دلالات وقضايا | أمة عربية وقادة فرس ومنظرّون من وزن أبي هلالة!
يكتبها: د. مهنا بلال الرشيد
أحيانًا، وقبل نهاية الامتحان، عبثًا يقول مراقب القاعة للمُمتَحَنين: بقي خمس دقائق على نهاية الامتحان؛ فتعلو جَلَبَةٌ، ويرتفع الضَّجيج؛ يقول تلميذ: كيف مرَّ الوقت؟! ويقول آخر: نريد بضع دقائق مضافة؛ فيضرب المراقب قبضته على الطَّاولة، ويستغلُّ الجلبة طالب كسول، يبحث عن إجابة مسروقة من هنا، وأخرى مسروقة من هناك.
يقول المراقب الثَّاني للمراقب الأوَّل لقد أخطأتَ في إدارة القاعة، وأحدثتَ جلبة نحن بغنى عنها، فيردُّ عليه: هذا أحسن من صمتك! فيقول الآخر: الإدارة بالصَّمت أفضل من الإدارة بالجعجعة؛ فتعلو جلبة جديدة؛ يستغلُّها طلَّاب القاعة جميعًا!
من يعدُّ الصَّفعات ليس كمن يتلقَّاها!
هذه حالنا في قاعة الامتحانات؛أَعْنِينا، أو أعني أنفسنا نحن -سكَّان- الشَّرق الأوسط بين الجنوب اللُّبنانيِّ وشمال فلسطين وما حولهما؛ يحاول كلُّ واحد منَّا استغلال الدَّقائق الأخيرة في الصِّراع الانتخابيِّ بين المراقبين المرشَّحين لإدارة الشَّرق الأوسط والعالم (ترامب-هاريس).
هنالك طالب شرسٌ ومتفوِّق تكنولوجيًّا، يبدو أنَّ المراقبين قد أسَرَّا له بالأسئلة والأجوبة قبل الامتحان، وربَّما زوَّداه بسمَّاعة بلوتوث للغشِّ الامتحانيِّ؛ فقد انتهى من الإجابة عن الأسئلة كلِّها قبل نهاية نصف وقت الامتحان، ثمَّ وضع ورقته تحت رأسه؛ لعدم ثقته بجيرانه الكسالى، ونام عليها؛ كيلا يسرق أحد معلوماتها، وطرد (الهدهد) عندما أراد صاحبه أن يسترق بعض السَّمع من البلوتوث وبعض النَّظر من ورقة الامتحان، وعندما ارتفعت الجلبة في نهاية الامتحان صفع الطَّالبُ الشَّرسُ صاحبَ الهدهد على رقبته، وثنَّى بضربة على اِسته، وثلَّث تحت خاصرته.
وباقي الطَّلَّاب منهمكون، كلٌّ يغنِّي على ليله، ويرسم مستقبله على هوى ليلاه، والمراقبان برغم انشغالهما بتبادل الاتِّهامات، يحرصان كلَّ الحرص على سلامة طالبهما الشَّرس المدلَّل! هنالك في الزَّاوية البعيدة طالب أهبل، أو يشبه الأهبل، يراقب المراقبين والمتصارعين في قاعة الامتحانات، يتلمَّس رقبته الطَّويلة، وهو يعدُّ لصاحب الهدهد كلَّ ما تلقَّاه من صفعات!
تهويش إعلاميٌّ
أغرت الضَّوضاء في هذه القاعة الامتحانيَّة بعضًا من المولعين بالتَّهويش الإعلاميِّ؛ فظهر بعضُهم بمنشور يتحدَّث فيه عن الفرق بين الطَّالب الشَّرس المتفوِّق والطَّالب صاحب الهدهد الَّذي تحوَّل من فاعل دون الدَّولة في هذه المنطقة إلى مفعول به دون الفتى، وبرتبة غلام، وأوعز هذا المنظِّر الأقلَّويُّ وثنائيُّ الجنسيَّة والقوميَّة والولاء والانتماء لمراكزه البحثيَّة من المفعول بهم، وأمرهم بالحديث عن الفواعل؛ فأقاموا المؤتمرات، وكتبوا التَّقارير وتقديرات المواقف للحديث عن الفواعل المؤثِّرة من الكيانات المستحدثة مع الأحزاب الدِّينيَّة المترهِّلة وحركات المقاومة الَّتي أضاعت بوصلتها بانضوائها تحت ألوية الفُرس، وراحت تبحث عن طريق القدس في مضايا والقصير وإدلب! بأمر من سيِّدها صاحب الهدهد الألثغ، الَّذي قرَّر أن يرسل إلى سوريا من المجرمين مئة ومئتين وألفًا وألفين؛ لكنَّه تلقَّى على اِسته صفعة وصفعتين!
نعم أقاموا النَّدوات والمؤتمرات لترويج أفكار الفواعل والتَّعافي السُّوريِّ المبكِّر دون جدوى، ثمَّ ظهر كبيرهم، وراح يتحدَّث عن الطَّالب المشاكس الَّذي لا يحترم قواعد الاشتباك؛ حين صفع طالب الزَّاوية ذي الرَّقبة الطَّويلة على رقبته، وركز بعصاه صاحب الهدهد على اِسته، ثمَّ لَبَطَه على عينيه وبين رجليه!
مفهوم الأمَّة بين أبي هلالة وباقي فلاسفة العالم
في زحمة التَّنظير حول تفجير (البيجرات؛ أي منظومة حزب الله وشبكة تجسُّسه الإرهابيَّة)، الَّتي تأتمر بأوامر جنرالات الفرس الإيرانيِّين، وتنخر جسد سوريا ولبنان معًا أطلَّ علينا ياسر أبو هلالة مدير قناة الجزيرة السَّابق في برنامج (ما تبقَّى)، وراح يُنظِّر حول مفهوم الأمَّة على معاذ محارب مقدِّم البرنامج.
أجمع منظِّرو العالم كلُّهم أنَّ الأمَّة -الدَّولة تقوم أوَّلًا على شعب صاحب (أصل-لغة) واحدة أو (أصول- لغات) متعدِّدة؛ ولا بدَّ من جغرافية محدَّدة تنشأ عليها دولة هذا الشَّعب أو أمَّته، ولا بدَّ من تاريخ مشترك بأفراحه وأتراحه؛ ليشكِّل وحدة مصالح مشتركة بين شعب هذه الأمَّة أو مواطنيها، ويمكن أن يكون لأفراد الشَّعب في هذه الدَّولة دينٌ واحد أو أديان متعدِّدة!
نعم! أجمع كِبار فلاسفة العالم على محدِّدات الأمَّة الرَّئيسة، لكنَّهم اختلفوا على ترتيب هذه المكوِّنات؛ فلا أمَّة دون شعب له تاريخ مشترك وأرض أو جغرافية؛ لتنشأ عليها الدَّولة، أو تنهض عليها هذه الأمَّة. ولكي يتحقَّق التَّفاعل الثَّقافيُّ بين شعب هذه الدَّولة أو شعوبها وأفرادها نادى كبار المنظِّرين بالحرِّيَّتين (اللُّغويَّة والدِّينيَّة)؛ لضمان نهضة الدَّولة-الأمَّة؛ كما نهضت أمريكا وألمانيا برغم تعدُّد الأعراق واللُّغات والشُّعوب فيها، وعرفت هذه النَّزعة التَّنظيريَّة المتميِّزة بالنَّزعة العلمانيَّة!
أمَّة عربيَّة وقادة فُرْس
أتحفنا ياسر أبو هلالة في لقائه مع معاذ محارب بتنظير جديد؛ لم يُمانع فيه أن يقود جنرالات الفرس الإيرانيِّون باقي مسلمي الأمَّة في الشَّرق الأوسط وداخل القاعة الامتحانيَّة، الَّتي بدأنا مقالنا بالحديث عنها، وبرغم اعتراف أبي هلالة بجرائم جنرالات الفرس ضدَّ مسلمي الأمَّة وتضارب مصالحهم وتاريخهم مع مصالح السُّوريِّين واللُّبنانيِّين خلال الثَّورة السُّوريَّة ضدَّ المجرم بشَّار الأسد لم يمانع أن يقود جنرالات إيران ومن والاهم من المجرمين هذه الأمَّة من أمثال قاسم سليمانيِّ وإبراهيم عقيل وجزَّار مضايا حسين علي غندور!
وقفة أخيرة
لا يمكن لأيِّ عاقل من أبناء الأمَّة أن يقبل بتنظيرات أبي هلالة، وكذلك لا يقبل بتنظيرات بعض أقلِّيَّاتها أو (مفكِّريها الَّذين صنعهم، وروَّج لهم نظام المجرم بشَّار الأسد) من مزدوجي الجنسيَّة، الَّذين يدَّعون العروبة، ويحملون جنسيَّتها وجنسيَّة أعدائها في وقت واحد، حتَّى لو هيمن (المفكِّر) الأقلَّويُّ ثنائيُّ الجنسيَّة على إعلام الأمَّة العربيَّة، وقاد بزِمام الدُّولار أنصاف مثقَّفيها كلَّهم من عبيد السِّينتات، فلن يقبل أبناء الأمَّة تنظيره وتنظير مرتزقته المجافي للمنطق والحقيقة والحرِّيَّة والعدالة ومبادئ نشوء الأمم والدُّول؛ فمصالح تلك الأقلِّيَّات الدِّينيَّة والعرقيَّة المؤدلجة ومصالح عبيد الدُّولار غير مصالح الأمَّة العربيَّة في أوقات الرَّخاء، ولا شكَّ أنَّ مصالحهم غير مصالح الأمَّة في الدَّقائق الخمس الأخيرة في القاعة الامتحانيَّة قبيل الإعلان عن نتائج الانتخابات الأمريكيَّة!