الرأي العام

الشرق الأوسط الجديد.. وخرائط تُرسم وهم نائمون

التاريخ لا يُكتب باليأس، بل بمن قرروا أن لا يكونوا مجرد ديكور في مشهد غيرهم.

سامي زرقة- العربي القديم

في السياسة، لا أحد ينام ويستيقظ ليجد بلاده مُقسّمة.. إلا في الشرق الأوسط.

هنا الخرائط لا تُرسم على الورق، بل على الأجساد، بالدم والنزوح، تحت عنوان لامع: “الشرق الأوسط الجديد”.

منذ أول مرة استخدم فيه هذا المصطلح، بدا مثقلاً بالإغراء والخطر معاً.. كُتب عنه الكثير: تارة كـ “مؤامرة استعمارية”، وتارة كـ “مرحلة إصلاح ضروري”.

لكن ما لم يُقال بما يكفي هو أننا -نحن العرب- لم نكن يوماً أصحاب القرار في شكل هذا “الجديد”.. كنا دائماً الضحية الجغرافية، والأداة السياسية، والسلعة الإعلامية.

نعم، هناك مشروع يعيد تشكيل المنطقة، لكن ليس من أجل “الديمقراطية” أو “التنمية”، بل من أجل السيطرة، التقطيع، إخضاع الشعوب، وضمان أمن كيانات محددة على حساب دول مفككة أو مستنزفة.

انظر حولك: العراق نُهش بالاحتلال والطائفية.. سوريا تُدار كفسيفساء نفوذ.. اليمن صار ملعباً للمتصارعين.. ليبيا مفككة ومفتوحة للتأجير السياسي.

كلها ملامح “الشرق الأوسط الجديد”، لكن دون غلاف وردي.. لا ديمقراطية، لا رخاء، بل حروب ومرتزقة وحدود رخوة.

المثير أن الإعلام العربي نفسه تورّط: منهم من روّج للمشروع تحت لافتة “الربيع”، وآخرون شيطنوا كل احتجاج بأنه امتداد للمؤامرة.. وفي الحالتين، غابت الحقيقة الدامغة أن الشعوب تريد التغيير، لكن لا تجد من يمسك بيدها دون أن يقطعها.

“الشرق الأوسط الجديد” ليس خريطة ترسلها المخابرات، بل حالة ضعف عربي عميق سمح لكل الأطراف أن تعيد رسمنا كما تشاء.. مشكلة المشروع ليست في كونه غربياً أو صهيونياً، بل في كونه يُدار بلا مشروع عربي بديل.

الخطر الأكبر؟ أن نقتنع بأن ما يحدث قدر، وأن لا جدوى من المقاومة.. لكن التاريخ لا يُكتب باليأس، بل بمن قرروا أن لا يكونوا مجرد ديكور في مشهد غيرهم.

في النهاية، الشرق الأوسط لن يستقر إلا عندما يبدأ العرب برسم مشروعهم الخاص، لا انتظار القادم من واشنطن أو موسكو أو طهران.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى