الرأي العام

دلالات وقضايا | هل ستعود معادلة إس إس العربيَّة؟

لاحت في الأفق ذكريات من معادلة (إس-إس) الَّتي تحمل الحرف الأوَّل من اسم (سوريا) والحرف الأوَّل من اسم (السُّعوديَّة) في إشارة واضحة إلى ثِقل هذا التَّعاون وفاعليَّته

يكتبها: د. مهنا بلال الرشيد

بعد ثلاثة أيَّام يمرُّ شهر كامل على يوم التَّحرير وانتصار ثورة السُّوريِّين المباركة، وينقضي شهر من عُمْر حكومة الإنقاذ والتَّحرير، الَّتي ورث وزراؤها دولة مدمَّرة وملفَّات صعبة؛ خلَّفها وراءهم وزراء الأسد وعصابته ومرتزقته، ومع هذا فقد انطلق العمل الجادُّ في سوريا الحرَّة منذ اليوم الأوَّل من أيَّام التَّحرير، ومع أنَّ زيارة الوفود الشَّعبيَّة والشَّخصيَّات الدِّبلوماسيَّة من الدُّول الشَّقيقة والمحيطين الإقليميِّ والدُّوليِّ لم تنقطع حتَّى هذه اللَّحظة فإنَّ عيون المواطنين السُّوريِّين والمراقبين الإقليميِّين والدُّوليِّين على عمل الحكومة وأدائها لا على استقبالاتها وتوديعاتها خلال هذه المرحلة الحسَّاسة مع أنَّ كثيرًا من الغوغاء والفلول ومرتقزفة منظَّمات المجتمع المدنيِّ عند هذا وذاك جعلوا من مظاهر الاستقبال والوداع وشكليَّاته مادَّة للتَّحليل والنِّقاش والكشف عن مكنونات نفوسهم الخبيثة ونزعتهم الواضحة نحو معارضة هذه الحكومة أو رغبتهم بزيادة العقبات أمامها؛ كي يعود الفلول والمرتزقة كأعيان أو قادة أو وجهاء اجتماعيِّين في سورية الحرَّة؛ ولذلك راح بعض الغوغاء والفلول والمرتزقة ينتقدون صُوَر الزِّيارات المبثوثة عن بعض اللِّقاءات المحكومة بأعراف ديبلوماسيَّة وقوانين الإيتيكت العامَّة بدلًا من الحديث عن مضامين تلك الزِّيارات وأهدافها المرجوَّة منها.

علاقة النِّظام المخلوع المتوتَّرة مع الرِّياض

لم يكن بمقدور حافظ الأسد أن يخرج عن طاعة الرِّياض، أو لم يكن بإمكانه معارضتها على أقلِّ تقدير، وكان حافظ الأسد يتحيَّن الفرض لإرضائها ومغازلتها واستثمار الظُّروف الإقليميَّة والدُّوليَّة لتمرير بعض أجنداته بمباركة الرِّياض أو بعد ضمان عدم معارضتها بالحدِّ الأدنى؛ فزجَّ حافظ الأسد بجيشه من المجنَّدين الإجباريِّين من السُّنَّة لإنهاء الحرب الأهليَّة في لبنان؛ فإن أنهوها قطف ثمار إنهاء الحرب الأهليَّة، وإن ماتوا تخلَّص حافظ الأسد منهم، ولم يخسر شيئًا من زبانيته، وصنع بعد ذلك  في لبنان معادلات طائفيَّة تخدم مصلحته الخاصَّة لا مصلحة سوريا والعرب، واستطاع أن (يُشرعن) تسليح حزب الله بموجب تفاهم نيسان-أبريل 1996. وأرسل فرقة من سُنَّة سوريا المكلَّفين بخدمة العلم الإجباريَّة للمشاركة في تحرير الكويت من غزو صدَّام حسين في حرب الخليج الثَّانية 1991، وكسب بذلك رضا السُّعوديَّة والكويت، وزاد من قبوله العربيِّ على حساب تراجع نفوذ صدَّام حسين وشعبيَّته، وانتهز مرحلة الرِّضا العربيِّ أو التَّغاضي العربيِّ عن بعض تصرُّفاته-وبسبب نزعته الطَّائفيَّة-أسهم في مدِّ النُّفوذ الإيرانيِّ إلى العراق وسوريا وجنوب لبنان. وأوعز لابنه ووريثه المخلوع بشَّار الأسد بلعب مثل هذه السِّياسة، الَّتي ترضي العرب ظاهرًا، وتخونهم لصالح أجندات أخرى في السِّرِّ، لكنَّ الوريث المخلوع بشَّار عجز عن لعب مثل هذا الدَّور في الملفِّ اللُّبنانيِّ، وكان حافظ الأسد قد درَّب ابنه باسل في الملفِّ اللُّبنانيِّ لتوريثه حكم سوريا، لكنَّ قدر الله وقف مع السُّوريِّين حين خلَّصهم من جرائم باسل قبل التَّوريث، وعاجله الأجل بحادث سير-كما يُقال-في 21 كانون الثَّاني-يناير 1994، وبرغم وفاة ابنه باسل لم يتَّعظ حافظ الأسد المحبِّ لاستحواذ السُّلطة وتوريثها بأيِّ طريقة كانت، فمهَّد الأرضيَّة المناسبة لتوريث بشَّار قبل وفاته، وبعد التَّوريث بمرحلة وجيزة ارتكب نظام المخلوع بشَّار الأسد مع حزب اللّه كبرى حماقاتهم السِّياسيَّة، واغتالوا الرَّئيس الشَّهيد رفيق الحريريِّ في 14 شباط-فبراير 2005، وأعقبها خروج الجيش السُّوريِّ من لبنان في 26 نيسان-أبريل 2005، وتبعتها مقاطعة العرب لقمَّة دمشق أو قمَّة (بمن حضر) في آذار-مارس 2008، وبعد انكشاف سياسة المخلوع في الكذب والمراوغة والارتماء في الحضن الإيرانيِّ على حساب العلاقات العربيَّة عجز عن إقامة علاقات فاعلة أخرى (سوريَّة عربيَّة إيرانيَّة)؛ لتكون بديلة عن معادلة (إس-إس) أو العلاقات السُّوريَّة-السُّعوديَّة.

جامعات النِّظام المخلوع وحشد الشَّباب ضدَّ محيطهم العربيِّ

عندما كنَّا طلَّابًا في مرحلة الدِّراسات العليا كنَّا نستشعر هذا التَّخبُّط لدى المجرم المخلوع بشَّار الأسد وموظَّفيه الطَّائفيِّين القذرين برتبة أستاذ جامعيٍّ من أولئك المدلِّلين، الَّذين يمرِّرون أجنداتهم الخطيرة في الجامعة؛ وذلك لأنَّ الجامعة هي صلة الوصل بين المجتمع والنُّخب السِّياسيَّة والثَّقافيَّة العليا، وعلى سبيل المثال كان أساتذة الجامعة البعثيِّين يتحدَّثون صراحة في محاضرتهم عن استحالة انسحاب الجيش السُّوريِّ من لبنان خاصرة سوريا الرَّخوة، ثمَّ أُرغم الجيش السُّوريِّ على الانسحاب كدليل واضح على تخبُّط قيادة البعث من المجرمين وأساتذته الجامعيِّين. ومن ناحية أخرى عارض بعض الأساتذة البعثيُّون حقيقة والمستقلَّون ظاهريًّا مثل (سعد الدِّين كليب) رئيس قسم اللُّغة العربيَّة في جامعة حلب تسجيل بحوث في الماجستير والدُّكتوراه؛ لأنَّها تصبُّ في صالح المحيط العربيِّ، ورفض تسجيل بحث لي في درجة الماجستير عن شعر الشَّاعر السُّعوديِّ (عبد العزيز خوجة)، وقد غضب سعد الدِّين كليب من اقتراح مثل هذا الموضوع؛ لأنَّ عبد العزيز الشَّاعر السُّعوديِّ -وبحسب سعد الدِّين كليب لعب دورًا خبيثًا ضدَّ سوريا عندما كان سفيرًا للملكة العربيَّة السُّعوديَّة في بيروت أيَّام اغتيال الرَّئيس الشَّهيد رفيق الحريريِّ، وقد أخذ سعد الدِّين كليب هذه السِّياسة المعادية للسُّعوديَّة من أستاذه فؤاد المرعي ومن الأستاذ الجامعيِّ وعضو قيادة حزب البعث وهيب طنُّوس، وقد أسهموا بذلك في عزل المثقَّفين السُّوريِّين عن محيطهم العربيِّ، وأذاقوا بتصرُّفاتهم هذه بعض طلَّاب الدِّراسات العليا الويلات خلال المناقشة لأطاريح الماجستير والدُّكتوراه، وقد عانى بعض الباحثين من عنوان بحثه: (الآخر في الرِّواية العربيَّة)، وراح فؤاد مرعي يتَّهمهم بالطَّائفيَّة بسبب هذا العنوان، في الوقت نفسه دعم سعد الدِّين كليب كلَّ كاتب طائفيِّ في اتِّحاد الكتَّاب العرب، وروَّج لكلِّ كاتب شبِّيح محسوب على طائفة المجرم المخلوع بشَّار الأسد؛ مثل: وليد إخلاصي وحيدر حيدر وصقر عليشي وأدونيس وفايز خضُّور والد الممثِّل مهيار خضُّور وغيرهم، ولم يكتفِ سعد الدِّين كليب بهذا القدر، بل راح يرفض تسجيل كلِّ بحث عن بلاغة القرآن الكريم وجماليَّة لغته وأساليبه؛ كي يُفرغ الطَّائفة السُّنِّيَّة من هويتَّها ومثقَّفيها الحقيقيِّين، وتذرَّع بأنَّه لا يريد لقسم اللُّغة العربيَّة في كلِّيَّة الآداب أن يكون شبيهًا بكلِّيَّة الشَّريعة، كما أغلق -بصفته رئيسًا للقسم- باب الارتقاء في الدِّراسات العليا أمام الطَّلَّاب المحبِّين للمحيط العربيِّ والثَّقافة الإسلاميَّة، وسدَّ باب التَّرقيات الأكاديميَّة أمام كلِّ أستاذ وأستاذة يلتقي فكره أو فكرها مع المحيط العربيِّ، ودعم سعد الدِّين كليب وتيَّاره هذا أندية إيران الثَّقافيَّة أو جنود المستشاريَّة الثَّقافيَّة الإيرانيَّة في حلب من أمثال المتشيِّع محمَّد بشير دحدوح ورياض ندَّاف وجمال عبد الله الطَّرابلسيِّ الملقَّب بحنظلة الآراميِّ ورئيس مكتب تحرير لواء اسكندرون لتعزيز الشَّرخ بين السُّوريِّين وجيرانهم الأتراك ومحيطهم العربيِّ لضمان تغلغل النُّفوذ الإيرانيِّ في حلب وسوريا كلِّها.

هل تحيي الحكومة السُّوريَّة الجديدة معادلة دمشق الرِّياض؟

سارع الأشقَّاء من دول الخليج العربيَّة إلى إرسال بعض المساعدات الضَّروريَّة للشَّعب السُّوريِّ بعد التَّحرير مباشرة، وحطَّ عدد من دبلوماسيِّي هذه الدُّول الشَّقيقة في دمشق، وأشاد المتابعون باختيار حكومة الإنقاذ والتَّحرير مدينة الرِّياض عاصمة المملكة العربيَّة السُّعوديَّة لتكون محطَّة زيارتهم الخارجيَّة الأولى، واستعادوا ذكريات التَّعاون السُّوريِّ-السُّعوديِّ والعمل البنَّاء على مستوى الإقليم والعالم، ولاحت في الأفق ذكريات من معادلة (إس-إس) الَّتي تحمل الحرف الأوَّل من اسم (سوريا) والحرف الأوَّل من اسم (السُّعوديَّة) في إشارة واضحة إلى ثِقل هذا التَّعاون وفاعليَّته على مستوى الإقليم عمومًا، وعلى مستوى التَّعاون مع الأخوة الأشقِّاء في لبنان على وجه التَّحديد؛ فلم ينعم أشقَّاؤنا في لبنان بالأمن والسَّلام والرَّخاء الاقتصاديِّ منذ اغتيال الرَّئيس الشَّهيد رفيق الحريريّ المقبول لبنانيًّا وعربيًّا ودوليًّا كنتيجة من نتائج معادلة (إس-إس)، وكان رفيق الحريريِّ رجل العرب والشُّرفاء في لبنان قبل أن يغتاله حزب الله المجرم المستقوي بسلاحه وبدعم جيش المجرم المخلوع بشَّار الأسد قبل طرده وترحيله من لبنان.

سوريا والسُّعوديَّة وقوانين الجغرافية السِّياسيَّة

تفرض قوانين الجيوبوليتيك أو الجغرافية السِّياسيَّة قواعد وأعراف ديبلوماسيَّة لا يمكن للشُّعوب أن تتجاوزها، ولبنان الشَّقيق -على سبيل المثال- محكوم بعلاقات أخويَّة طيِّبة مع السُّوريِّين؛ لأنَّ حدود لبنان البرِّيَّة كلِّها مع سوريا وفلسطين، وكذلك يشكِّل لبنان خاصرة مهمَّة للجغرافية السُّوريَّة، وبهذه الطَّريقة سينعكس التَّعاون السُّوريُّ-اللُّبنانيُّ وعلاقة الأخوَّة رخاء واستقرارًا على الشَّعب الواحد المقسوم بين البلدين. وخصوصيَّة خريطة لبنان بجوار سوريا مع طبيعة تركيبته السُّكَّانيَّة تفرض على قادته السِّياسيِّين تعاونًا بنَّاءً مع أشقَّائهم في سوريا، ولا يمكن لأيِّ رئيس منتخب للبنان أو رئيس أيِّ حكومة لبنانيَّة أو رئيس مجلس للنُّوَّاب أو قائد أيِّ حزب في لبنان أن ينجح في عمله بعيدًا عن المباركة السُّوريَّة والدَّعم السُّعوديِّ؛ وفي هذا الإطار يبدو أنَّ معادلة (إس-إس) في طريق عودتها لتسهيل انتخاب رئيس جديد للبنان بعد شغور منصب رئيس لبنان منذ نهاية ولاية رئيسه السَّابق ميشيل عون في 31 تشرين الأوَّل-أكتوبر 2022، وقد يكون الحلُّ الرِّئاسيُّ في لبنان بانتخابات نيابيَّة مبكِّرة بعد انقضاء نصف ولاية المجلس النِّيابيِّ الرَّاهن دون قدرته على انتخاب رئيس جديد، والانتخابات النِّيابيَّة المبكِّرة تحتاج إلى توافق داخل لبنان، وإن لم يحصل هذا التَّوافق سيكون الانتظار وتقطيع الوقت حتَّى نهاية ولاية أعضاء البرلمان الرَّاهن أفضل حلٍّ بعد التَّغيُّر الكبير في موازين القوى داخل لبنان منذ مقتل حسن نصر الله في 27 أيلول-سبتمبر 2024، ثمَّ مقتل نائبه هاشم صفيِّ الدِّين بعده، ومقتل قادة الصُّفوف الثَّلاثة الأولى من حملة أجهزة البيجر واللَّاسلكيِّ قبل حسن نصر الله ونائبه. ومن المؤكَّد أنَّ تفكيك سلاح حزب الله ومقتل قادته سيؤدِّي إلى تغيير كبير في نتائج الانتخابات النِّيابيَّة وشكل الحكومة اللُّبنانيَّة القادمة، وسيكون تحويل حزب الله من حزب مسلَّح إلى حزب سياسيٍّ بعد تحويل اسمه الدِّينيِّ إلى اسم مدنيٍّ واحدًا من أبرز منجزات العمل السِّياسيِّ لدى ساسة لبنان ونوَّابه المستقبليِّين، وسوف يساعد التَّعاون السُّوريُّ-السُّعوديُّ (إس-إس) أخوتهم في لبنان على السِّير بمستقبل بلدهم نحو الأفضل.

وليد جنبلاط في دمشق وأنقرة

يشكِّل لبنان نقطة مهمَّة من نقاط التقاء العرب على خارطته نظرًا لموقعه ومحبَّة العرب للتَّعايش السِّلميِّ بين مكوِّنات تركيبته السُّكَّانيَّة، وبحكم الجغرافية السِّياسيَّة يتأثَّر لبنان حكمًا بشقيقته سوريا، ويأتي بعد ذلك الدَّور السُّعوديُّ؛ ليضبط حركة الإيقاع فيه بعدما عزفت السُّعوديَّة عن دعم أيِّ حزب أو قوَّة سياسيَّة لبنانيَّة بعد اتِّفاق الدَّوحة سنة 2008، الَّذي أعقب حرب تمُّوز-يوليو 2006، لكنَّ انتصار الثَّورة السُّوريَّة ضدَّ حكم المخلوع بشَّار الأسد في 8 كانون الأوَّل-ديسمبر 2024 سيعيد-على أرجح الاحتمالات-فاعليَّة معادلة (إس-إس) في لبنان، وستبارك جمهوريَّة مصر العربيَّة والأشقَّاء العرب هذه العودة، وسيرجع (لبيروت ودمشق) ألقهما، وسيتعزَّز الحضور العربيُّ في اثنتين من أجمل عواصم بلاد الشَّام.

أدرك الرَّئيس السَّابق للحزب التَّقدُّميِّ الاشتراكيِّ اللُّبنانيِّ وليد جنبلاط مع ابنه تيمور الرَّئيس الحالي للحزب حجم التَّغيير السِّياسيِّ الكبير في سوريا مع التَّغيير القادم على مستوى المنطقة فكان وليد بيك جنبلاط مع ابنه تيمور ووفد من رجال الدِّين من مدينة السُّويداء السُّوريَّة في مقدِّمة زائري حكومة التَّحرير والإنقاذ في دمشق؛ فحطُّوا رحالهم خلال الشَّهر الأوَّل من عمر حكومة الإنقاذ والتَّحرير، وأكمل جنبلاط رحلته إلى أنقرة لإدراكه تأثير الجغرافية السِّياسيَّة، الَّتي تحكم علاقة الحكومة السُّوريَّة الرَّاهنة مع تركيا، الَّتي دعمت ثورة السُّوريِّين وباركت انتصارها، وتزيد هذه الجغرافية السِّياسيَّة من فاعليَّة كلِّ تعاون سوريٍّ-تركيٍّ في المستقبل؛ فتركيا بوَّابة العرب إلى أوروبَّا، وسوريا بوَّابه تركيا إلى الخليج والدُّول العربيَّة. ويبدو لكلِّ متابع أنَّ نجاح تيمور وليد جنبلاط في وراثة الحزب التَّقدُّميِّ الاشتراكيِّ اللُّبنانيِّ وقيادته في المستقبل يرتبط بقدرة تيمور جنبلاط على التَّعاون ونسج العلاقات الوثيقة مع حكومتي دمشق والرِّياض في ظلِّ وجود قوى درزيَّة أخرى في لبنان مثل رئيس الحزب الدِّيمقراطيِّ اللُّبنانيِّ طلال أرسلان وغيره ممَّن يرغبون، أو تفرض عليهم معادلات الجيوبوليتيك الجديدة تعاونًا وثيقًا مع حكومة الإنقاذ والتَّحرير في سوريا. كما اتَّصل نجيب ميقاتي رئيس حكومة تصريف الأعمال اللُّبنانيَّة بأحمد الشَّرع، وناقش معه تطوُّرات عمليَّة تمشيط ثوار سوريا المنتصرين الحدود السُّوريَّة-اللُّبنانيَّة وتطهيرها من فلول النِّظام المخلوع مع ملفِّ المقيمين والزُّوَّار اللُّبنانيِّين القادمين إلى سوريا، ودعا الشَّرع ميقاتي إلى زيارة دمشق، ووعد ميقاتي بتلبية هذه الدَّعوة في أقرب وقت ممكن؛ وهذا يدلُّ على حتميَّة التَّعاون السُّوريِّ اللُّبنانيِّ  في المستقبل، ويشير بشكل من الأشكال إلى عودة معادلة (إس-إس) العاجلة أو الآجلة.

