إشكاليات الامتثال للقانون الدولي في حروب الطائرات المسيرة
خلف محمد – العربي القديم
لا شك بأن التطور التكنولوجي المتسارع، لم يمهل منظري القوانين الدولية لكي يتثنى لهم وضع القوانين اللازمة لمجابهة المخالفات الجسيمة التي ترتكب عند استخدام آليات التكنولوجيا الجديدة، ومنها الطائرات المسيرة من دون طيار، بذرائع شتى منها مواجهة الإرهاب، فقد أزهقت هذه الطائرات أرواح الكثيرين بضغطة زر، ودمرت وشردت تحت غطاء مكافحة الإرهاب. وعند استخدام الدول للطائرات المسلحة من دون طيار في حروبها، فإن أخطر ما يمكن لفت النظر إليه هو الاستهانة بالإصابة والقتل، والطمأنينة لانعدام الدفاع والرد، بل وعدم مشاهدة المصائب التي يتكبدها المحيطون من المصابين والقتلى والسكان المحليين، كل ذلك يدفع إلى المزيد من القتل وارتفاع مستوى الانتهاكات.
معضلة المشروعية
شهدت السنوات الأخيرة استخداماً متزايداً للطائرات المسيَّرة، المعروفة أيضاً باسم “الدرون”، في العمليات العسكرية. ويثير هذا الاستخدام جدلاً قانونياً حول مدى توافقه مع القانون الدولي الإنساني، المعروف أيضاً باسم “قوانين الحرب”. ويكشف استقراء القانون الدولي الإنساني أن ساحة المعركة لتحقيق مكاسب سياسية بحتة قد اتسعت لتشمل العالم بأسره، وتم تجاهل مبادئ التمييز والتناسب. فقد أصبح قصف المدنيين من السماء – بحجة البحث عن الإرهابيين – هو القاعدة، وأصبحت الهجمات التي لا توفر فقط الميزة العسكرية المرجوة لا يعتد بها.ولأن ضربات الطائرات بدون طيار من السماء يمكن أن تنتهك في غمضة عين العديد من قيم القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني على حد سواء، فإن الجدل القديم حول مشروعية الحرب الجوية قد يُعاد إحياؤه بعد أن عانت الإنسانية من كوارث كثيرة نتيجة الاستخدام العشوائي لأسلحة الطائرات بدون طيار. على الرغم من أن هذا النقاش تطغى عليه الدعوات إلى الامتثال لقوانين الحرب باعتباره مجرد سلاح جديد، وفقاً للمادة 36 من البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف المؤرخة في 12 أغسطس 1949م. وتنص المادة المتعلقة بالأسلحة الجديدة على ما يلي: “تلتزم الدول الأطراف، عند البحث عن أسلحة أو أساليب حرب جديدة أو تطويرها أو اقتنائها، بالتأكد مما إذا كانت محظورة في جميع الظروف، أو في بعض الظروف بموجب هذا البروتوكول، أو بموجب قواعد أخرى من قواعد القانون الدولي”. ومع وجود هذهِ المادة إلا أن الكثير من الدول الموقعة على اتفاقية جنيف, لا تزال تبرر الاستخدام العشوائي للطائرات المسيرة وما ينتج من أضرار في استخدامها, سواء أكان تبريراً سياسياً أو شعبياً للهروب من الامتثال للقانون الدولي.
الطائرات المسيرة في الثقافة الشعبية
تعمل روايات تبرير استخدام الطائرات بدون طيار التي يتم ضخها في الثقافة الشعبية، على تبسيط أخلاقيات القتل وتحويلها إلى قصص تؤدي غرضً تبريرياً بشكل مباشر. باستخدام استراتيجيات سردية واضحة ومبسطة بشكل كبير, من منطلق أن الغايات تبرر الوسائل, ومن أن ضربات الطائرات بدون طيار في سردية الهروب من الامتثال للقانون الدولي, هي ليست إلا تقنية عسكرية فعالة يمكن من خلالها أن يعم الخير في العالم.
من حيث المبدأ, رواد نظرية التبرير هذهِ استخدموا وسائل الإعلام والمسلسلات والروايات القصصية لجعل حرب الطائرات دون طيار أمر في غاية البساطة وأقرب مثال على هذا طرح هو ما ظهر جلياً في رواية Sting Of The Droneحينما ذهب ” ريموند” المتحدث باسم الأمن القومي الأمريكي في طرحه مبرراً ” إن الضربات التي تشنها الطائرات دون طيار خارج الحدود هي الاستخدام الأخلاقي للقوة بما في ذلك القوة المميتة في الدفاع عن النفس”.
وفي تصريح أكثر تشدداً ذهب الروائي الأمريكي “مايك مادين” في تبرير استخدام بلاده العشوائي للطائرات دون طيار بالقول: ” أدرك الجمهور في نهاية المطاف أنه لن يكون هنالك أي فرق إذا قتل الجيش الأمريكي الأهداف عبر الرصاص من مركبات المشاة أو عبر الطائرات دون طيار فالأشرار أشرار والموتى ماتوا”. يتم تمثيل الثقافة الشعبية لحرب الطائرات دون طيار على تعميم الأفكار السياسية وتعميقها في وجدان المتلقي دون النظر إلى ما هو على المحك أخلاقياً وسياسياً
بحيث يُستخدم الإنتاج الثقافي الشعبي من خلال شاشات التلفاز والكتب والروايات كذراع سياسي يبرر الانتهاكات تحت ذرائع الدفاع عن النفس أو ما يسمى بمحاربة الإرهاب, ويجعل فكرة التطبيع في حرب الطائرات دون طيار وعدم تميز الهدف المراد استهدافه من الجو وما ينتج عن هذه الضربات من خسائر في أرواح المدنيين أمر في غاية البساطة لدى كثيرين لأنهم تلقوا تبرير هذه الأفعال مسبقاً. وهذا ما يظهر جلياً في استخدام الدول المارقة والميليشيات التابعة لها لهذه التقنية العسكرية في استهدافها المباشر للمدنيين التي تعتبرهم هدف مشروع ومبرر استهدافه للحافظ على مصالحها السياسية والجيوسياسية في مناطق سيطرتها.