العربي الآن

الوقت يداهم الجميع: هل ما زال للعدالة مكان؟

نحن لا نتهم، بل ننصح… لا نصرخ لنسقطكم، بل لنذكّركم: أنتم في موقع مسؤولية تاريخية، إما أن تُكتب لكم، أو تُكتب عليكم

بلال الخلف – العربي القديم

في الوقت الذي علّق فيه الناس آمالهم على حكومة قيل إنها من رحم الثورة، وعلى رئيس رأى فيه الناس بارقة رجاء وسط غبار الخذلان، تتسرب خيوط الثقة من بين الأصابع، شيئًا فشيئًا… لا لأن الشعب لا يصبر، بل لأن ما يحدث مؤخرًا يُشبه انتقامًا من الحلم، لا بناءً له.

لا ندري حقاً ما الذي يُراد لنا أن نفهمه من هذا المشهد المكرر حتى السأم، وكأننا لسنا شعباً له ذاكرة، بل “هويشة كراجات” كما وصفنا الوزير الجديد حمزة المصطفى، الذي كوفئ على استغبائنا بتعيينه وزيراً للإعلام! ربما لأن لا دماء على يديه، صمتنا، أو قلنا: “لعل الرئيس يرى ما لا نراه”، أو ربما لأن لوبيات خفية تدير تدفع لهذا الامر من وراء الستار.

لكن الأخطر من كل ذلك، أن نرى وجوهًا مثل فادي صقر ومحمد حمشو طلقاء، يتحركون بلا قيد، بل ويمارسون نفوذهم في إخراج الموقوفين، وفتح أبوابٍ كان يفترض أن تُقفل بالأبدية. أن يتوسط أحد قادة الميليشيات السابقين لإطلاق سراح مجرمين، فهذا لا يسيء فقط إلى صورة العدالة، بل يهزّ بنيانها من الأساس.

نعلم أن العدالة الانتقالية ليست سهلة، وأن العزل السياسي يتطلب توازنًا، لكن التجاهل الكلي لنصوص الإعلان الدستوري، وتحويل مفاهيم الثورة إلى مجرد شعارات مؤقتة، لهو الطريق الأسرع نحو إحباط الناس، وتفكك الثقة.

فخامة الرئيس، معالي الوزراء…

الناس لم تمنحكم ثقتها عبثًا. لقد راهن الشارع عليكم، وعلى اختلافكم عن وجوه الماضي، لكننا اليوم نرى مؤشرات مقلقة…

نسمع عن إطلاق سراح المتورطين كل أسبوع، نرى وجوهًا أمنية وعسكرية ببدلات أنيقة تعود للمشهد، فتتفجّر وسائل التواصل بفضائحهم القديمة، ثم يُقال لنا بعد أيام: لقد أُقيلوا… فأي عبث هذا؟ وأي إدارة هذه التي لا تفحص الأسماء قبل منحها الصلاحيات؟!

نحن لا نتهم، بل ننصح… لا نصرخ لنسقطكم، بل لنذكّركم: أنتم في موقع مسؤولية تاريخية، إما أن تُكتب لكم، أو تُكتب عليكم

الناس لم تعد تحتمل مزيدًا من الصدمات، ولا الشارع قادر على امتصاص المزيد من الاستفزازات. كل قرار خاطئ، كل وساطة مشبوهة، كل متهم يُغسل تاريخه بإفراج إداري، هي صفعة على وجه العدالة… وهي خطوة إلى الوراء، في لحظة نحن بأمسّ الحاجة فيها إلى التقدّم.

السلم الأهلي ليس قاعدة صلبة، بل شبكة عنكبوت، وخرقها ليس بحاجة إلى انفجار… يكفي أن يشعر الناس أن الظالمين يعودون، وأن الدماء تُغفر، وأن الثورة أُغلقت ملفاتها بصمت.

لسنا ضد العفو، ولكننا مع الحق. ولسنا دعاة تصفية، بل أنصار عدالة.

وإذا كانت السلطة لا تزال تُراهن على الصبر الشعبي، فنحن نذكّركم أن هذا الصبر ليس بلا نهاية، وأن ما يبنيه الأمل قد تهدمه الخيبة في لحظة واحدة.

الوقت يداهم الجميع. فإما نكون دولة تُحترم فيها كرامة الناس، وتُطبَّق فيها العدالة دون انتقائية، أو نكون شركاء في إعادة إنتاج الكارثة… ولكن بثوب جديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى