الرأي العام

تفاصيل سورية | هل يمكن التعايش مع الإسلام السياسي؟

يكتبها: غسان المفلح
في هذه الزوايا التي حملت عنوان (تفاصيل سورية)، واجهني في الحقيقة معضلتين: الأولى تتعلق بالدين عموما وعلاقتي به وبالطقوس الدينية في هوامش دمشق، والحديث عن الإسلام السياسي بكل نشاطاته وتياراته.

المعضلة الثانية تتعلق بالمرأة وعلاقتي بها، سواء أم أو أخت أو حبيبة أو زوجة. هل يمكن بالتالي اعتبار أن هذه الزوايا تغطي العناوين العريضة لوطن امتص حياتي كلها. استنزف حياتي بالكامل حتى اللحظة. بالطبع لست نادما ولو قدر لي العيش مرة أخرى لاخترت العنوان العريض الذي اخترته “معارض لنظام سياسي فاشي”.

كنت ألاحظ في نهاية مرحلتي الابتدائية وحتى نهاية الإعدادية، أن بعض من هم في سني من أبناء حارتنا والحارات المجاورة، خاصة التي تعود أصول عائلاتهم لأحياء دمشق القديمة، يذهبون لصلاة الجمعة ويتلقون دروسا دينية هناك. عرض الأمر علي أكثر من مرة لكنني رفضت وأبلغت والدي رحمه الله بذلك فقال لي “برافو عليك”. لم أدخل جامعاً في حياتي، رغم فرحي بالأعياد الدينية مع أجواء الحارة. لفت نظري أيضاً أنني لم أر أمهات أو أخوات بعض أصدقائي في الحارة. وتساءلت لماذا يروون أمي وـخواتي؟ هذا الأمر والتساؤل الذي بدأ معي أيضاً منذ نهاية المرحلة الابتدائية، ولجأت لمعرفة سببه إلى والدي أيضا فقال لي: هذه عاداتهم وعليك احترامها.
الحديث عن الاسلام السياسي يتسم بالاحتكاك بالدين، هذا الاحتكاك فرضه أولا دمج الدين بالسياسة أو دمج السياسة بالدين. هذا الدمج الذي لم يعد صالحاً في زمننا هذا لأسباب كثيرة عالجها المستوى الثقافي والسياسي والايديولوجي. الإسلام هو الدين التوحيدي الوحيد الذي له أحكام في بعض أشكال السلطة وأشكال من تدخل الدين في السياسة. ويقدم حديث بعض المحدثين الإسلاميين عن عبارة “وأمرهم شورى بينهم” بوصفها الديمقراطية مثالاً سريعاً وبسيطاً عن الإسلام السياسي. يمكن القول الإسلام دين كلي مطلق، وخطورة الامر تكمن هنا حيث لا نسبية في الاحكام والتاريخ والظروف الإنسانية، أو حتى مهما كانت مستجدات الحياة والتاريخ الفعلي للبشر. هذه القضايا لعبت دوراً كبيراً في تشكيل نوع من السياسة لم تعرف مثله التجربة البشرية، دين مزدحم بالتدخل في حياة الفرد، دين يحيط بفرديته في كل جوانب يومياته وتفاصيلها، دين يربيه على أنه كذكر قوام على المرأة حتى تلك التي تسبقه علمياً ومهنياً، ما يخلق بالتربية وجداناً مفعماً بالسيطرة ومليئاً بمظاهر الذكورة.

لابد من الاعتراف أن الإسلام هو أول دين تحدث في إمكانية الاجتهاد كمصدر من مصادر التشريع، غير أن ذلك إسلامياً كي لا يتعدى حدود المحدد، ولإغلاق الممكنات لتغيير جدي تفرضه تطورات العيش البشري. ما الذي حوله على صخرة كتيمة غير قابلة للنحت؟ هو انهزام مشروعه السياسي وانهيار الخلافة العثمانية آخر الاشكال السياسة التي افرزها المشروع السياسي لهذا الدين. ممنوع أن تفكر خارج الصندوق فما بالك لو أنك رفضت الصندوق برمته! كنت اشعر أن المنطقة المريحة التي أستطيع الذهاب إليها مع حبيبة في أيام المراهقة والشباب هي مناطق يقطنها اغلبية مسيحية!
هكذا عاش أبناء جيلي. رغم أنني لم أكن احتاج لذلك نتيجة الحرية الشخصية التي منحها لنا والدي رحمه الله لي ولإخوتي وأخواتي. هذه القضية برمتها تم استغلالها خير استغلال من قبل النظم السياسية في الدول الإسلامية التي تشكلت بفعل العامل الاستعماري الغربي الحديث والمعاصر. هذه النظم التي ليست إسلامية بأي حال وبالتالي لا تحكم وفق المحددات الإسلامية، مع أنها غالباً ما تدعي ذلك إعلامياً.

بعد سقوط السوفييت تغيرت النغمة فباتت هذه الأنظمة بقدرة قادر تحارب التنظيمات الإسلامية تحت عنوان” نظم علمانية” فهل هي علمانية؟ هل الأسدية” علمانية؟ سؤال لايزال يشغل بعض المهتمين في هذا الحقل. لكن من المسلم به أن تنظيمات الإسلام السياسي منذ تأسيس حركة الاخوان المسلمين بدعم إنكليزي وحتى الآن، هي ظاهرة نشأت في كنف هذا الاستعمار ومخلفاته من نظام دكتاتورية هجينة في كل شيء. هجينة بحيث يحاول الديكتاتور دوماً التلطي خلف شعارات وايديولوجيات من شأنها أن تصوره تارة مسلم وتارة علماني وتارة ديمقراطي وتارة قومي عروبي وآخرها حداثي. لكن هذه النظم لم تكن معنية بأي اصلاح ديني او اجتماعي او سياسي، بل إن كل ما يعنيها هو النهب واستمرار الحكم، وتقاسم ثروة المجتمعات مع الدول الكبرى لقاء بقاءها في الحكم.

كل ما ذكرته عن الإسلام والإسلام السياسي لا يقف عائقا بوجه أي اصلاح سياسي ينعكس على كافة مستويات الحياة في مجتمعاتنا. كلنا يعلم أن النساء من الطبقات الحاكمة وشرائح من الطبقة الوسطى ارتدت أثناء الاحتلال العثماني لدمشق النقاب الأبيض، وكلنا يعلم أن هذه النخب سكنت مناطق حديثة في دمشق بعد مجيء الاستعمار الفرنسي وأصبحت المرأة هناك أقرب إلى فرنسية قادمة من باريس سبور وسفور، وكلنا يعلم أيضاً أن ذلك لم يعنِ شيئاً لأهل دمشق. إذاً، يكاد الدور الرئيسي والمركزي في حركة المجتمعات وتطورها يكون لطبيعة السلطة السياسية وما تحمله من مشروع. برغم تعقيدات المسألة الإسلامية إلا أنها تعقيدات ليست مستحيلة الحل وتمنع التحاق المسلمين بالحياة، لكن السلطات الديكتاتورية تحولها إلى معيق لأي عملية اصلاح يقلل من سلطتها ويقلل من نهبها لثروة المجتمع.
لايزال الكتابة عن التجربة في علاقتنا بالمرأة أمرا يحمل في طياته أحيانا تابوات الحديث عنها يمكن أن يؤذي النساء. التخييل هنا في الواقع وفي إطار السير الذاتية، يفيد أحيانا لكنه بالعام لا يشعر كاتب السيرة، أنه يستوفي ما يريد الحديث عنه.
كنت ألمح وجهها خلف الباب فأشعر أنني ظفرت بروح العاشق في تلك اللحظة. لكنني أرها لاحقا تتشح بالسواد والنقاب الأسود الشفاف، فأخاف من نظراتي أن تحرجها.
إنه الله يسكن بيننا. إنها بعض من حارتي الدمشقية رغم أنها في الهامش.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى