العربي الآن

التخاذل الأممي تجاه الشعب السوري: بين الانحياز الخفي للنظام والحقوق المنتهكة

 بقلم مهنا خضيرو *– العربي القديم

لطالما كانت الأمم المتحدة رمزاً للأمل لدى الشعوب التي تعاني من القمع والانتهاكات، حيث تأسست المنظمة على مبادئ العدالة، والسلام، وحقوق الإنسان. ولكن مع مرور الوقت، باتت هذه المبادئ تواجه تحديات عديدة، خاصة في ظل تعقيدات الصراع السوري الذي كشف عن وجه آخر للأمم المتحدة، يتسم بالتخاذل والصمت تجاه حقوق الشعب السوري، وفي بعض الأحيان، بمواقف متناقضة تدعم نظام بشار الأسد بشكل غير مباشر.

التخاذل الأممي وتجاهل حقوق الشعب السوري

منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، واجه الشعب السوري انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. استخدم النظام السوري القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين، وتورط في جرائم حرب تشمل استخدام الأسلحة الكيميائية، وعمليات الإعدام الجماعية، وحصار المدن وتجويع سكانها. ورغم توثيق هذه الانتهاكات على نطاق واسع من قبل منظمات حقوق الإنسان الدولية، إلا أن الأمم المتحدة بدت عاجزة عن اتخاذ خطوات حاسمة لوقف هذا النزيف المستمر.

واقتصر دور الأمم المتحدة في كثير من الأحيان على إصدار البيانات والتصريحات الدبلوماسية، التي لم تتجاوز حدود الإدانة اللفظية. في المقابل، استمر النظام السوري في تجاهل القرارات الدولية، مستفيدًا من الدعم الروسي والإيراني المباشر. ومع مرور الوقت، أصبحت مواقف الأمم المتحدة تبدو وكأنها تساهم في شرعنة الوضع القائم، بدلًا من الضغط لتغييره.

التواطؤ الصامت والدعم الخفي

على الرغم من الوعود المتكررة من الأمم المتحدة بمحاسبة المسؤولين عن الجرائم في سوريا، إلا أن الواقع يظهر عكس ذلك. فشل مجلس الأمن في اتخاذ قرارات حاسمة بسبب الفيتو الروسي والصيني المتكرر، مما أعاق أي محاولة لفرض عقوبات أو تقديم مجرمي الحرب للمحاكم الدولية. هذا الفشل أدى إلى إضعاف الثقة الدولية بالأمم المتحدة وقدرتها على حماية حقوق الإنسان في سوريا.

علاوة على ذلك، تشير بعض التحليلات إلى أن هناك دعمًا غير مباشر للنظام السوري من قبل بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، سواء كان ذلك من خلال غض الطرف عن الانتهاكات أو من خلال تقييد المساعدات الإنسانية بطريقة تفيد النظام. هذا الدعم الخفي يُترجم على أرض الواقع بتأخير عمليات الإغاثة، وعدم حماية المدنيين، والتغاضي عن الجرائم المستمرة.

ازدواجية المعايير الأممية

الأمم المتحدة التي أظهرت فاعلية كبيرة في قضايا أخرى حول العالم، تبدو اليوم وكأنها تمارس ازدواجية معايير واضحة في التعامل مع الحرب السورية، بينما شهدنا تدخلات سريعة وفعالة في أماكن أخرى تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان، بقي الشعب السوري يُقتل ويُهجّر دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكناً. هذا التناقض الصارخ يضع مصداقية الأمم المتحدة على المحك، ويثير تساؤلات حول مدى تأثير المصالح السياسية للدول الكبرى على قرارات المنظمة.

وختماً لم تعد مسألة تخاذل الأمم المتحدة تجاه الشعب السوري مجرد وجهة نظر، بل أصبحت حقيقة ملموسة تبرز من خلال الوقائع على الأرض. الشعب السوري، الذي حلم بالحرية والكرامة، وجد نفسه بين مطرقة نظام قمعي وسندان مجتمع دولي عاجز أو متواطئ. إن الصمت الدولي تجاه هذه المأساة يُعتبر جريمة إضافية تُضاف إلى سجل الجرائم المرتكبة في سوريا، ويستدعي وقفة جادة من المجتمع الدولي لإعادة النظر في دور الأمم المتحدة وضرورة إصلاحها لتكون حقاً في خدمة الشعوب المظلومة، لا أداة بيد الأنظمة القمعية.

______________________________

* كاتب وباحث في شؤون العلاقات الدولية ومستشار سابق في هيئة التحكيم الدولي جنيف

تعليق واحد

  1. مقالك يعكس بعمق الإحباط المتزايد من أداء الأمم المتحدة في التعامل مع الأزمة السورية. لقد نجحت في إبراز التناقض بين المبادئ التي تأسست عليها الأمم المتحدة والواقع المؤلم الذي يعيشه الشعب السوري. شجاعتك في التعبير عن هذه الحقيقة هي خطوة مهمة في تسليط الضوء على القضايا الإنسانية التي لا يمكن تجاهلها. استمر في رفع صوتك ضد الظلم والتخاذل، فالكلمة لها قوة وتأثير لا يستهان بهما في النضال من أجل العدالة.

زر الذهاب إلى الأعلى