الرأي العام

تسوية أرض المعلب: سوريا بين إعادة التوحيد أو التشظي

عبد الزراق الحسين – العربي القديم

في الخروج من قلب المشهد (التكتيك) والابتعاد عنه يسمح لك ذلك في  رؤية شاملة  للمخرجات وفق الاستراتيجيات الملموسة في الحالة السورية.

 نحن أمام أربع رقع جغرافية، رسم بعضها  ويرسم الاخر  حسب السيناريو المختار بين التوحيد او الانفصال. وفق ما تم على الأرض. لعل تعبير مؤسسة (راند)  التي تقدم دراسات للدفاع الأمريكية والاستخبارات  الأمريكية  قد وفقت تماما في استخدام تعبير قوي وصريح وهو _ تسوية أرض الملعب _ وهذا ما تم ويتم منذ الحرب على العراق  ضمن رؤية استراتيجية لصياغة شرق أوسط جديد  بعد مئة عام من (سايكس بيكو) بات قديماً… وهذا الشرق ضمنه الشرق الادنى الذي كان حصة فرنسا وبريطانيا… والذي بُدئ به عمليا.  وفي المنظور البعيد يتمد حتى الصين ومشروع طريق الحرير الجديد  وصولا إلى جميع الجمهوريات الجنوبية  للاتحاد السوفيتي  السابق الذي أنهته وورثت جزء منه روسيا اليوم.

تبلور من هذا المشر وع  إعطاء تركيا دوراً تنفيذياً لمسناه بوضوح في أذربيجان وأكرانيا بقوة. والتمدد التركي شرقا بدعم استراتيجي أمريكي في جميع الجمهوريات التركية حتى حدود الصين. هذا الشرق التعيس ولعنة جغرافيا المكان . تحالفات اليوم اختلفت عما السابق في انها تحولت إلى اتفاق ملفات  في منطقة واختلافها في منطقة أخرى.  ويبدو بات متاحا ذلك في تركيا اليوم لموقعها ولكونها القوة العسكرية البشرية الأولى أو الثانية في حلف الأطلسي.

نعود إلى سوريا التي تركت مشاعا لكن تحت العين الأمريكية دون تدخل قوي مباشر. فلا تركيا تدخلت، ولا روسيا ولا إيران إلا بمساحة وموافقة تركتها أمريكيا ضمن الدائرة الاستراجيية الأمريكية الأكبر. 

ولا يمكن عزل ذلك عن حرب غزة ودعم صريح لكيان قادم جديد في شرق  وشمال سوريا، عنصري، قومي  قد يحقق لإسرائيل راحة البال من الشعوب القوية وقد انهكت اليوم. سوريا والعراق ولبنان… فهل يتحقق الحلم من الشاطئين  الفرات والنيل.

ولا يمكن إهمال  الثورات وتتجينها  وتفتيتها  تحت العين الأمريكية  رغم عفويتها وصدقها.  لعل دور فورد في سوريا في البداية يبلور ذلك بقوة .من خلال زياراته للمناطق الساخنة وتأجيجها ثم اهمالها.  وينسحب ذلك في مصر . حتى ليبيا.

في مراقبة سوريا يمكن ملاحظة الخارطة  البشرية والعسكرية بوضوح اليوم:

إقليم كردي يشمل الجزيرة. كردي السياسة وعربي الجغرافيا والجغرافيا البشرية رغم  التهجير الممنهج  وفتح طرق الهحرة شمالا وإعادة التسميات للمدن والقرى العربية . رغم  ذلك لن يكون فيه العرب اقل من ٨٠ بالمية.  وسيتسم بدون شك  بصفة عنصرية عرقية وشيفونية خاصة  أن القوة المسيطرة غير سورية كردية . وقد يترتب لاحقا اندماج مع كردستان العراق .ضمن تفاهم تركي  كردستاني  ويكون اخر الدواء عند الأتراك لحماية حدوده . ويكون قد نجح في تصدير الازمة خارج أراضيه حيث يتحول إلى استقرار ولو نسبي . فالتعامل مع دولة أو شبه دولة اقل ازعاجا من التعامل مع مليشيا. 

إقليم وسط عربي خالص سني ما بين جنوب الفرات وشرق حمص حتى الجنوب مع الاردن  وشرقا مع العراق . إقليم ضعيف فقير صحراوي  قد يكون منفسه ومنفذه  محافظة الانبار السنية العراقية.

إقليم جنوبي شمالي غربي حتى السويداء جنوبا يكون سوري متعدد  سني علوي تركماني  مسيحي  يطل على المتوسط  قد يمثل  سوريا المتنوعة لاحقا لكن بقوة وريثة النظام الذي لا بد ان يتغير بتغير الجغرافيا والحدود مع الاقاليم.

إقليم جنوبي  قد يتخذ شكلين. مستقلين او متحدين. بين درعا  والسويداء.  أميل أن تلحق درعا  مع إقليم سوريا  لأسباب  جغرافية وبشرية… هذا اذا لم يرتبط الإقليم جنوبا مع الاردن بشكل مستقل . حيث تلعب العشائر دورا مهما في ذلك  ويظل الأمر في قرار كل من الاردن وإسرائيل في ذلك

 فينتج إقليم السويداء  ويكون مستقلا دينيا وجغرافيا، يرتبط مع شمال فلسطين، وعلاقات شبه دولية  أو الانطواء معه  قد يرغب اهل السويداء ذلك للخصوصية المفروضة في حال تم الانكفاء على مكونات مفروضة   رغم هوية المنطقة العروبية والسورية. ويذكر أنه رفض قسم مهم منهم تاريخيا الانفصال، وقسم مهم منهم في فلسطين مازال يحمل الهوية السورية انتماءً.

ما نشهده من توجهات في الشمال والشرق يوحي بذلك. رغم التمنيات ان تعود سوريا كما كانت موحدة وقوية لكن قد تذهب الاماني بقوة الواقع وقهره. روائح سايكس بيكو جديدة تزكم الانوف  في الفضاء الاعلامي  والنفسي عند السوريين. وقد تشظت ارواحهم  وباتت أمانيهم حسرات بين مخيم  ومهجر  وتحت التراب  فيما يبق الحي ينتظر موته جوعا وكرامة قد يدفن قبل موته الحقيقي.

سوريا لعنة التاريخ والجغرافيا. أرض الإنسان  الذي احتوى و عرب وثقف كل من مر بها أو أقام كريما ومكرما بلا تفرقة ولا تعصب. وقد يكون هذا ثمن أصالتها.

زر الذهاب إلى الأعلى