فنون وآداب

نقل الأخبار الخاطئة والمضللة: القلم بين الحقيقة والفتنة وبين المهنية والترند

نشهد اليوم انجراف بعض من يسمون أنفسهم بالإعلاميين خلف "الترند" متناسين قدسية المهنة وأخلاقياتها.

بقلم: علي الجاسم

في زمنٍ تتسارع فيه الأخبار، وتتصاعد فيه الأحداث، باتت مسؤولية الإعلامي والصحفي أكبر من أي وقت مضى.
فالمعلومة لم تعد حكرًا على المؤسسات الإعلامية، بل أصبح بإمكان أي شخص أن ينقل خبراً بضغطة زر.
لكن، هل يدرك الجميع خطورة ما ينقلون؟

الإعلام: رسالة أم وسيلة لجمع الإجابات؟

الإعلام، في جوهره، مهنة تحمل رسالة. رسالتها البحث عن الحقيقة ونقلها بمهنية ودقّة وموضوعية. وكما يقال: “القلم سلاح ذو حدّين”، إما أن يبني وعيًا، أو يزرع فتنة.
وهنا يظهر دور الصحفي الحقيقي، الذي يجب أن يُدرك أن كل كلمة يكتبها قد تُشعل نارًا أو تُطفئها. وأن عليه أن يدرك مسؤوليته إزاء معالجة الموضوعات الحساسة أو الملفات الشائكة بشكل مدرك وببوصلة وطنية صادقة.

بين المهنية و”الترند”: السقوط في فخ الشهرة:

للأسف، نشهد اليوم انجراف بعض من يسمون أنفسهم بالإعلاميين خلف “الترند”، متناسين قدسية المهنة وأخلاقياتها. فبدلاً من التحقق من صحة الخبر، يُسارع البعض لنشره على أمل أن يحقق أكبر عدد من المشاهدات أو الإعجابات. وهنا يتحول الإعلام من رسالة إلى أداة لنشر الفوضى، ومن منصة لقول الحقيقة إلى وسيلة لتضليل الناس واغتيال الحقيقة.

المؤثرون وخطر تزييف الواقع:

من جهة أخرى، يقع بعض المتابعين في فخّ تصديق كل ما يقوله “المؤثرون” على مواقع التواصل الاجتماعي.
هؤلاء المؤثرون، في كثير من الأحيان، لا يملكون أي تأهيل صحفي، بل يسعون فقط وراء التفاعل والمشاهدات، ولو على حساب الحقيقة… فينشرون إشاعات، يضخمون أحداثًا، أو يخترعون قصصًا من محض الخيال. ويساهمون بذلك في نشر الذعر أو إثارة الفتنة في قضايا شائكة لا طائلة من إثارتها.

ظاهرة “النسخ واللصق”… والهوية المفقودة:

باتت منصات السوشيال ميديا تعجّ بأشخاص يطلقون على أنفسهم لقب “صحفي”. لكن كل ما يفعلونه هو نسخ الأخبار من هنا وهناك دون التحقق، أو إعادة تدوير محتوى قديم على أنه جديد.
هؤلاء لا يمتلكون حسًّا نقديًا ولا مهنية حقيقية، بل يسهمون في تشويه صورة الإعلام والإعلاميين… ويضعفون ثقة الجمهور بالمؤسسات الصحفية الجادة.

الضرر المجتمعي والتأثير السياسي:
الأخبار الخاطئة قد تؤدي إلى قرارات خطيرة، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو حتى على مستوى تقييمنا للأفراد وإصدار أحكام القيمة الظالمة بحقهم، وهي تُغذّي الانقسامات، وتؤجّج الخلافات داخل المجتمع الواحد.

التحريض والإشاعة:
خبر كاذب قد يدمر حياة إنسان، أو يشوّه سمعته، أو يحرّض على الكراهية. وذلك دون أن يتحمّل الناشر أي تبعات قانونية أو أخلاقية. مما يفتح الباب أمام الفوضى الإعلامية… ولعل هذا ما دفع بالعديد من الدول إلى سن قوانين الجرائم الإلكترونية… لكن هذه القوانين لا تعوض غياب الضمير الصحفي.

إن شريحة واسعة من الناس لا تمتلك أدوات التحقق من صحة الخبر… ولا تملك حسا نقديا لتحليله،مما يجعلهم ضحية سهلة للتضليل الإعلامي. ويسهم في انتشار المعلومات الكاذبة بشكل أسرع.إم

أهمية التحقق من المصادر:
يجب على المتلقي أن يسأل دائمًا: من قال؟
ما المصدر؟
هل هذه الجهة موثوقة؟
وهل هناك تأكيد من أكثر من مصدر؟
فالثقة لا تُمنح لأي منشور عشوائي، بل تُبنى على الدقة والمصداقية.

خاتمة:

إن الحفاظ على المهنة يتطلب ضميراً حياً يحاسب المرء قبل أن يحاسبه الآخرون، ووعيًا جماعيًا من الإعلاميين والجمهور معًا. فالإعلام ليس فقط ما يُنشر، بل ما يُفهم، وما يُبنى عليه. ولن يكون هناك مجتمع واعٍ ما لم يكن هناك إعلام مسؤول.
إعلام يحترم الكلمة، ويصون الحقيقة، ويقف على مسافة واحدة من كل الأطراف.

زر الذهاب إلى الأعلى