وزراء أوروبِّيُّون في دمشق والائتلاف في السُّويداء

أعلنت حكومة جمهوريَّة التّشيك إعادة افتتاح سفارتها في دمشق بعد شهر على توقيف عملها بسبب ظروف سوريا خلال معركة ردع العدوان وخلال الشَّهر الأوَّل من انتصار الثَّورة السُّوريَّة المباركة. وفي الأيَّام القليلة الماضية زار كلٌّ من وزير خارجيَّة فرنسا مع وزيرة خارجيَّة المانيا حكومة الإنقاذ والتَّحرير في دمشق، وانشغلت فلول النِّظام السَّابق مع بعض ناشطي وناشطات المجتمع المدني المموَّلين من الخارج بقشور هذه الزِّيارة ولباس هذه وجلسة ذاك وطريقة التَّحيَّة والسَّلام؛ وهذه أمور محكومة بأعراف دبلوماسيَّة، وفيها سعة ومرونة كبيرتان، ويُراعى فيها رغبة الضَّيف الزَّائر ومستضيفه على حدِّ السَّواء. وعلى العموم تصاعدت وتيرة العمل الدِّبلوماسيِّ في دمشق، وظهر كثير من التَّعيينات والتَّرقيات في الدَّوائر الحكوميَّة بعد التَّحرير، وبعدما أنجز المواطنون السُّوريُّون العمليُّون جدًّا في مواقع السُّوشال ميديا نقاشاتهم، وأبدوا آراءهم حول المسائل المصيريَّة السَّاخنة؛ مثل كتابة الدُّستور والانتخابات والإحصاء السُّكَّانيِّ والأضرحة والمزارات الدِّينيَّة وبناء المناهج التَّعليميَّة والمؤتمر التَّأسيسيِّ ومؤتمر الحوار الوطنيِّ وآليَّة انتخاب رئيس سوريا القادم ودوره وطبيعة الحكم في سوريا المستقبل، انتقل نقاش السُّوريِّين إلى مسائل أقلِّ سخونة وحرارة مثل لون لباس هذا الزَّائر وطريقة التَّحيَّة والسَّلام؛ ممَّا يدلُّ على عودة الأمن والأمان إلى سوريا واستقرار الوضع تدريجيًّا فيها يومًا بعد آخر، ولفت انتباه المتابعين زيارة الائتلاف السُّوريِّ المعارض (لحكومة الأسد سابقًا) يوم الأمس إلى الشِّيخ حكمت الهجريِّ في السُّويداء بعدما أُعلن عن إغلاق مكاتب الائتلاف في تركيا، وظهرت دعوات للتَّحقيق مع أعضاء الائتلاف واللِّجان المنبثقة عنه في أموال الشَّعب السُّوريِّ المنهوبة، والَّتي استلمها أعضاء الائتلاف، ودعا المتابعون إلى سؤالهم عن سبل إنفاقها والمستفيدين منها خلال ثلاث عشرة سنة من عمر ثورة السُّوريِّين المباركة، الَّتي انتصرت على أقذر حكم في التَّاريخ بتضحيات الشُّهداء والمعتقلين والثَّوَّار الأحرار لا بمعارضة الفنادق، الَّتي تمنَّى بعض أعضائها امتداد عُمر الثَّورة السُّوريَّة دهورًا ليحافظ واحدهم على منصبه ومصالحه الذَّاتيَّة الضَّيِّقة حتَّى لو دُمِّرت سوريا عشرات المرَّات!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى