحمل خفيفاً غالياً
لاتُثْقِلَنْ ظهر السفر
واقصد كريماً سائلاً
فوزاً بعالي مستقر
على صراطه استقمْ
لا تَلْفِتَنْ عنه النَّظر
قد تعثرن أو كبوةً
بعضُ الشِّفا وخزُ الأبر