دلالات وقضايا | عاد العيد بكل تجديد وفرح السوريون
حتَّى عاد العيد بصورة مختلفة هذا العام

. مهنا بلال الرشيد – العربي القديم
عيدك مبارك قارئَ العربيِّ القديم!
عيدكم مبارك أيُّها المسلمون في أرجاء المعمورة! أعيادكم سعيدة ومباركة يا أحرار العالم! وعيدك مبارك أوَّلًا وأخيرًا أيُّها السُّوريُّ الحرُّ في بقاع الأرض كلِّها! عيدك مبارك فأنت حرٌّ وحرٌّ وحرُّ! ها قد عادت غرُّة شوَّال سنة 1446 هجريَّة، وتوافق عيد الفطر فيها مع يوم الحادي والثَّلاثين من آذار-مارس 2025، فحمل هذا العيد معه بشائر الخير بتزامنه مع أعياد الثَّورة السُّوريَّة المباركة؛ فتعال معي-قارئي العزيز-لنستعرض في بطاقة المعايدة هذه ألبومًا جميلًا وجليلًا ومعبِّرًا من الصُّور، الَّتي عشناها في العقدين الأخيرين، ولن تبرح ذاكرتنا حتَّى آماد بعيدة، وربَّما لا تبرحها أبدًا؛ من ذكرى انطلاق الثَّورة السُّوريَّة المباركة ضدَّ عائلة الأسد المجرمة بين 15-18 آذار مارس 2011 إلى الاحتفال بعيد النَّيروز وعيد الأمِّ ورأس السَّنة الإيبلاويَّة القديمة سنة 2025، إلى ذكرى تحرير إدلب؛ عاصمة الثَّورة السُّوريَّة وحاضنتها وحاضنة الأحرار منذ تحريرها في معركة إدلب الثَّانية بين24-28 آذار-مارس 2015 وحتَّى تحرير سوريا من عصابة الأسد المجرمة في الثَّامن من كانون الأوَّل-ديسمبر 2024، وحتَّى يومنا هذا، وهكذا ستبقى إدلب مثل شقيقاتها من المدن السُّوريَّة الأخرى إذا ألمَّت بواحدة منهنَّ مصيبة تداعت لها المدن الأخرى ترعاها وتجبر مصابها! فأيُّ عيد يعيشه السُّوريُّون في ألبوم الصُّور هذا العام؟ أيُّ عيد والبسمات مع دموع الفرح لم تغادر شفاههم وعيونهم منذ أربعة أشهر؟ فعيدك مبارك، وعيد فصحك القادم مجيد ومبارك أيُّها السُّوريُّ الحرُّ في معلولا وصيدنايا؛ صيدنايا الَّتي استعادت ألقها، وبهمَّة السُّوريِّين الأحرار عادت-كما كانت سابقًا-مهدًّا للسَّيِّد المسيح وللمحبَّة والسَّلام بعدما حطَّم الأحرار أبواب سجنها اللَّعين، وقرَّروا أن يجعلوه متحفًا في قادم الأيَّام؛ بعدما انتزعت الأمَّهات آخر حبال المشانق من أبواب الزَّنزانات هناك! أعيادكم مباركة أيُّها السُّوريُّون الأحرار عربًا وكُردًا وسريانًّا وشركسًا وتركمانًا وآشوريِّين وكلدانيِّين؛ مسلمين ومسيحيِّين! أعيادكم مباركة برغم حرارة النِّقاش وحماوته على مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ أيضًا! أو برغم ضراوته عند كلِّ مفصل على مدار أربعة أشهر من عُمر سورية الحرَّة؛ حين ناقشتم مدَّة المرحلة الانتقاليَّة، وبناء المناهج التَّعليميَّة الجديدة، وتشكيل حكومتي التَّحرير: الأولى والثَّانية، وعبَّرتم عن وجهات نظركم المتباينة بالعدالة الانتقاليَّة ولجنة الحوار الوطنيِّ والإعلان الدُّستوريِّ ومحاسبة رموز النِّظام البائد واعتقال مفتي نظام البراميل أحمد بدر الدِّين حسُّون وتعيين أسامة الرِّفاعيِّ مفتيًا لسورية الحرَّة أو سوريا الجديدة، وظهور مجلس جديد للإفتاء مؤلَّف من شخصيَّات لها وزنها وقيمتها الاعتباريَّة بين المسلمين السُّوريِّين؛ بما يشبه العودة إلى ألق مؤسَّسة الإفتاء أيَّام محمَّد أبي اليسر عابدين (1889-1981) قبل إقالته مع انقلاب البعث المجرم في الثَّامن من آذار-مارس 1963، ثمُّ الدُّخول في مرحلة الإفتاء الصُّوريِّ المظلم أو العضويِّ المرتبط بنظام الإجرام البائد من أحمد كفتارو حتَّى أحمد حسُّون!
عيد واحدٌ أم أعياد متعدِّدة؟
يقدِّم لنا ألبوم الصُّور في بطاقة المعايدة خلال هذا المقال مشاهد متعدِّدة أو مشاهد متناقضة من صور العيد، وتعطينا الصُّورة الأولى جوابًا على قول المتنبِّي:
عيدٌ بأيَّة حالٍ عدتَّ يا عيد بما مضى أم بأمرٍ فيكَ تجديدُ؟
أمَّا الأحبَّة فالبيداء دونهم فليتَ دونَك بيدًا دونها بيدُ
لولا العُلا لم تَجُبْ بي ما أجوبُ بها وَجْناءُ حَرْفٍ ولا جرداءُ قيدودُ
نعم! إنَّها العُلا والمعالي؛ إنَّها الحرِّيَّة الَّتي طلبها السُّوريُّون؛ وفي سبيلها وسبيل الوطن قدَّموا الشُّهداء والتَّضحيات، ونزحوا، وهُجِّروا، وجابوا بقاع الأرض، ومن أجلها تفرَّق الأحباب، وتشتَّت شملهم في أصقاع العالم! إنَّها الكرامة الَّتي حملوها معهم في بلدان شتاتهم وخيام نزوحهم بعد أن تركوا لعصابات الأسد ذلَّ اللُّصوصيَّة وهوان تعفيش البيوت ومذلَّة نهبها وسرقتها واختلاس ممتلكاتها، حين سلبوا أسلاك الكهرباء من جدرانها المحطَّمة، وسحبوا قُضبان الحديد من سقوفها المدمَّرة، حتَّى عاد العيد بصورة مختلفة هذا العام؛ عاد بالعلا والمعالي؛ عاد بأنسام الحرِّيَّة؛ فأجابت الطَّائرات المروحيَّة في ساحات دمشق وإدلب واللَّاذقيَّة المتنبِّي على سؤاله في قصيدته بعد ألف سنة؛ فقد أغلق عيدُ السُّوريِّين هذا العام البابَ على ما مضى؛ وجاء بالتَّجديد كلِّ التَّجديد؛ فالمروحيَّات الَّتي كانت تلقي البراميل المتفجِّرة على أبناء سوريا في إدلب ودمشق وحمص وحلب وحماة واللَّاذقيَّة والمحافظات الأخرى كلِّها عادت لتلقي عليهم الأزهار والورود في ذكرى أعياد الثَّورة والتَّحرير! والطَّيَّار المجرم الَّذي كان يُعِدُّ القذائف والبراميل المتفجِّرة ليلقيها على البيوت والمدارس استبدل بطيَّار حرٍّ شريف خاطب أطفال إدلب قبل الصُّعود إلى مروحيَّته منذ يومين؛ قال لهم: سنحلِّق بعد قليل في سماء إدلب! لا تخافوا يا أبناءنا وأطفالنا في القرى والمدن والمخيَّمات هناك! سنلقي عليكم الورود والرَّياحين؛ سنطلق في السَّماء حمامات السَّلام! لوِّحوا مجدَّدا بأياديكم الغضَّة لنسور سوريا الأحرار! وذكَّرنا خطاب هذا الطَّيَّار الحرِّ الشَّريف بصورٍ من خوف أبنائنا في بلدان اللُّجوء! نعم لقد خاف أطفالي حين شاهدوا الطَّائرات التُّركيَّة في الأيَّام الأولى بعد الهجرة والنُّزوح، حين رسم الطَّيَّارون علم الجمهوريَّة في عيد من الأعياد؛ فطمأنتُهم، وطمأنهم المحتفلون هناك! قالوا لهم: لا تجزعوا هذه الطَّائرات لحماية المدنيِّين والدِّفاع عنهم والفرح معهم!
عاد العيد بكلِّ التَّجديد، وفرح السُّوريُّون؛ ضحكوا وذرفوا دموع الفرح والفخار؛ وهم يشيِّعون أملهم الأخير على أبواب سجن صيدنايا بعدما تأكَّدوا من رحيل الأحبَّة من أبنائهم الشُّهداء في سبيل الحرِّيَّة المنشودة؛ ذرفوا دموع الفخار لأنَّ أبناءهم حقَّقوا ما كانوا يصبون إليهم؛ لأنَّهم صنعوا-وبرغم رحيلهم-فجرنا المنشود؛ صنع الشُّهداء لنا ولأبنائهم سوريَّةَ الجديدة، الَّتي كانوا يطمحون بها، ويصبون إليها؛ أزاحوا عنها نظام الطُّغمة الحاكمة بعدما أحكمت قبضتها علينا وعلى سوريانا نصف قرن من الزَّمن؛ عاد العيد، وفرحنا، ورقصنا، وبكينا، ما عدا الأمُّ الَّتي حملت حبل المشنقة على أبواب سجن صيدنايا؛ فقد ذكَّرتنا أمُّنا هذه بقول المتنبِّي:
أصخرةٌ أنا؟ ما لي لا تحرِّكني هذي المُدام ولا هذي الأغاريد؟!
