العربي الآن

منصة تأكيد المؤكد أو نفيه: لنتأكد من عمق حفرة التضامن

ما الفائدة من دحض رواية اكتظاظ السجون وما العبرة في التركيز عليها هل يراد من المتلقي أن يخفف من سوداوية الحياة في مسلخ صيدنايا؟!

فاروق شريف – العربي القديم

الثامن من ديسمبر كانون الأول عام 2024، لأول مرة منذ إنشائه لا يفتح أبواب سجن صيدنايا السجانون، وإنما المحررون، ذلك السجن ذائع الصيت الجرمي يتلهف للكشف عن دهاليزه ملايين السوريون وأضعاف أضعافهم من العالم، فهناك المنتظرون لخبر عن معتقل قريب ميتا كان أم حيّا، كيف يقضي هؤلاء ساعات السم وسط هذا المسلخ؟

 بثت هواتف الشهود صورا لآلات حادة وحبالا تشبه المشانق وبقايا دماء ومكنات فيها قطعة حديدية علوية وأخرى سفلية، لا يمكن لمن يراها إلا أن يعرّفها بأنها مكابس لطحن الجثث الآدمية، هذا وصف طبيعي لآلات موجودة في أكثر السجون رعباً في العصر الحالي، ومن الطبيعي في حدث عظيم مثل تحرير سجن صيدنايا أن تكثر الشائعات وتُصدَّق أيَّة مقولة حول تفاصيل الجريمة طالما أنّ وقوعها ثابت قطعي لا شبهة فيه.

 تمضي الأيام وروايات فظائع سجن صيدنايا أصبحت جزءا من الذاكرة السورية النازفة، ولا سيما قصة المكابس البشرية التي يرويها الناس لا من أجل تأكيد وجودها فهذا الأمر هامشي أمام إجرام نظام الأسد وإنما من باب الدلالة على تفنن هذا النظام بأساليب القتل، عشرات الصحف ومئات الأشخاص من مؤثرين ومسؤولين تداولوا قصة المكابس حتى الرئيس السوري أحمد الشرع فهو بالنهاية ليس جهة تحقيق دولية وإنما جزء من رواية المحرقة السورية وشاهد عليها.

لم ينكر هذه الجريمة إلا بعض أيتام النظام المجرم مثل باسم ياخور وسلاف فواخرجي ومهرّجهم عماد نجار، كان هؤلاء وأشباههم يتشوقون لأي خبر ينفي بعض التفاصيل على هامش الجريمة ليتخذوه ذريعة لنفي الجريمة بأكملها وهنا يأتي دور منصة تأكد لتعمل على مبدأ الصدمة المضادة..

بعد أكثر من عشرة شهور مرت على تحرير سجن صيدنايا نشرت منصة (تأكد) ما سمّته تحقيقا بخصوص الشائعات والأخبار المكذوبة حول سجن صيدنايا وكان هذا التحقيق بطول ثلاث دقائق وأربعين ثانية، ورغم أن عشرات الصحف ومئات الأشخاص تحدثوا عن المكابس البشرية إلا أن المنصة اختارت رأس الدولة السورية حاليا أحمد الشرع وعرضت له مقطعا يتحدث عن مكابس صيدنايا لتعقب عليه بالتكذيب والتضليل معللة أن هذه المكابس المزعومة هي آلات لنشر الخشب وليس كما ورد على لسان السيد الرئيس..

كان بإمكان المنصة التي من المفترض أن مؤسسها معارض لنظام الأسد أن تختار أي مقطع لشخص آخر غير الشرع تحدث عن المكابس ثم تعقب على كلامه بالنفي، لكن اختيار كلام الرئيس تحديدا له مدلولاته من اغتيال معنوي للشخصية المستهدفة، وتشكيل حالة صدمة مضادة تصرف ذهن المتلقي عن مجازر النظام في ذلك السجن، إلى تفاصيل هامشية تتعلق بأداة الجريمة…. وبنفس الوقت سيتمسك أيتام الأسد وفلوله بمسألة نفي وجود المكابس وصولا إلى نفي جرائم النظام بالكلية معتمدين على دعاية مضادة تقوم على تداول نفي منصة (تأكد) لوجود المكابس الذي ورد في حديث الشرع تحديدا.

لم تكتفِ المنصة بنفي وجود المكابس بل انتقلت لدحض رواية اكتظاظ سجون صيدنايا متذرعة بأن النظام البائد يخشى اكتظاظ السجون لذلك يقلل الأعداد في كل مهجع، وهنا السؤال ما الفائدة من دحض رواية اكتظاظ السجون وما العبرة في التركيز عليها هل يراد من المتلقي أن يخفف من سوداوية الحياة في مسلخ صيدنايا؟!!

في التحقيق ذاته تركز منصة (تأكد) على دحض رواية وجود نساء معتقلات في صيدنايا، وباعتقادي أن دحض هذا الادعاء لا فائدة منه إلا إذا كان الهدف إعطاء الذريعة للمشككين في اعتقال نظام الإجرام لعشرات آلاف النساء!!

هكذا أخبار صيد ثمين لأيتام الأسد فلا غرابة أن يخرج علينا أحدهم قائلا بالعامية: “قلنالكم المكابس كذب واعتقال النساء كذب ويلي كذب بالمكابس موغريبة يكذب بقصة الكيماوي”

تعرض المنصة كذلك مقطعاً مصوراً لصحفي يعثر على ورقة من انتخابات عام 2021 ويعلق عليها بأن المعتقلين كانوا يجبرون على التصويت لبشار الأسد بما في ذلك الموتى، لتعقب عليه المنصة بتكذيب هذا الادعاء والاعتماد على شهادة معتقل بأنهم محرومون من حقهم الانتخابي، والسؤال هنا ما هو قيمة هذا الحدث ليحشر في التحقيق بالادعاءات حول شائعات سجن صيدنايا؟

وهل هناك مانع أساسا من قيام مجرمي النظام باتخاذ المعتقلين تسلية عبر إجبارهم على انتخاب بشار الأسد من قبيل إذلالهم لا أكثر.

التأكد من خبر نعم ضروري ومهم لكن عندما يكون الهدف منه تبرئة متهم ونفي وقوع جريمة معينة وليس لإثارة الجدل حول الأداة التي استخدمها المجرم لقتل ضحيته، فهل المطلوب من السوريين بعد هذه المعلومات “القيمة” من منصة تأكد أن ينظروا بعين الرأفة إلى المجرم لأنه لم يطحن عظام الضحايا بالمكابس وإنما دفنها بمقابر جماعية!

وما المانع أصلاً أن يستخدم مجرمو النظام منشرة خشبية لتقطيع الجثث فيها لإرضاء غريزتهم المتوحشة؟

هل وصل تسخيف المأساة لدرجة التركيز على جدلية المكان الذي اعتقلت فيه عشرات الآلاف من النساء طالما أن الاعتقال واقع سواء في سجون سرية أو علنية؟

كل ما نخشاه أن تصل الأمور إلى حد إشغالنا بالجدال حول عمق حفرة ضحايا مجزرة التضامن!

زر الذهاب إلى الأعلى