الرأي العام

الثور الكبير والتوريث وعدالة التاريخ

تقتضي الأمانة ربما القول: إن بشار الأسد مظلوم، ليس مظلوم عبدي شيت قسد طبعاً، لأنه حُمّل مالا طاقة له على حمله وتحمله.

كيف هي؟ سأقول لكم باختصار ما استطعت.

حافظ الأسد ولما بلغ من الاستبداد والغرور ما بلغ، بعد غدره بصحبه ورفاقه، أسس لدولة أسدية وليس لسوريا، بدأ بالعمل على بكره باسل، بيد أن موت الأمل أو قتله على طريق المطار عام 94، دفع الوارث للبحث سريعاً عن وريث، ولم يك أمامه إلا بشار.

وبدأ، بكل الطرق والوسائل تأهيله، وهو على يقين من “hopeless case” أي ميؤوس منه أو لا أمل يرتجى، لكن عدم وجود البديل والمخاوف من كشف العمالة والفساد والجرائم ومن ثم المحاسبة، دفعت الأسد المؤسس، للتصميم والتعويل على العصابة من حوله، للتأهيل والمساعدة والتوريث..

وهذا ما رأيناه عام 2000 من دون الخوض بالتفاصيل المعروفة لجلّ السوريين.

بيد أن بشار، ولأسباب ذاتية، سأتيكم لاحقاً على بعضها، رفس أول من رفس “عصابة من حول أبيه” أي ما قيل مع بداية التوريث، الحرس القديم، فنبش الرماد وتعرّى لضعف الإمكانات وبدأ بخسارة دولتين ونصف الدولة التي ورثّها المؤسس”سورية، لبنان ومنظمة التحرير”.

وسارت الأمور، بين المخاوف وصمت وذل السوريين حيناً، وبين الاحتقان وتربص اللحظة التاريخية”على قولهم” ريثما فدى بو عزيزي المنطقة وأشعل فتيل الثورات وزمن الكرامة..

وجلنا يعلم ويعي، لم نزل أحياء ولا نتكلم عن ماض سحيق أو تأريخ مشكوك بصحته، مجريات مواجهة الثورة وغرور المريض برفض جميع الحلول والمساعدات الخارجية ..قبل أن يحتمي بجميع كلاب العالم على شعبه، ويستحضر النكوصيين المغيبيين، والثأريين من موسكو وطهران، لتغدو ثورة السوريين جريمة والشعب مثال تأديب لكل من تسوّل له نفسه، التطلع إلى العدالة الاجتماعية والعدالة باقتسام الثروة وتبادل السلطة.

سأضعكم بصورة أمرين اثنين أرمي إلى إيصالهما. خاصة بعد ملامح الأمل بخروج صناديد جبل العرب ورفعهم السقف إلى ما كان عليه إخوتهم بالمحافظات، قبل الخيانة والغدر والقمع… ومحاولات إعادة إنتاج نظام القتل والخيانة.

الأمر الأول: الأسباب الذاتية التي وعدتكم أعلاه بقولها، وهي على غاية من الأهمية برأيي، وتختصر أعزائي بمرض بشار نفسه، فهو لمن يعرفه أو عامله، معّقد بعقدة الرجل الثاني ولا يقبل إلا أن يكون أولاً، ولو بالفزلكة والقتل والخيانة.

وقلت لكم “على غاية من الأهمية” لأنها تفسّر جل ما جرى ويجري، خاصة بعد عام 2011.. ولأقرّب للهدف، لا يمكن لهكذا شخصية أن تسامح أو تنسى، بل وأصحاب هكذا أمراض يسيرون بطريق الدمار والفصام حتى يقتلون… بمعنى hopeless case.

فمثلاً، لا يمكن لهؤلاء المرضى أن يغفروا تحطيم صورة المؤسس أو ما قيل من شعارات أو حتى لمن كان يحسبهم مقربين واصدقاء، فهو ينظر لما يجري بسوريا على أنه حالة تحد ويتعامل معها بمنطق القصاص والثأرية…

أي، هكذا مرضى غير مؤهلين لقيادة دول، لعدم تحليهم بالحس الوطني وحملهم الهم العام..ولا بقدرتهم عن فصل الذاتي عن المصلحة العامة…ولن أزيد لدى هؤلاء المرضى سلوكيات مدمرة ومشينة، لأن قياسهم بالعلاقات هو الإذلال و” To Be or Not To Be”

ولمعومكم، هكذا شكيلات، هم المطلوب بدقة للدول الديمقراطية بالشمال والباحثين عن مجد بائد بالمنطقة، فمن خلال”انفشوا وشوف ما أجحشو” أو عبر تحقيق ما يبلسم بعض العقد، ولو عبر الجنس وإعطاء أضعاف الحجم، يسيطرون ويتآمرون ويحققون مآربهم الأخرى.

الأمر الثاني: وهو ما يمكن تسميته عدالة التاريخ أو منطق الحياة أو أي شيء من هذا القبيل. وهاتيك العدالة والقصاص الدنيوي نراه اليوم مكرراً لما رأيناه قبل اثنتي عشرة سنة، من خلال الشعارات التي فضحت المستور وتكسير الأصنام وتمزيق الصور، من خلال هبة النشامى بالسويداء التي ظن المؤسس أنه أخرسها، جراء الحصار الاقتصادي وشراء بعض رخصاءها أو مساومتها ووعيدها عبر السنوات الفائتة.

وربما، رغم أني آمل ألا يتحقق ذلك، سيستمر منطق التاريخ والعدالة للدم ومزيد من التعرية، فنرى أيّ جرم لا يغتفر، اقترفه الثور الكبير حينما ظن بتوريث قاصر مريض، يمكن أن يطمر جرائمه ويعيّش السوريين، إلى الأبد، أذلاء مغيبين مقهورين.

عرفتوا ليس بشار مظلوم وطبوش… ببساطة لأنه “نص جَدبة” ولا يصلح لقيادة قطيع غنم.. فكيف وقد شاءت الأقدار وحكمة المؤسس، أن يكون “ثيادة” الرئيس.

زر الذهاب إلى الأعلى