صورة مختلفة تمامًا في هذا العيد
تتوالى أبيات المتنبِّي في قصيدته الدَّاليَّة ومع تواليها نشعر بأشياء عانينا فيها مثل معاناة المتنبِّي قبلنا حين قال:
إنِّي نزلتُ بكذَّابين ضيفُهمُ عن القِرى وعن التّرحال محدودُ
ما يقبض الموتُ نفسًا من نفوسهم إلَّا وفي يده من نَتنِها عودُ
من كلِّ رخوٍ وكاء البطن منفتقٍ لا في الرِّجال ولا النِّسوانِ معدودُ
وهذا البيت الأخير تحديدًا يذكِّرنا بصور المجرم المخلوع بشَّار الأسد وصور أبيه المجرم حافظ الأسد وصور عائلته الشَّخصيَّة الَّتي تركوها خلفهم؛ نعم! لقد حمل ذاك الرَّخو الأموال، وترك ألبومًا كبيرًا من صوره؛ وشتَّان بين موقفه هذا وموقف السُّوريِّ الحرِّ الآخر الَّذي خاطبه سابقًا؛ وقال: نعم! نحن نزحنا إلى المخيَّمات! أخذنا معنا كلَّ غالٍ علينا؛ أخذنا معنا أمَّهاتنا وأطفالنا ونساءنا، وتركنا لكم حديد البيوت كي تسحبوه، تركنا لكم أثاثها كي تعفِّشوه؛ أخذنا معنا كرامتنا الغالية علينا، وتركنا لكم وصمات العار الَّتي تليق بكم! وأنت حين رحلت أيُّها المجرم المخلوع! أكَّدت المؤكَّد حين أخذت معك الأموال وتركت صورك العائليَّة وسمعتك الرَّخيصة حين قارنتها بالدُّولار الَّذي يرتفع وينزل مثل سروالك المخلوع في ألبوم الصُّور!
صورة أخيرة من صور العيد
أمَّا الصُّورة الأخيرة من ألبوم صورنا المرفق مع بطاقة المعايدة هذه؛ فهي صورة للعبرة والاعتبار؛ وجدناها في قصيدة للمعتمد بن عبَّاد الشَّاعر الأندلسيِّ الملك؛ قالها في سجنه بعدما فقد المُلك في إشبيلية، ونُفي إلى مدينة أغمات في المغرب، وسُجن فيها أربع سنوات، وتوفِّي في السِّجن هناك سنة 1095.م، وقبل وفاته في منفاه زراته بناته في السِّجن، فرأى ثيابهنَّ البالية، وعرف أنَّهنَّ يعملن في خدمة البيوت ونسيج الثِّياب؛ لتأمين ما يكفيهنَّ للعيش؛ فقال المعتمد بن عبَّاد قصيدة رائيَّة شهيرة؛ تصلح للعبرة والتَّأمُّل والاعتبار في كلِّ وقت وحين؛ لذلك فضَّلتُ أن أختم ألبوم الصُّور في بطاقة المعايدة بهذه القصيدة دون أيِّ تعليق عليها؛ كيلا أصادر عليك-قارئي العزيز-متعة القراءة وما يأتي بعدها من إسقاط وتأويل لو تأمَّلت في صورة الملك الأسير في أغمات أو ربطتَ بين المشهد العامِّ في القصيدة وبعض المشاهد من خُطب العيد وتمثيليَّات المباركة وعباءات العيد في مسجد بني أميَّة الكبير في دمشق خلال العقدين الأخيرين من الزَّمن؛ فقد قال المعتمد:
فيما مضى كنتَ بالأعياد مسرورا فساءَك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعة يغزلن للنَّاس ما يملكنَ قطميرا
برزنَ نحوك للتَّسليم خاشعة أبصارُهنَّ حسراتٍ مكاسيرا
يطأن في الطِّين والأقدام حافية كأنَّها لم تطأ مسكًا وكافورا
أفطرتَ في العيد لا عادت إساءته فكان فطرك للأكباد تفطيرا
قد كان دهرك إن تأمره ممتثلًا فردَّك الدَّهرُ منهيًّا ومأمورا
مَن بات بعدك في مُلك يسرُّ به فإنَّما بات بالأحلام مغرورا